مع إقبال المجتمع السعودي على الانفتاح بدأت سلوكيات وظواهر جديدة في التسلل إلى الأسرة السعودية. وفي السنوات الأخيرة، خرجت من دائرة الصمت ظاهرة "سفر الأزواج" الذين يخلفون شريكاتهم عند الأهل. وتزايد صراخ المتذمرات اللواتي خرجن الى الضوء ليكشفن معاناتهن من دون خجل. وإذ ترفض غالبية المتدينين السعوديين فكرة السفر إلى الخارج من أجل السياحة، تذهب الزوجات اللواتي "تنتهي صلاحيتهن" بحلول الصيف إلى جانب آخر من المعادلة. إذ ليست القضية بالنسبة اليهن نابعة من رفض مبدأ السفر ذاته بقدر ما تعبرن عن الاستياء من هروب أزواجهن إلى الخارج تحت أعذار تزداد بعداً عن المنطق مع تكرار السفر وتجدد المبررات الواهية كل عام. وعبرت سيدات تحدثن إلى الحياة "عن استيائهن وارتيابهن من شد أزواجهن عصا الترحال إلى مدن إثر مدن من دون أسباب مقنعة"، فيما يرى الأزواج من ناحيتهم أن "للضرورة أحكام". استهلت السيدة ل. حديثها بالقول: "أنا متزوجة مذ أكثر من عشرين سنة ومنذ العام الأول لزواجي صدمت بأن زوجي من المدمنين على السفر الى الخارج، وحاولت بكل جهدي أن أقنعه باصطحابي معه، أو ان ثنيه عن فكرة السفر نهائياً... لكن من دون فائدة تذكر، فحب السفر يجري في دمه بل انه يتغلب على حبه لي ولأبنائه! وقد كانت فترة سفره 15 يوماً، ثم ارتفعت إلى شهر ثم إلى شهرين... ولو ان عمله يسمح بإجازة أكبر، لما تردد في أخذها. وخلال هذه السنوات كبرالأولاد وكبرت حاجتهم الى والدهم كما انهم أخذوا يحسون بأنهم ليسوا كزملائهم... فهم يتمتعون بالإجازات مع أقربائهم وينتقلون خلال الصيف من مدينة إلى مدينة والاهم من ذلك أن آباءهم معهم، أما هم فيعيشون كالأيتام!". الطامة الكبرى أما السيدة س. فعبرت عن امتعاضها وقالت: "طبعي يميل إلى الهدوء وحب الاستقرار وقبل زواجي كنت احلم بزوج مثالي لكي نستطيع تكوين أسرة مترابطة ومستقرة لتكون لبنة صالحة في هذا المجتمع ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه، تزوجت من شاب طيب يوفر لي ولأبنائه كل متطلباتنا المادية ومعاملته لي حسنة بل ممتازة لا أستطيع أن اظلمه من هذه الناحية أبداً لكنه لا يعير الأسرة أي اهتمام من الناحية المعنوية مراعاة حقوق الأسرة ، وقضاء أكثر وقت ممكن معنا فأنا مثلا أستطيع أن أحصي عدد المرات التي تناول معنا وجبة العشاء خلال تسع سنوات لأنها لا تكاد تذكر، مع العلم إن ذلك لا يرجع لظروف عمله بل لظروف ال"شلة"! عطلة نهاية الأسبوع لا يقضيها معنا إطلاقاً هذا حاله طوال العام ثم يختتم العام بالطامة الكبرى... وهي السفر خارج البلاد بمفرده من دون تفكير فينا. وهذا السفر سبب لي مشكلات نفسية فمن الصعوبة بمكان أن أستطيع معاملته بحب وثقة وهو يتركني فترة طويلة ويسافر من دون مراعاة لعواطفي وأحاسيسي". طلبت منه الطلاق وتقول أم طارق: "تزوجت منذ عشر سنوات وقضيت الثلاث سنوات الأولى من زواجي في سعادة واستقرار إلى أن أتى شياطين الأنس وسلبوني هذه السعادة، اذ تعرف زوجي الى مجموعة من الشباب من هواة السفر الى الخارج وبدأوا يشجعونه على السفر حتى اقتنع وقرر السفر للمرة الأولى وكانت هذه السفرة هي بداية النهاية فقد عاد من السفر شخصاً أخر عصبي المزاج لا يستطيع البقاء في المنزل ساعتين كاملتين ولا يتقبل مني أي كلام، واستمرت الحال أربع سنوات حتى طفح الكيل ولم أعد احتمل كل هذا فذهبت لبيت أهلي وبقيت سنة كاملة من دون أن يسأل عني ولا عن أولاده فطلبت الطلاق وكأنه كان ينتظر ذلك فاشرط مقابل أن يطلقني أن أتولى أنا حضانة الأولاد ومصروفهم فوافقت مقابل حريتي، حتى الآن مرت سنتان على طلاقي منه ولم يسأل