واحد من أصل خمسة أشخاص في العالم يتعرّض للاكتئاب في حياته، والنسبة الأكبر من النساء. لكن الأمر يتخطّى اختزال الاكتئاب الى مجرد حال إحباط مرحلية، او بصفته شعوراً باليأس ناتجاً من انخفاض هرمون الميلاتونين في الدماغ. في الولاياتالمتحدة مثلاً، يصاب نحو 17 مليون مواطن بالاكتئاب ويظهر هذا المرض قبل سن الثلاثين. والاكتئاب هو اكثر الأمراض الذهنية شيوعاً، إضافة الى كونه احد الأسباب الرئيسة للانتحار. انه لا يوفر احداً: النساء، الرجال، الشباب والكهول. والطريف أنّ شخصيات مشهورة أصيبت به كالرئيس الاميركي ابراهام لينكولن الذي اغتيل اثناء حضوره مسرحية، والكاتبين تشارلز ديكنز مؤلف رواية "اوليفر تويست" وارنست همنغواي مؤلف "العجوز والبحر". وعلى رغم ذلك، يقصد أقل من 50 في المئة من المصابين الأطباء النفسيين. الاكتئاب مرض ينتج منه شعور بالحزن يدوم نحو أسبوعين او اكثر يصاحبه غالباً فقدان الاهتمام في مواصلة الحياة، وانعدام الأمل ويؤدي الى فقدان القدرة على اداء المهمات الروتينية وسائر النشاطات اليومية. وعلى خلاف ما يظنه البعض، لا ينتج الاكتئاب من ضعف في الشخصية بل هو مرض عضوي يصيب الخلايا العصبية المسؤولة عن ارسال الرسائل واستقبالها في كل انحاء الجسم والمسوؤلة ايضاً عن الحال النفسية للفرد. لم يتمكن العلماء من تحديد السبب الحقيقي للاكتئاب، وتشير الدلائل الى وجود عوامل عدة منها: العامل الوراثي، الاجهاد اليومي، التركيبة البيوكيماوية والحال النفسية. لكن الشيء الأكيد لتفادي الاكتئاب هو تقسيم أعمالنا اليومية والقدرة على التمييز بين ما نريد وما هو قائم واحاطة انفسنا بعلاقات قوية مع محيطنا. البحرين، على غرار معظم البلدان العربية، لا يتعدّى نصف سكانها عمر العشرين. اما متوسط الأعمار فيها فهو 58 و70 سنة للذكور و45 و75 للإناث. واذا ما استطعنا تجنب التصنيفات النمطية والتبسيطية لاختلاف المجتمعات بين شرق وغرب، فمن العسير تجاهل خصوصية كل مجتمع وتمايزه عن الآخر ناهيك بالموروثات الثقافية والاجتماعية والدينية التي ينظر الناس من خلالها ويطلقون الاحكام عبرها. نجلاء 20 عاماً، طالبة جامعية سمعت بالاكتئاب من طريق قريبة لها اصيبت به اثر صدمة عاطفية. تتعاطف نجلاء مع هؤلاء المصابين قائلة: "زينا زيهم" وتعقب ان الكل معرض للاصابة بهذا المرض الخفي. أبو يوسف 43 سنة موظف يصف الاكتئاب بأنه "حال" من القنوط سببها ضيق الأحوال المادية أو المشكلات الزوجية أو الخيبات العاطفية. واستغل أبو يوسف الفرصة لينتقد المستشفيات التي "تعاني من قلة الاختصاصيين وسوء البنى التحتية لا سيما في ما يتعلق بالامراض النفسية حيث يحشر المجنون مع المكتئب والمدمن الى جانب المصاب بانفصام الشخصية". لكن جميلة الماجد 35 سنة الممرضة المجازة في مستشفى الطب النفسي في المنامة، فاعترضت على رأي ابو يوسف مؤكدة ان "هناك قسماً خاصاً بالأمراض النفسية في المستشفى حيث لكل مريض علاجه الخاص وفق حالته". وأقرت بوجود حالات انتحار في البحرين بسبب الاكتئاب من دون اعطاء تفاصيل او حالات مشيرة الى وجوب اعطاء المريض اهتماماً ملحوظاً. وما كان من رائد حسن 32 سنة الذي سمع بالاكتئاب سوى التضرع الى الله سائلاً اياه "ان يجنبنا هذا المرض".