1 روى الرواة أنَّ سيف الدين قطز هو محمود بن ممدود ابن أخت خوارزم شاه من أولاد الملوك، وقد أُسر وصار عبداً لرجل يسمى "ابن العديم" بدمشق ثم بِيع من يدٍ إلى يد حتى انتهى إلى "عز الدين أيبك" من أمراء مماليك البيت الأيوبي بمصر. وتدرج في المناصب حتى صار قائداً لجند أيبك، ثم قائدًا للجيوش عندما تولى "عز الدين أيبك" السلطنة مع شجرة الدر سنة 648ه/ 1250م وبعد مقتلهما بايعه المماليك، ووضع على قيادة الجيوش ركن "الدين بيبرس". وعندما وصل "سيف الدين قطز" إلى السلطة في مصر كانت الأخبار تتوالى عن اقتحام التتار للعراق والشام، وما لبثت رسلهم أن وقفت أمام "قطز" تقرأ الرسالة الآتية: "من ملك الملوك شرقًا وغرباً، القائد الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء، نُعلم أمير مصر "قطز"، الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذه الأرض، بعد أن ابتاعوا إلى التجار بأبخس الأثمان أما بعد... "فإنا نعبد الله في أرضه، خلقنا من سخطه، يسلطنا على من يشاء من خلقه، فسلموا إلينا الأمر" تسلموا، قبل أن ينكشف الغطاء" فتندموا، وقد سمعتم. أننا أخربنا البلاد، وقتلنا العباد، فكيف لكم الهرب،؟! ولنا خلفكم الطلب، فما لكم من سيوفنا خلاص، وأنتم معنا في الأقفاص، خيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، فقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فمن طلب حربنا ندم، ومن تأخر عنا سلم... فلا تهلكوا أنفكسم بأيديكم، فقد حذر من أنذر، وقد ثبت عندكم أننا كفرة، وثبت عندنا أنكم فجرة، والله يلقي الكفرة على الفجرة...". فما كان من قطز إلا أن حبس الرسل حينًا، وشرع المغاربة في الرحيل نحو الغرب، وآخرون رحلوا إلى الحجاز واليمن. وهنا وقف العلماء وعلى رأسهم الشيخ "العز بن عبد السلام" رحمه الله - أمام الأمراء وقادة الجند، وقرروا التصدي للعدوان والرفق بالرعية، فنزل قطز على حكم العلماء، ولم يُطع الأمراء. وتوجه قطز إلى رسل هولاكو فقتلهم، وعلَّقهم على أبواب القاهرة، وأراد أن يشعر الناس بقوة وهيبة دولته، واستباح التتار مدن الشام، نادى "قطز" في البلاد للخروج لحرب التتار، فاستجاب له جند من مصر ومن الشام، واجتمع تحت يديه قرابة الأربعين ألفاً من الجند، فتقدم بهم إلى منطقة البقاع إلى أرض الشام. وتصدى قطز لجيش التتار الذي يقوده "كتبغا نوين" الذي تقدم من الشام نحو مصر، فتلاقى مع جيش قطز عند "عين جالوت" من أرض فلسطين، وقد كان ذلك في 25 رمضان 658ه/ 6 أيلول سبتمبر 1260م. واستمر القتال سجالاً بين الطرفين. وفي مطلع اليوم الثالث: خطب "قطز" في جيشه يرغبهم في الجنة، وما أن اشتعل القتال حتى انطلق جيش التتار في حملة شديدة كادوا أن يكسروا فيها جيش المسلمين، فما أن رأى قطز ذلك حتى نزل عن فرسه وضرب عنقه، وخلع عنه خوذته في وسط ميدان المعركة صائحًا: "وا إسلاماه" وثبتت معه طائفة من الفرسان الأشداء، فما لبث أن عاد الفارون من الميدان إلى المعركة من جديد، وهُزِمَ جيش التتار وللمرة الأولى منذ خروجهم لغزو أمة الإسلام. ولاحقهم المسلمون إلى بيسان ثم دمشق وحرروا أسرى المسلمين، وزال خطر التتار عن مصر والشام، واستقر حكم "قطز" في كل من مصر والشام، وقبل عودته إلى مصر تآمر عليه أمراء المماليك بقيادة "ركن الدين بيبرس" فقتلوه بالقرب من الصالحية في 16 من ذي القعدة عام 658ه/ 1260م. 2 الكلام في ماهية الحب قال الإمام ابن حزم الظاهري في كتاب "طوق