عن أولاده ولم يرهم". زوجي بن بطوطة العصر بسخرية ممزوجة بالألم استهلت السيدة أ. حديثها بالقول: "زوجي أستطيع أن أطلق عليه اسم ابن بطوطة العصر فهو يزور في العام الواحد ما لا يقل عن ثلاث دول بحجة السياحة وله مآرب أخرى، وله الآن ثلاثة عشر عاما على هذه الحال وقد حاولت بشتى الوسائل اقناعه بأن يترك السفر ولكن من دون فائدة". وتضيف: "أنا بصراحة مللت ولم أعد أهتم فقد مات في قلبي وأصبح وجوده بالنسبة إلي والى أبنائه مثل غيابه تماما، بل إننا أصبحنا نتضايق من وجوده أحياناً لأنه عودنا غيابه المستمر عنا ونحن الآن زوجان بالاسم فقط، فليس له هم سوى الاستعداد نفسياً ومادياً لسفراته وأنا ركزت كل اهتمامي لعملي وأولادي الذين أحاول جاهدة أن أعوضهم عن والدهم مع انه لا يمكن أن استطيع أن أملأ الفراغ الذي يتركه غيابه في نفوسهم". ومن ناحية ما إذا كانت الزوجات يعتبرن سفر أزواجهن بمفردهم من أجل السياحة اهتزازاً للثقة بين الزوجين ، ترى أم عبد الله أنها لا تستطيع منح ثقتها لرجل "يسافر شهرين من غير مبرر سوى الاستجمام والسياحة مخلفاً زوجته وبنيه". وهناك زوجات أخريات يرين لسفر أزواجهن بعداً آخر. فأم فهد تشعر بأنها عندما يسافر زوجها كأنها خسرت شيئا يصعب تعويضه "كما أنني اخسر مشاعري وأطعن في كرامتي وعواطفي وأشعر بأنني أعيش مع زوج طائش لا يقدر معنى الحياة الزوجية ولكن كل الذي يهمه متعته وراحته وقضاء اسعد اللحظات مع أصحابه من دون تفكير في زوجته ولا في حالها النفسية وهي تراه يستعد لسفره بكل الوسائل وهي تشعر في هذه اللحظة بأنها في أمس الحاجة إلى وجوده إلى جانبها وأنا بدأت أشعر بالغربة عندما اقضي الإجازة سنوياً عند أهلي وزوجي الذي هو سكني ووطني الذي لا أجد الراحة ولا الاستقرار إلا معه بعيد عني". أسباب سفر الازواج وإذا كان لدى الأزواج أعذار مقنعة في السفر الى الخارج من دون اصطحاب زوجاتهم... لكن حمد العصيمي الذي يعمل أستاذاً محاضراً في كلية المعلمين، يعتقد أن "من الصعوبة بمكان أن يجد الزوج مبرراً منطقياً للسفر كل عام من أجل السياحة، تاركاً زوجته وأولاده، فإذا لم يتمكن من اصطحابهم، فليبق معهم". والعمري الذي اعتاد السفر كل عام إلى دولة عربية مختلفة، ينظر إلى الأمر من "الشق المادي الصرف". فهو يؤمن بأن "السفر لتجديد النفسية وتغيير الجو أمر مهم في حياة أي فرد منا، وبما أنني لا أستطيع القيام بتكاليف سفري أنا وأسرتي خارج المملكة، أتركهم عند أهلهم مع ما يكفيهم للنزهة داخل المدينة التي يقطنون فيها". ويتابع: "في اعتقادي هذا كل ما يجب علي، وعندما أجد نفسي قادراً على اصطحابهم معي إلى الخارج فإنني لن أتردد في ذلك. أما الأزواج الذين ليس لديهم أبناء، فأعتقد أن بإمكانهم الاستمتاع بالسفر مع الزوجة لكي لا تشعر بالإهمال". آثار نفسية خطيرة وترى الإختصاصية النفسية غادة بنت عبدالعزيز المرشد، أن سفر الرجل من دون الزوجة والأولاد له آثار نفسية سيئة وخطيرة على الزوجة والأولاد جميعاً "فمن وجهة نظري، الزوجة تشعر بأنها مهملة إضافة إلى إنها تشعر بأن فراقها عن زوجها ليس له أي معنى عند الزوج مقابل المتعة والتنزه مع رفاق السفر أي أن الفراق لا يعني شيئاً لدى هذا الزوج الذي يكون شغله الشاغل فقط انتظار الإجازة للتخطيط لسفره مع رفاقه. فبدلاً من أن يفكر كيف يقضيها مع زوجته وأولاده وأين يقضيها للأسف الشديد يفكر متى يسافر مع رفاقه ، وهو دائماً برفقتهم خارج المنزل طوال العام فهذا يعود على الزوجة بالإحباط وزوال الانسجام العاطفي بين الزوجين إضافة إلى شعور الأولاد بأنهم مهملون من والدهم وبخاصة وقت الإجازات".