أثار قرار المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية ميني مزوز اسقاط شبهات الرشوة عن رئيس الحكومة ارييل شارون في ملف "الجزيرة اليونانية" عاصفة هوجاء في الساحتين القضائية والحزبية يستبعد ان تهدأ قريباً، خصوصاً بعد ان تحول "ملف شارون" الى "ملف اربيل" المدعية العامة السابقة والقاضية في المحكمة العليا حالياً، عدنا اربيل التي أوصت بتقديم شارون للمحاكمة ليتهمها مزوز ب"ملاحقة" رئيس الحكومة على رغم عدم كفاية الأدلة وليتلقف أقطاب اليمين هذا الكلام لينفثوا سمومهم الحاقدة ضدها على خلفية قيامها بتقديم لوائح اتهام بالفساد ضد عدد منهم. واتهمها زعيم حزب "الاتحاد القومي" المتطرف افيغدور ليبرمان بمحاولة قلب النظام في اسرائيل بواسطة توصيتها بمحاكمة شارون، فيما باشر عدد من أترابه بالتوقيع على عريضة تطالب بتنحيتها من منصبها الجديد في المحكمة العليا وراح آخرون يطالبون بالتحقيق معها في دوافع توصيتها! في المقابل، قاد النائب اليساري يوسي سريد حملة للدفاع عن أربيل والتشكيك في نزاهة قرار مزوز. وقدمت الحركة من أجل نزاهة الحكم في اسرائيل التماساً الى المحكمة ضد قرار المستشار "الذي تجاوز صلاحياته وجعل من نفسه قاضياً برفعه السقف المطلوب لتقديم لائحة اتهام ليمس بمبدأ مساواة الجميع أمام القانون"، لكن مراقبين أشاروا إلى احتمال عدم تدخل المحكمة في قرار المستشار على غرار ما فعلت في مناسبات مماثلة سابقة". ورأى كثيرون ان طي الملف ودفاع مزوز المستميت عن شارون، انما يؤسسان للفساد والمحسوبية ويضفيان صدقية على تدخل حيتان المال ورجال الأعمال في صنع القرار السياسي. ولم يتردد معلقون في اتهام مزوز بالتزلف والمراءة لمن عينه في منصبه و"بتصفية حسابات" شخصية مع اربيل لغرض الثأر منها. واعترفت تعليقات صحافية بأن "لائحة الدفاع" التي قرأها مزوز ابقت أفواه السياسيين فاغرة مشدوهة للتحمس غير الخفي لتبرئة ساحة شارون واغداق المديح لكفاءات نجله غلعاد من دون ان ينتقد، حتى ضمنياً سلوكهما وتلقيهما الأموال الكثيرة من رجل الأعمال ديفيد ابل. وبينما "احتفلت" صحيفة "معاريف" بقرار مزوز وشنت حملة شعواء على اربيل - التي قدمت في الماضي لائحة اتهام ضد مالك الصحيفة - حملت تعليقات "يديعوت احرونوت" و"هآرتس" لهجة مغايرة. وكتب ناحوم بارنياع ان قرار مزوز انقذ حكومة شارون ومخططاته من الانهيار في اللحظة الأخيرة، لكنها "زعزعت الجهاز الأكثر قدسية في اسرائيل - الجهاز القضائي". واضاف ان القرار "ينطوي على جانب خطير آخر من حيث انه قد يوحي للسياسيين بأن كل شيء مسموح". وهكذا برأيه سيخسر الجهاز القضائي، الجهة الوحيدة التي فرملت تدهور النظام في اسرائيل نحو العالم الثالث وقدرته الردعية. وكتب النائب سريد ان مزوز اخطأ حين نصب نفسه قاضياً وانه بقراره تبرئة شارون انما اعطى الضوء الأخضر للشخصيات العامة بأن يتصرفوا على هواهم ويرتكبوا أعمالاً مفسودة من دون وجل محاكمتهم، وقال: "من اليوم فصاعداً غدت اسرائيل دولة مشاع نهبها قادتها من دون وجل". ورأت زميلته النائبة زهافة فلؤون في قرار مزوز "إضفاء شرعية لثقافة البخشيش". وكتب الصحافي مردخاي غيلات، الذي كشف عن القضية ان مزوز زود البضاعة لمن وثق به: أخذ مكنسة كبيرة ليزيح من طريقه كل من حاول التشويش على تبرئة شارون وابنه. ألقى خطاب محامي الدفاع، خطاباً يعجز عنه محامو شارون، بل قد يخجلون من إلقائه. كان خطاب حرق البيت وقال عملياً ان الحرب ضد الفساد قد انتهت". ويتساءل يوسي فرطر في "هآرتس": أمر واحد سيبقى غير واضح الى الأبد. هل كان السبب الرئيسي وراء ولادة خطة الانفصال لدى من لم يؤمن أبداً بالانسحاب الاحادي، ضائقة شارون القضائية، بحيث أراد من خلال الخطة التأثير على المستشار؟ اذا كانت الحال كذلك فأي سخرية قدر هذه! الى ذلك توقع معلقون ان تسرع تبرئة شارون مبادرته لضم حزب "العمل" الى حكومته على رغم المعارضة التي يلقاها في اوساط حزبه ليكود "اذ غدا الآن قوياً اكثر من الاسمنت المسلح، جميع اعضاء ليكود سيضطرون الى السير معه أو الانصراف الى بيتهم". لكن القائم بأعمال رئيس الوزراء ايهود اولمرت استبعد ان يتم تشكيل ائتلاف حكومي جديد مع العمل "وهو أمر لا بد منه"، قبل انتهاء الدورة الحالية للكنيست، مطلع آب اغسطس المقبل. من جهته اعرب زعيم العمل شمعون بيريز عن بالغ سعادته بتبرئة صديقه وأعلن انه ينتظر دعوة رسمية للشروع في مفاوضات ائتلافية، مبرراً تلهفه بأنه من غير المنطقي الآن اسقاط حكومة شارون "لأن من شأن ذلك اجهاض احتمال تطبيق خطة الفصل". ورأى مراقبون ان شارون سيفضل حالياً تهدئة الأوضاع في حزبه لقناعته أن "العمل" سيواصل منح حكومته شبكة أمان برلمانية تحول دون سقوطها.