الحمامة": "الحبُّ - أعزَّك الله - أوَّلُهُ هزل وآخره جَدّ. دقّتْ معانيه لجلالتها عن أن تُوصَف، فلا تُدْرَك حقيقتها إلا بالمعاناة. وليس بِمُنكَرٍ في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة، إذ القلوبُ بيد الله عزَّ وجلّ. ونحن نجد كثيراً ممن يؤثِرُ الأدنى، ويعلم فَضْلَ غيرهِ، ولا يجد مَحيداً لقلبه عنه. ولو كان الحبُّ للموافقة في الأخلاق لما أحبَّ المرءُ مَنْ لا يساعده ولا يوافقه. فعلمنا أن الحبَّ شيء في ذات النفس، وربما كانت المحبة لسببٍ من الأسباب، وتلك تفنى بفناء سببها. فمَن وَدَّكَ لأمرٍ ولى مع انقضائه. وفي ذلك أقول: وِدادي لكَ الباقي على حَسْب كونِهِ تناهى فَلم يَنْقُصْ بشيءٍ ولم يَزِدْ وليستْ لهُ غَيْر الإرادةِ عِلَّةٌ ولا سَبَبٌ حاشاهُ يعلمُهُ أحَدْ إذا ما وَجَدْنَا الشَّيءَ عِلَّةَ نَفْسِهِ فذاك وجودٌ ليس يفنى على الأبَدْ وِإمَّا وجدناهُ لِشَيءٍ خِلافَهُ فَإِعْدامُهُ في عدمنا ما له وَجَدْ. ومما يؤكد هذا القول أننا علمنا أن المحبة ضروب: فأفضلها محبة المتحابين في الله عزّ وجل" إما لاجتهادٍ في العمل، وإما لاتفاقٍ في أصل النحلة والمذهب، وإما لفضلِ عِلْمٍ يمنحه الإنسان. ومحبة القرابة. ومحبة الألفة والاشتراك في المطالب. ومحبة التصاحب والمعرفة. ومحبة البر يضعه المرء عند أخيه. ومحبة الطمع في جاه المحبوب. ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره. ومحبة بلوغ للذة وقضاء الوطر. ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس، فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها وزائدة بزيادتها وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها فاترة ببعدها. حاشى محبة العشق الصحيح الْمُمَكَّنِ من النفس، فهي المحبةُ التي لا فناء لها إلا بالموت. 3 طلاق الفرزدق والنوار خطب رجلٌ النوارَ بنت عبدالله فرضيت زواجَه، وكان ولِيُّها غائباً، فوكّلت في أَمْرِ زواجِها الشاعرَ الفرزدق، وأشهَدَتْ له بالتفويض إليه. فلما توَثَّق منها بالشُّهود أشْهَدَهُم أنه قد زوَّجَها من نفسِه، فأَبَتْ منه، ونافرته واشتكت إلى عبدالله بن الزبير، ولكنها قبلتْ زواجه بعد المنافرة، وبعد مدة من الزمن طلّق الشاعر الفرزدق امرأته النوار بنت عبدالله ، فتبِعَتْها نَفْسُهُ، وندم على طلاقها. وقال أبو عبدالله المفضل راوية الفرزدق وكاتبه: قال لي الفرزدق يوماً: امضِ بنا إلى حلقة الحسن البصري، فإني أريد أن أطلق النوار. قال المفضل، فقلت له: إني أخاف أن تتبعها نَفْسُك، ويشهد عليك الحسن وأصحابه. قال الفرزدق: انهض بنا. قال المفضل: فجئنا حتى وقفنا على الحسن. فقال الفرزدق: كيف أصبحت أبا سعيد؟ قال الحسن: بخير، كيف أصبحت يا أبا فراس؟ فقال الفرزدق: لتعلمنَّ أني طلقت النوار ثلاثاً. قال الحسنُ البصري وأصحابه: قد سمعنا. قال المفضل: فانطلقنا، فقال لي الفرزدق: يا هذا، إن في نفسي من النوار شيئاً. فقلتُ قد حذّرتُك، فقال الفرزدقُ: ندِمتُ ندامةَ الْكُسَعِيِّ لَمّا غَدَتْ مني مُطلَّقةً نَوَارُ وكانت جنتي فخرَجْتُ منها كآدمَ حين أخرجَه الضِّرَارُ وكنتُ كفاقئٍ عينيهِ عَمْداً فأصبحَ ما يُضيءُ له النَّهارُ ولا يُوْفِي بِحُبِّ نَوَاْرَ عِندي ولا كَلَفِيْ بِها إلا انْتِحَاْرُ وَلَوْ رَضِيَتْ يَدَاْيَ بِهَا وَقَرَّتْ لكانَ لَها على الْقَدَرِ الْخِيَاْرُ وما فارَقْتُهَا شِبَعاً وَلَكِنْ رأيتُ الدَّهرَ يأخذُ مَا يُعَاْرُ.