انتمي الى لغة أعجمية ومجتمع رعوي بدائي، وبالتالي البيئة التي انتمي اليها هي في عمومها متقوقعة على نفسها، ولم تحتك وتتأثر بمنطق العلم وآفاق العصر. ونحن، عشائرية بجا شرق السودان، نتعرض لموجة انقراض تتطابق مع ظروف الحيوانات البحرية التي تتعرض للفناء بسبب أفعال البشر وقسوة مناخ الطبيعة القاحلة. وفي خطاب الى السيد عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، قمت بشرح واقعنا البجاوي المأسوي، وطالبت بأن يبعثوا خبراء من مصر والدول العربية، يقومون بمهمة رصد أحوال البجا ميدانياً. ومن خلال نتائج ورشة العمل الاستكشافي يقومون بواجبهم نحو شعب البجا، اخوانهم في الإسلام والاقليم، الذين يتعرّضون لإبادة جماعية، تجويعاً وتهميشاً من قبل حكومات سودان ما بعد الاستعمار الانكليزي. وفيما بعد علمت من كوادر المعارضة السودانية حقيقة كانت غائبة عن تصوري، وهي أن جامعة الدول العربية تتعامل مع الحال السودانية، والتعقيدات الاثنية، من خلال تبني موقف الحكومة السودانية. وهذا بالضبط موقف معظم الحكومات العربية ازاء صراعات وحروب اثنيات السودان المتمايزة عرقياً وثقافياً ودينياً، والمتناحرة سياسياً منذ أمد بعيد. وأنا كغيري من افراد المعارضة السودانية الأفارقة ذوي الأصول الحاميّة، كأبناء اقاليم جنوب السودان وغرب السودان واقليم البجا في شرق السودان، أنا، كغيري من السودانيين غير العروبيين، أعاني من كابوس الذات الجريحة الذي أوجدته عوامل الاستعلاء العرقي والثقافي والديني من قبل جماعات العروبيين الاسلامويين الذين، بدورهم، احتكروا الثروة والسلطة، بعد خروج الاستعمار الانكليزي - المصري من السودان، في خمسينات القرن العشرين. ان السودان الدولة، عن ايدي المستعمر المحلي، أضحى بعبعاً مخيفاً لا يقل وحشية وقبحاً عن الدولة النازية ونظام "اباراتيد"، جنوب افريقيا العنصري سابقاً. غير انني أجد بعض العزاء، وقدراً من التفاؤل والأمل في استراتيجية صحيفتي العربية، "الحياة"، التي تنبض صفحاتها حيوية وتتميز بالانحياز الى حقائق المنطق العقلاني. وأنتهز الفرصة، وأطالب "الحياة" ببعث وفود صحافية لإقليم البجا، في شرق السودان وبقية اقاليم السودان، فتنقب وتبحث عن الحقائق السودانية المغيبة من خلال الاحتكاك المباشر مع الانسان والطبيعة داخل السودان. ان استراتيجية "الحياة" في تناول مشكلة السودان هي الحياد الايجابي. وإن أمثال خطوات "الحياة" وقناة "الجزيرة" هي الأجدى والأنفع والأقرب لجوهر العدالة، في مجال فحص وتشخيص الأزمة السودانية المستفحلة، والمشاركة في ايجاد الحلول الناجمة من قبل الكتلة العربية. ونحن أصحاب شعار السودان الجديد، القائم على العدالة والمساواة والتعددية الثقافية والدينية ومنهجية الفيديرالية التي تقر اقتسام السلطة والثروة بالتساوي لجميع اقاليم السودان، نحن قلوبنا وأيادينا مشرعة لنعمل مع الكتلة العربية لما فيه خير أوطاننا. ولكن، للأسف، الى الآن لا نجد التفهم والتعاطف، ويبدو اننا نحرث في البحر. فالعرب، في معظمهم، عقلهم غير مبرمج، و"سايكولوجيتهم" غير قابلة للتآخي والتعاون ومد الجسور مع الأفارقة. السودان - آدم أركاب كاتب من قومية البجا السودانية