عجيب أمر تيار المقاومة العربية، فلا هو كان راضياً عن الأنظمة الرجعية التي كانت تحكم البلدان التي قامت بها ثورات، ولا هو معجب بالثورات التي قامت عليها. فهل المقاومة إلى النهاية، هي عشق للذات - نرجسية، بحيث من يقف أمام مرآتها، لا يجد سوى العيوب والنقائص؟ كان التيار يهاجم الأنظمة العربية التقليدية، لأنها تجسد تيار الاعتدال الذي يهادن ليحافظ على مصالحه. لكن الثورات العربية لم ترضَ هذا التيار المقاوم العنيد، أيضاً. فتلك الثورات، من وجهة نظره، هي خليط من المؤامرات الغربية، والشطحات الشعبية العربية. وهي مشروعات للإصلاح البيروقراطي، برأس مال غربي، ودماء عربية. وهي مزيج من الحماسة الوطنية الفارغة، المملوءة بالدعاية الكاذبة التي تصنعها قنوات فضائية موجهة، أو تكنولوجيات جاحدة، صنعتها عقول ملحدة في الولاياتالمتحدة وأوروبا، للانقضاض على روح الشرق العربي المؤمن المقاوم المناهض للغرب. وهم يتهامسون صراخاً، بأن الثورة التونسية والمصرية، لم تنجح سوى في تغيير رأس النظام، بينما بقي الجسد الفاسد في مكانه، يحرك ذراعيه وقدميه في البرك الآسنة نفسها. وكأن الثورات هي تغيير لحظي وإلا فلا. وهم لا يصادرون الثورات فقط، بل يريدون ثورات على مقاسهم الخرافي، الذي لم نسمع عنه بعد. وهو أن تفرك مصباح الثورة، فيخرج الجني من القمقم، ويغير الحياة من حال إلى حال... ناهيك عن السخرية من الثورة الليبية، التي هي تجسيد للمؤامرة الغربية المفضوحة. إذ إن تدخل الناتو فيها فضح حقيقة ما أخفي في عباءة «سلمية... سلمية» التي خرجت بها الثورتان التونسية والمصرية. وكأن المفروض أن يتفرج العالم على زعيم مجنون، وهو يدك المدن على رأس شعبه، لتصبح الثورات عملية انتحارية، ويصير ذبح الشعوب هو الدليل الوحيد على نقاء الثوار وطهارتهم. والنتيجة النهائية لهذا المنطق الغريب، النرجسي، هو أن تيار المقاومة سينتصر في النهاية على كل المؤامرات والشعوب والثورات والأنظمة، في آن. لأن المقاومة هي الفكرة الوحيدة الصحيحة في التاريخ البشري والفكري والفلسفي والاستراتيجي والتحليلي والتركيبي.