عندما تترسّب الشحنات الدهنية المدججة بالكوليسترول السيئ على «شواطئ» الشرايين القلبية، أو عندما تتشكّل الجلطات الدموية محلياً أو تأتي من أماكن بعيدة لتحطّ رحالها فيها، يعاني المصاب عوارض نقص التروية الدموية التي تدخل تحت عنوان عريض اسمه الذبحة الصدرية، التي يمكن أن تسبّب أحياناً آلاماً عنيفة قد تودي بصاحبها الى الطوارئ، وإذا ما انسدّت الشرايين كلياً فإن تدفّق الدم يتوقف، ما يؤدي الى السكتة القلبية. وما يحصل من تطوّر في الشرايين القلبية قد نشاهد مثيله في الشرايين التي تغذي الأمعاء، إذ يمكن أن تكون هي الأخرى ساحة للترسبات الدهنية والخثرات والتضيقات، ما يحدّ من كميات الدم المتدفقة الى الأمعاء فتبدأ هذه بالصراخ على هيئة آلام بطنية، بعيد تناول الطعام، من دون أن يجد المصاب مبرراً واضحاً لهذه الآلام، فلا يعيرها الكثير من الاهتمام، ما يساهم في تأخر التشخيص وتطور المرض وحصول مضاعفات. وتصيب الذبحة المعوية عادةً، الذين تجاوزوا الستين من العمر المصابين بتصّلب الشرايين، لكنها قد تصيب أحياناً من هم أصغر سناً، خصوصاً مع تفشي ظاهرة التدخين والداء السكري وزيادة نسبة الكوليسترول في الدم، وارتفاع ضغط الدم في أعمار مبكرة. وهناك شبهات بأن بعض جراثيم الأمعاء يمكنه أن يحوّل بعض المواد الغذائية، مثل الليسيتين، الى مركّب يتسبّب بإثارة تصلّب الشرايين يطلق عليه اسم أوكسيد ثلاثي الأمين. وللتذكير، فإن مادة الليسيتين توجد في البيض والكبد ولحم العجل والقمح. ووفق الطبيب الأميركي ستانلي هازين من مركز طب الخلية والجزيئات في عيادة كليفلاند، فإنه يمكن معايرة المركب أوكسيد ثلاثي الأمين في الدم لتوقّع حدوث النوبات القلبية والسكتة الدماغية. ومن المعروف أن الجهاز الهضمي عند الشخص الذي يتمتع بصحة جيدة يحتاج الى ربع كمية الدم المشبع بالأوكسيجين الذي يضخه القلب. وتتضاعف هذه الكمية بعد تناول الطعام، لكن الوضع يختلف في حال الإصابة بالذبحة المعوية، إذ إن الشرايين المعوية تكون متضيّقة فتمنع وصول ما تحتاجه الأمعاء من الإمدادات الدموية بحرية لإتمام عمليات الهضم وامتصاص المواد الغذائية. ويتظاهر هذا العجز في صورة سريرية تتمثّل في آلام حادة في البطن تستمر لأكثر من ساعة، ما يجعل المريض يتوجّس شراً فيقلّل من تناول الطعام خوفاً من تلك الآلام الشديدة، ويترتب عن ذلك انخفاض الوزن والتعرض لسوء التغذية. ونظراً الى التغيرات الطارئة التي تشهدها بطانة وجدار الأمعاء نتيجة الذبحة المعوية، فإن المريض يعاني من تناذرة سوء الامتصاص وما يرافقها من عوارض هضمية مزعجة، كالغثيان، التقيؤ، الإسهال، عسر الهضم، وانتفاخ البطن، وهي عوارض تشاهد في أمراض هضمية عدة، من هنا فإن التشخيص الصائب للذبحة المعوية ربما يأخذ شهوراً بل سنوات، ما يترتب عنه تأخر في تطبيق العلاج وزيادة احتمال حصول مضاعفات، من أخطرها تشكّل الجلطات التي تسدّ الشرايين في شكل كامل، وبالتالي انقطاع التروية الدموية كلياً عن الأمعاء، فيشكو المريض من آلام بطنية حادة قد تدوم ساعات قبل أن تخف خلال الساعات التالية. إلا أن المشكلة تزداد تعقيداً بالنسبة الى الأمعاء التي تصاب بالغرغرينا، ما يستدعي التدخل الجراحي العاجل لاستعادة تدفق الدم وإزالة الأجزاء الميتة منها أو التي هي على وشك الموت. وإذا لم يتم إسعاف المريض على وجه السرعة، فإن النهاية تكون قاتمة جداً، إذ إن الأمعاء الميتة تبدأ بتسريب محتواها من بقايا الطعام والجراثيم الى مجرى الدم، الأمر الذي يعرّض أعضاء الجسم للإصابة بالفشل وبالتالي للموت. ولا يغرب عن البال هنا، أن نقص التروية الدموية للقولون يمكن أن يتظاهر على شكل نزف هضمي سفلي عند المسنين. ما العمل؟ لا شك في أن الذبحة المعوية مرض صعب التشخيص لتشابه عوارضه مع أمراض كثيرة من أمراض الجهاز الهضمي، لكن هذا التشخيص يعد من الأمور اليسيرة إذا ما تم التفكير به، إذ في إمكان الطبيب المختص أن يستعين بوسائل التشخيص الحديثة، وأهمها الفحص بالموجات فوق الصوتية لتصوير شرايين الأمعاء وأوردتها واستخدام الأشعة المقطعية للشرايين، وقد يحتاج الأمر إلى الاستعانة بتقنيات أخرى، مثل الأشعة التقليدية أو المناظير أو بعض التحاليل المعملية، وذلك تبعاً لحال المصاب. ويجب وضع مريض الذبحة المعوية في منظار التشخيص عند وجود سوابق مرضية، مثل تصلّب الشرايين، ارتفاع ضغط الدم، مرض السكري، التدخين، ارتفاع الكوليسترول، ووجود نقص تروية دموية في أماكن أخرى من الجسم، مثل عضلة القلب أو في الساقين. ماذا عن العلاج؟ إن استخدام القسطرة لتوسيع الشرايين الضيقة، وتركيب الدعامات لضمان بقاء الشرايين مفتوحة لتأمين تدفق الدم إلى الجزء المصاب من الأمعاء، يعتبران الوسيلة المفضلة والأكثر أماناً للمريض لأنها تغني عن الحاجة الى فتح البطن لإصلاح الشرايين المتضررة. أما إذا كان من الصعب تطبيق مثل هذه الوسيلة، فإن اللجوء إلى تدخلات جراحية أكثر صعوبة يصبح أمراً لا مفر منه، ومثل هذه العمليات معقدة وطويلة ونسبة الوفاة فيها عالية، إذ قد تصل الى 15 في المئة. وطبعاً على المريض أن يلتزم نظاماً غذائياً صحياً ووجبات صغيرة الحجم، سهلة الهضم. باختصار، الذبحة المعوية مرض ينتج من نقص تروية دموية مزمن بسبب تصلّب شرايين الأمعاء وتضيّقها. وتبرز عوارض الذبحة في الأوقات التي تنشط فيها الأمعاء بدرجة كبيرة، أي بعد تناول وجبات الطعام، وهي تظهر في شكلين: الأول، مزمن ويستغرق فترة طويلة، وعوارضه متوسطة الشدة لا تحتاج الى التدخل الإسعافي لعلاجها. أما الشكل الثاني فعنوانه عوارض متسارعة تتطلب علاجاً عاجلاً لإنقاذ الأمعاء من الغرغرينا.