الاكتشاف الأول حدث سنة 1492. الاكتشاف الثاني جرى سنة 1804. الأول ارتبط بإيطاليٍ من مدينة جنوا: كريستوفر كولمبوس 1451 - 1506. الثاني ارتبط بثلاثة أسماء: الاسم الأول هو توماس جيفرسون. بعده يأتي اسمان: وليام كلارك وميروذر لويس. من هؤلاء؟ كولمبوس معروف. بحارٌ ومغامر تولع باكراً برحلات ماركو بولو. قاس في خياله المسافة بين البندقية وكاثاي بين إيطاليا والصين قبل أن يحصل على ثلاث سفن من الملكة الاسبانية ايزابيل ويبحر عابراً محيط المسعودي الذي يلف العالم. حين بلغ جزر الكاريبي ظنّ أنه بلغ جزر اليابان. حين عثر على كوبا ظنّ أنه وقع على سيلان. سنة 1493 رجع الى أوروبا، قاطعاً الأتلانتيك الى العالم القديم، وقد حمّل سفنه ذهباً وهنوداً. هكذا بدأت قصة العالم الجديد. عام 1507 ظهرت أول خريطة للعالم تحمل في أقصى الغرب القارة الطويلة كحوت. صاحب الخريطة مارتن والدسمولر سمّى القارة وراء الأطلسي "أميركا" تيمناً بصديقه أميرغو فسبوتشي. المسعودي: جزر مسحورة المسعودي ابن القرن العاشر للميلاد يكتب في "أخبار الزمان" أن بحر الظلمات يمٌّ معتم مملوء بجزرٍ مسحورة تسكنها حوريات وترتفع فوقها أبراج زجاج. المخيلة تسبق الواقع، أم هي الصُدف؟ اكتشاف التبغ أصحاب كولمبوس أبصروا رجالاً داكني البشرة يتصاعد دخانٌ من فتحات وجوههم. أهل العالم القديم لم يعرفوا التبغ وتدخينه قبل تلك الساعة. أخذوا من الهنود تبغاً وفراءً ثمينة وأعطوهم الويسكي والانفلونزا القاتلة. الانسان الأبيض - الحصان هنود أميركا الجنوبية صعِقوا عند رؤية الإنسان الأبيض الذي نصفه الأسفل حصان. كانوا يرون للمرة الأولى حصاناً مدجناً: رجلاً يركب حصان البراري. الهنود الحمر لم يدجنوا حصاناً من قبل. اقتلْ القائد تربح بعد صدمة اللقاء والتعارف بدأت التجارة وبدأت الحرب. الإسبان أعدموا حضارة الأزتيك ثم حضارة الإنكا. كانوا يقتلون امبراطوراً فتستسلم امبراطورية كاملة. فرقة من خمسين أو ستين رجلاً تذبح آلاف الهنود: البدائيون أبناء المكسيك والبيرو لن يحاربوا بلا القائد المقتول. استسلموا فتأسست نيو اسبانيا. تجارة في الشمال كانت الأمور - في البدء - أقل دموية. الهولنديون والفرنسيون والانكليز أقاموا تجارة على الساحل الشرقي. في الجانب الآخر، على ساحل آلاسكا الغربي، ظهر الروس عابرين الجليد. الكل يبني مستعمرات. يتاجرون مع الهنود، ويرسلون السفن محملة بالتبغ والفراء الى أوروبا. 24 دولاراً: نيو أمستردام 1614 - 1664 هكذا ظهرت المدن الأولى على الساحل الشرقي. نيو أمستردام بنى أكواخها الأولى بحارة نجوا من سفينة غارقة سنة 1614. جاؤوا للتجارة. أتوا بحثاً عن الثروة. ولم يعرف واحدٌ منهم أنهم أسلاف أمة سترفع ها هنا ناطحات سحاب. ليس الآن، ليس في القرن السابع عشر أو الثامن عشر، بل بعد دهر. البداية كانت "شركة الهند الغربية": اشترت الشركة جزيرة البحارة الغارقين" اشترتها من الهنود الحمر ب24 دولاراً وحوّلتها الى مركز الشركة على هذا الساحل: الى باب أميركا على أوروبا. سنة 1664 ظهر الأسطول الانكليزي بقيادة دوق يورك واستولى على الجزيرة وغيّر اسمها الى نيويورك. احتكرت المدينة تجارة الطحين. كل حبوب أميركا صارت تصدر الى أوروبا النهمة من مرافئ نيويورك. التاريخ يعمل بطرقٍ غامضة. ببلادة فظيعة. بطيئاً بطيئاً تتسلق البزاقة جبل فوجي. الاستقلال في السنوات الأخيرة من القرن الثامن عشر ثارت المستعمرات الأميركية على الملك الانكليزي وأعلنت الاستقلال. رجلٌ من فرجينيا، يُدعى توماس جيفرسون، كتب - وهو لم يبلغ الثالثة والثلاثين بعد - مسودة وثيقة اعلان استقلال "الولاياتالمتحدة ال13 الأميركية". حدث ذلك سنة 1776. جورج واشنطن صار - بعد حروبٍ طويلة مع الانكليز - الرئيس الأميركي الأول. كان هذا عام 1789. 