لا يختلف اثنان في بيروت على ان كلام الرئيس السوري بشار الأسد عن ان الانتخابات البلدية في لبنان"حددت الاحجام الحقيقية سياسياً"، وتبين بنتيجتها ان"المواطن اللبناني يريد التغيير للأفضل"، يرفع حظوظ التمديد أو التجديد لرئيس الجمهورية إميل لحود الى أعلى مستوى منذ مدة طويلة. وليس كلام الرئيس السوري مجرد استنتاج أو ملاحظة لما تكتبه الصحافة اللبنانية ويردده بعض الوسط السياسي اللبناني، من ان هذه الانتخابات عززت من وضع القوى السياسية التي تقف مع التمديد او التجديد، اذ انها اثبتت ان حجمها السياسي يحسب له حساب، في مقابل ملاحظة اوساط سياسية أخرى بمن فيها بعض القيادات السورية ان الانتخابات البلدية لم تكن يوماً مقياساً لأوضاع القوى السياسية وتصنيف نفوذها في موازين القوى، نظراً الى محليتها الشديدة وطغيان العائلية عليها وبالتالي فهي لا يمكن ان تكون"بروفة"للانتخابات النيابية أو مؤشراً الى الانتخابات الرئاسية، التي تجرى على اساس مقاييس مختلفة. بل ان كلام الرئيس السوري بدا تتويجاً لتوجه لدى دمشق، يقضي بتهيئة الظروف لإنجاح فكرة التمديد أو التجديد. فالمسؤولون السوريون سعوا، مع بعض المسؤولين اللبنانيين، خلال الشهرين الماضيين الى اعطاء هذه الفكرة دفعاً سياسياً وإعلامياً لبنانياً لأن القوى المؤيدة لها كسبت أحجاماً جديدة، كما حصل في عدد من البلدات الرمزية، في مواجهة القوى المعارضة لهذا الخيار ولا سيما كل من رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة رفيق الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. هذا فضلاً عن المعارضة المسيحية. وتولى الجانب اللبناني الساعي الى التمديد أو التجديد تظهير الزخم الاعلامي لهذا التوجه. وإذا كان موقف الرئيس الأميركي جورج بوش اثناء زيارته باريس السبت الماضي، بالدعوة الى ان"يقرر الشعب اللبناني مصيره بنفسه"، يرمز الى معارضة واشنطن التمديد للرئيس لحود، بعد أن كان الموقف الأميركي يميل الى عدم الاكتراث للانتخابات الرئاسية في لبنان، فإن التسلح بهذا الموقف، وبالموقف الفرنسي الأكثر وضوحاً في تحبيذ خيار انتخاب رئيس آخر، فإن الخيار الذي ستدعمه دمشق هو الذي ستقرره القوى ذات"الأحجام السياسية الحقيقية"كما ظهرت في الانتخابات البلدية. لا يبدو أن دمشق تهيئ لأي خيار آخر غير التمديد أوالتجديد للرئيس لحود، وهي لادراكها الصعوبات السياسية التي تواجهه تستبقها بالكثير من الحذر والادارة الدؤوبة للملف اللبناني، بهدف حماية أي قرار تتخذه. وإذا كان من خيارات أخرى غير التمديد للحود فإنها موضوعة على الرف ولا تبدو فعلية، خصوصاً ان بعضها كما يقول العارفون سقط قبل أن ينضج، فالقيادة السورية لن تتخلى عن أي من أوراقها في ظل العقوبات الأميركية ضدها وستتمسك بها جميعاً الى أقصى الحدود. لكن أكثر ما تدركه دمشق ان تمرير خيار التمديد أو التجديد يتطلب تعديلاً جديداً في موازين القوى اللبنانية لا يقف عند حدود ما حصل في الانتخابات البلدية ويطاول أحجام قوى رئيسية، لذلك فإن لبنان مقبل على معارك سياسية كبرى وعلى تفاعلات تزيد من الحراك السياسي فيه.