لفصل الصيف في كندا نكهة خاصة لا يعرف طعمها الا الشباب الذين ينتظرون مجيئه بفارغ الصبر بعد انقضاء اكثر من نصف عام على ما يشبه "الاقامة الجبرية" في منازلهم ومراكز اعمالهم وجامعاتهم، نتيجة قسوة المناخ وتساقط الثلوج وموجات الصقيع التي لا تطاق. ويمني الشباب النفس مع اول اطلالة لشمس الصيف، بقضاء اوقات ممتعة خلال الاجازات او العطل الاسبوعية، ويرصدون لهذه الغاية ما تيسر من مدخرات مالية لانفاقها على ما تتضمنه اجندتهم من مشاريع ترفيهية تدخل فيها اعتبارات الزمان والمكان وبلوغ الحد الاقصى من الراحة والاستمتاع والاستجمام. ويبدو ان مثل هذه الخيارات على بساطتها وواقعيتها، لا تتوافر لهم الا في المخيمات الصيفية المنتشرة في طول البلاد وعرضها والتي لا تعتبر متنفساً ميسوراً لهم وحسب وانما واحات شبابية بامتياز سواء لجهة العودة الى احضان الطبيعة والتمتع بسحرها وجمالها وبكل ما تجود به من شمس وهواء وخضرة وفيء وماء او لجهة ممارسة شتى الهوايات الرياضية والبيئية وصولا الى المغامرات التي قد لا تخلو من المخاطر احياناً. في اوائل التسعينات من القرن المنصرم، اجرت وزارة السياحة الكندية بالتعاون مع المنظمات الشبابية واصحاب المواقع الطبيعية الخاصة، مسحاً جغرافياً شاملاً لطبيعة الاراضي والغابات والانهار والبحيرات والطرق بغية جعلها مخيمات صيفية ومحميات سياحية مفتوحة للعموم. وفي العام 2001 تم توسيع المشروع ليشمل جميع المقاطعات الكندية وانيط الاشراف عليه الى "المنظمة الوطنية للمخيمات الصيفية" campgrounds company canada او ما يعرف اختصاراً بccc. وجرى تصنيف هذه المخيمات وفقاً لمعايير سياحية عالمية تتماثل مع الدرجات المخصصة للفنادق التي تتدرج من نجمة واحدة والى خمس نجوم والتي تتناسب مع موازنات مختلف الشرائح الاجتماعية وجعل "مبدأ الترفيه متاحاً للجميع". وتضخ الخزينة الكندية اكثر من 10 بلايين دولار سنوياً اي ما يعادل نحو 5،3 في المئة من الدخل الوطني في هذه المشاريع حسبما يقول المدير المسؤول عن المنظمة جان فورست. والواقع ان كلاً من هذه المخيمات على اختلاف تصنيفها هي بمثابة "قرية سياحية نموذجية" على حد تعبير احد المسؤولين عن مخيم "موقع الاحلام" domainne du reve le في ضواحي مونتريال. فالمخيم مجهز بالخيم والعربات المقطورة والمنازل الخشبية الجاهزة. وتتنوع فيه ألوان المأكولات والمشروبات ويضم العديد من احواض السباحة للصغار والكبار علاوة على الملاعب الرياضية والانشطة الترفيهية كالتزلج على الماء او الغطس او صيد الاسماك. ويشتمل المخيم ايضاً على بعض المسارح وصالات السينما والاندية الليلية ومكتبات المطالعة والانترنت والصيدليات وفرق الطوارئ الطبية. ويقول فورست: "ان معظم المخيمات تلتزم بسلسلة من الانظمة والقواعد التي يشرف على تطبيقها عدد من رجال الامن المحليين وينبغي على الرواد التقيد بها. وهي متاحة للجميع ويمكن معرفة مواقفها من خلال الكتيبات والملصقات والمصورات او من خلال مواقعها على الانترنت". اما المخيمات الصيفية الحرة او غير المصنفة بدرجات سياحية، فهي متروكة للمغامرين من الشباب الذين غالباً ما ينصبون خيامهم بالقرب من الانهار او البحيرات وعلى مقربة من المدن الرئيسية. وهؤلاء المغامرون هم اجمالاً من ذوي الخبرة والدراية بالمواقع الطبيعية وعلى درجة عالية من الثقافة بعالم البراري. فلديهم مثلاً كل التفاصيل عن المخيم الذي يقيمون فيه، وهم مزودون بخرائط ومصورات، ويتكفلون بكل ما تحتاجه اقامتهم من تجهيزات ومعدات. وبالتالي هم المسؤولون عن امنهم وسلامتهم وعن كل ما يجري حولهم. "هذا هو منطق الطبيعة" يقول سيبستيان بلليفوا، رئيس فريق التخييم في مخيم "المنتزه البري" او parc sauvage في كيبك. ويتحدث بلليفوا عن لائحة طويلة من المستلزمات الضرورية لاقامة المخيمات الصيفية منها دراسة المكان من الناحية الجمالية والامنية والترفيهية بمعنى الا يكون ملاصقاً للانهار والغابات او بعيداً من الشوارع الرئيسية واختيار الخيم الجيدة الصنع وتأمين وسائل التدفئة والانارة وتوفير الحقائب المحمولة على الظهر وانتعال الاحذية الخفيفة وارتداء القبعات الواسعة والمعاطف الخفيفة للوقاية من البرد والمطر والحشرات السامة والاكتفاء بوجبات غذائية جاهزة ومعظمها من المعلبات، وتأمين كميات وافرة من زجاجات المياه المعدنية وتجنب الشرب من الينابيع والمياه الجارية وعدم التوغل بعيداً في الغابات وتجهيز صيدلية للاسعافات الاولية تشتمل خصوصاً على حقن ومضادات حيوية لمعالجة الالتهابات الجلدية والحروق واللسعات السامة والحرص على عدم تلوث البيئة كقطع اغصان الشجر او رمي الفضلات والنفايات في الانهار او على ضفافها. وعلى رغم جدية هذه المعلومات الوقائية الا ان بعض الشباب ممن يستهويه حب المغامرة والاستطلاع لا يتقيد بها ما يجعله عرضة لمخاطر قد تهدد حياته كالتمادي في السباحة بعيداً من الانظار او الغوص في اعماق المياه او التوغل في الغابات الكثيفة او مطاردة بعض الحيوانات والحشرات والافاعي او تعرضه طويلاً لأشعة الشمس او غير ذلك من الممارسات العبثية ذات العواقب الوخيمة. وتفادياً لكل ذلك ولتعميم ثقافة التخييم واصول اقامة المخيمات تقيم بعض الاندية الشبابية في كندا دورات تدريبية تؤهل الراغبين في ممارسة تلك الهوايات بمعلومات وافرة تتضمن مجمل التفاصيل والتجهيزات الفنية والانظمة التي تؤمن لهم المتعة والراحة والامان والاطمئنان. كما يتولى غيرها من المركز الشبابية تنظيم المخيمات الصيفية والاشراف عليها لقاء بدل رمزي لا يتجاوز مئة دولار للشخص الواحد علماً ان أكثر من الفي متطوع من الشباب يعملون فيها ويغطون حوالى 500 مخيم في منطقة كيبك في الفترة المحددة رسمياً لافتتاح المخيمات واغلاقها والتي تبدأ من اواسط نيسان ابريل وحتى مطالع ايلول سبتمبر من كل عام.