عادة ما يُصدم الناس عندما يسمعون ان شاباً في مقتبل العمر أصيب بسكتة قلبية، فالتفكير السائد هو ان البالغين الذين تخطوا الخمسين أو الستين هم الاكثر عرضة من غيرهم لأمراض القلب والشرايين. لكن الدراسات المتتالية في الولاياتالمتحدة وكندا وبريطانيا تؤكد من دون أدنى شك ارتفاع نسبة الشبان فوق السابعة والعشرين ممن يتعرضون لأزمات قلبية، نصفُها يكون مميتاً. الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بامراض القلب في الغرب تنشر على مواقعها الالكترونية نتائج دراسات واحصاءات اجريت على مدى السنين الماضية، وتُظهر عدم دراية غالبية الذكور الشبان بأسباب امراض القلب وعوارض الذبحة القلبية. وتحاول توعية العامة من خلال حملاتها التي تستخدم شعارات مستوحاة من قصصِ وحكايات رجال وشبان في مقتبل العمر تعرضوا لسكتات قلبية او عوارض امراض قلبية خطيرة، مؤكدة ان المركز الاجتماعي او نوعية العمل او الوظيفة لا تشكل سبباً من الاسباب الرئيسية للذبحات القلبية بقدر كيفية واساليب تعاطي الفرد مع الضغط النفسي او الجسدي او الحمية الخاطئة. ستيف براون كان في الثالثة والثلاثين ويعمل سائق حافلة في شمال انكلترا عندما تعرض لازمة قلبية كادت تودي بحياته. عمله ليس من النوع الذي يفرض ضغطاً نفسياً او عصبياً كالضغط الذي يتعرض له موظف في سوق المضاربة المالية، لكنه وبحكم توزيع ساعات العمل الطويلة والمتغيّرة وجد انه يبتعد عن الجهد الحركي والرياضة الجسمية التي طالما نصحه بها طبيبه. وتفاقم وضعه بسبب نوعية الطعام الدهني الذي افرط في تناوله مثل وجبات البطاطا والسمك المقلي السريعة او الفطور الانكليزي المقلي الدسم! زيادة وزنه وندرة ممارسة الرياضة جعلتا من ستيف براون هدفاً سهلاً لذبحة قلبية لم يحسب لها اي حساب. ويشكر ستيف براون الله لأنه اثناء تعرضه للازمة لم يكن خلف المقود وإلا لعرّض حياة عشرات الركاب للخطر. شعر ستيف قبيل صعوده الى الباص بألم في وسط صدره اعتقد انه ناتج عن عسر هضم، فتجاهله ومارس عمله كالعادة. لكن الألم ازداد تدريجاً، وبدأ يتعرق ببرودة الى ان حلّت استراحته، حينئذ شعر بألم في فكه الاسفل وصدره وأعلى ذراعيه وتغيرت سحنته الى اللون الاصفر. فتوقف عن العمل وتمدد فتلاشت تقريباً هذه العوارض لتعود بعنف وكثافة غريبتين بعد نحو ساعتين. واضطرب تنفسه بشدة، عندها ايقن زملاؤه ان عليهم طلب الاسعاف. ويقول ستيف إنه لم يصدق ما سمعه من ممرضي الاسعاف انه يتعرض لذبحة قلبية لانه طالما اعتقد ان المسنين فقط هم الذين يتعرضون لها. مخاوفه تحققت عندما أصر المسعفون ان يبقى مستيقظاً فيما راحوا يؤدون خدمات الاسعاف الأولي، لكنه كان يصارع الغيبوبة، فيدخلها لثوان ثم يخرج منها بشكل يشبه الكابوس... الى ان سقط فيها تماماً واستيقظ في المستشفى. قصة ستيف براون تشبه مئات القصص الاخرى على صفحات الانترنت والصحف والدوريات المتخصصة، وسببها تخثر الدم وانسداد الشرايين التي تضخ الدم المغذّى بالاوكسيجين وبالتالي شلل احدى عضلات القلب التي كان يصلها الدم وعدم تأديتها لدورها المطلوب. هناك مجموعة عوامل تسبب هذه الانتكاسات في عمل القلب المنظم لدى الشبان. ابرزها كما تؤكد جمعية القلب البريطانية، مستندة الى سلسلة دراسات واحصاءات خاصة من جامعة كليفلاند في ولاية اوهايو الاميركية، هو الغضب! وتُظهِرُ الدراسة ان الذكور الذين ينتابهم الغضب عند التعرض للتعب والارهاق العصبي هم اكثر عرضة من غيرهم للاصابة بامراض القلب بنسبة خمسة اضعاف، بخاصة السكتة القلبية، حتى ولو انحدروا من عائلات يخلو تاريخها من امراض القلب. وركزت الدراسة على صحة الف وثلاثمئة رجل في فترة بعد تخرجهم مباشرة من جامعة كليفلاند، على مدى فترة السبعة عشر عاماً التي تلت... نقطة الدراسة الاساسية تمحورت حول طريقة تعامل هؤلاء مع الضغط وموجات الغضب التي كانت تنتابُهم. وتَبيّن ان المزاج السيئ يتنبأ بالامراض قبل ظهور اعراضها مثل السكر وضغط الدم. وفي التفاصيل ان الغضب الواضح المعبَر عنه او المخفي المكبوت وسوء المزاج ونوبات التذمر تشكل استجابات مباشرة لما يُسمى بالغضب الشديد. لكن هناك اثباتات تشير الى ان التوتر الشديد والارهاق يؤديان الى افراز كميات متزايدة من هرموناتcatecholamines ومنها الادرينالين، التي تهيئ الجسم لحالات الطوارئ مثل الانفلونزا او التعب او الصدمة من خلال تقليص جدران الاوعية الدموية او تضييقها والضغط على القلب للعمل بسرعة اكبر وضخ كميات اضافية من الدم. وإذا كان من المؤكد ان الحياة المدنية المتسارعة الوتيرة ومتطلباتها تولد الضغط النفسي والجسمي لدى الكثيرين، وما يتبعها من غضب وحالات مرضية، ينصح الباحثون الجميع من الجنسين ومن كل الاعمار بممارسة نوع لطيف من الرياضة وهو المشي او السير شبه السريع، خمس مرات اسبوعياً بمعدل نصف ساعة، لتقوية عضلات القلب وضخ المزيد من الاوكسيجين في مجرى الدم. كما يوضحون ان الابتعاد عن المأكولات الدهنية واتباع حمية معتدلة وتناول الطعام بهدوء عوامل تؤثر مباشرة على تطور الامراض القلبية او عدمه لدى الفرد.