15 مليون دولار: بونابرت يبيع لويزيانا سنة 1803 باع نابليون بونابرت مقاطعة لويزيانا الى الكونغرس الأميركي. باعها ب15 مليون دولار فقط لا غير. الرئيس الأميركي الثالث توماس جيفرسون عقد بذلك أضخم صفقة عقارية في التاريخ. باع بونابرت أراضي لويزيانا الشاسعة نيو فرنسا: فرنسا الجديدة لتمويل حروبه الأوروبية. كان يخطط للزحف على الجزيرة البريطانية. جيفرسون أعطاه المبلغ مسروراً وضاعف بين ليلة وضحاها مساحة الولاياتالمتحدة الأميركية. ليس على أبناء أمته الآن إلا عبور نهر الميسيسيبي للحصول على البراري الخضراء المترامية حتى جبال روكي البعيدة. * بونابرت في المقابل لن ينجح في غزو لندن. لكنه سيغزو روسيا. كارثة على فرنسا" لكنها كارثة صنعت - على الأقل - رواية ليو تولستوي: "الحرب والسلم". بعثة كلارك ولويس لم يعلم بونابرت - الحالم بإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس - انه يُعطي الولاياتالمتحدة فرصتها الذهبية للتحول الى امبراطورية. أعطى نابوليون لويزيانا الى جيفرسون. وجيفرسون أرسل في 14 أيار مايو 1804 الضابطين وليام كلارك وميروذر لويس في بعثة استكشافية - ضمت مزيجاً من مزارعين وصيادين وتجار - اخترقت براري الهنود الحمر الى الباسيفيكي البعيد. كانوا يبحثون عن أقنية ملاحة تربط أنهار أميركا ببعضها بعضاً، وكانوا يدونون في دفاتر سميكة كل ما تراه العيون من نبات وحيوان وجغرافيا وبشر. بعد زمنٍ سيُنشر ما دونته البعثة في 13 مجلداً. اليوم تحتفل أميركا بكلارك ولويس، ويسافر الطلاب بالباصات مقتفين أثر رحلة دامت 863 يوماً وقطعت ثمانية آلاف ميل متتبعةً نهر ميسوري من سانت لويس الى الحدود الشمالية، ثم الشلالات. كانوا بيضاً يتوغلون في أراضي الهنود، مع دليلة هندية. ساروا الى الغرب المتوحش. ذهبوا غرباً، غرباً دائماً، نحو المكان حيث تغيب الشمس. بعد جبال روكي وظهور المحيط، قفلا - كلارك ولويس - عائدَين. كانت المعنويات منخفضة. لم يعثرا على أقنية ملاحة تصل بين أنهار أميركا. لكنهما، قبل أن يبلغا سانت لويس، لاحظا التبدلات التي طرأت على هذه السهول. عائلات من البيض اقتفت أثر البعثة الاستكشافية وبدأت تستوطن براري لويزيانا! صيادون يزرعون الأفخاخ ويطاردون الوعل والثعلب والأرنب والضبع والدب والجاموس. خصوصاً الجاموس. أكثر من 15 مليون جاموس ترعى في هذه السهول. والهنود الحمر - مع أنهم كثرٌ كرمل البحر - لا يضربون البيض القلائل بالسهام. انتشر الصيادون البيض في السهل، والبعض نقب الأرض وزرعها قطناً وقمحاً. من الهنود تعلموا أن يأكلوا ثمراً أحمر كالدم اسمه بندورة، أو طماطم، لم يُعرف في العالم القديم، عالم ما قبل 1492. اختراع أميركا بعد سانت لويس قطعا الميسيسيبي ثم سلسلة الجبال الشرقية جبال أبالاش. حين دخلا واشنطن استُقبلا استقبال الأبطال: الرجلان اكتشفا أميركا من جديد. رحلة لويس وكلارك - التي موّلها الكونغرس باقتراح من الرئيس توماس جيفرسون - اخترعت أميركا. منذ هذه اللحظة يبدأ التوسع غرباً، الى وراء جبال أبالاش، والى وراء الميسيسيبي. قبل أن تأتي سكة الحديد الى هذه الأرض وتفزع قطعان البافالو، وقبل أن يمتد سلك التلغراف، بدأت الرحلة الى أقصى الغرب. في السنوات الآتية ستُباد قبائل كاملة من الهنود الحمر. قطعان الجواميس ستزول. الحياة ستتغير. الهندي الذي طالما صاد الغزال والدبّ والذئب بالنشاب، لا تلبث أن تصيده بنادق مانشستر. في هذا العالم التوراتي لا يرحم قويٌ ضعيفاً. * كان توماس جيفرسون 1743 - 1826 مولعاً بالنبات والزراعة. أحبَّ "دون كيشوت"" واعتقد أن الأمة الأميركية لن تعثر على روحها إلا بزراعة كل تلك البراري. حين تسارعت الهجرة غرباً بعد 1805، قال ان هذه السهوب ستعجّ بالبشر البيض في أقل من ألف سنة. لم يتخيل أنها ستعجّ بهم في أقل من مئة سنة. من 1803 الى 1900 ارتفع عدد سكان الولاياتالمتحدة الأميركية من أربعة ملايين نسمة الى تسعين مليوناً.