حض اقتصاديان من صندوق النقد الدولي دول مجلس التعاون الخليجي على التخلي عن الزام شركاتها الخاصة بنسب محددة من توطين فرص العمل وشددا على أن مشكلة البطالة في دول المجلس يمكن حلها بفعالية اكبر عبر تبني سياسات واستراتيجيات تعتمد على آليات السوق، لاسيما الأجور والمنافع، وتقيم توازناً موائماً بين هدف توفير الوظائف للأعداد المتزايدة من طالبي العمل من المواطنين والحفاظ على تنافسية القطاع الخاص. أكد الاقتصاديان أوغو فاسانو وريشي غويال في دراسة تحليلية نشرها صندوق النقد الاسبوع الماضي أن انتشار البطالة في صفوف المواطنين الخليجيين يُعتبر حدثاً جديداً في المنطقة وأن ضغوطات هذه البطالة لم تظهر بشكل ملموس الا بعدما استنفدت الحكومات الخليجية، وكنتيجة لارتفاع فواتير الرواتب والأجور الى مستويات غير مستدامة في الاعوام القليلة الماضية، قدرتها على لعب دور"الملاذ الأول والأخير"في توفير فرص العمل للمواطنين. واستعرض الباحثان بادئ ذي بدء البعد الديموغرافي لمشكلة البطالة التي أرجعا أسبابها المباشرة الى التزايد السريع في عدد طالبي العمل من المواطنين وارتفاع نسب مشاركة المرأة في أسواق العمل. وأشارا الى أن متوسط نسب نمو العمالة الوطنية في دول مجلس التعاون راوح بين 4 و5 في المئة سنوياً طوال عقد التسعينات ويتوقع أن يستمر بالنمو بهذه الوتيرة العالية في المدى المتوسط سيما أن فئة الأعمار حتى 14 سنة تشكل قسما كبيرا من سكان هذه الدول. ويعتبر حجم سكان الدول الخليجية صغير نسبياً وبلغ حسب تقديرات عام ألفين حوالى 32 مليون نسمة باستثناء الوافدين وتنفرد السعودية بزهاء 22 مليون نسمة، الا أن النمو السكاني سجل معدلات عالية في العقود الماضية وهو مستمر في النمو بنسبة تزيد على 3 في المئة سنوياً على رغم انخفاض متوسط معدلات الخصوبة في المنطقة من 6.4 مولود لكل امرأة سنة 1980 الى 3.5 مولود حالياً. ولفت الاقتصاديان الى مسألة تعكس مدى سرعة النمو السكاني وهي أن المجتمعات الخليجية، التي يراوح متوسط أعمار سكانها بين 26 و30 سنة وتشكل فئة الأعمار حتى 14 سنة أكثر من ثلث سكانها، تنفرد بمعدل مرتفع من الاعالة نسبة العاملين الى المتقاعدين خصوصاً في السعودية حيث بلغ مقدار هذا المؤشر الاقتصادي المهم 96 في المئة عام ألفين بالمقارنة مع متوسط عام لكل الدول العربية يزيد قليلا على 72 في المئة. العمالة الوافدة وتستضيف دول مجلس التعاون عمالة وافدة كبيرة نسبيا وارتفع عدد العمال الوافدين من 1.1 مليون عامل عام 1970 الى 5.2 مليون عامل عام ألفين ويُقدر أن يصل الى 5.5 مليون عامل نهاية العقد الجاري. وتتباين نسب العمالة الوافدة الى العمالة الوطنية بشكل كبير في الدول الخليجية حالياً وتراوح بين 90 في المئة في الامارات و50 في المئة في السعودية التي يتوقع أن يصل حجم عمالتها الوافدة الى 3.5 مليون عامل بحلول سنة 2010. وعزا أوغو وريشي وجود العمالة الوافدة الى السياسة المنفتحة التي تبنتها دول مجلس التعاون الخليجي لتلبية حاجات أسواقها من الأيدي العاملة بعد ازدهار أسعار النفط واطلاق عملية اعمار هائلة للبنية التحتية. وأشارا الى أن سياسة"الباب المفتوح"لا تزال قائمة في كل دول المجلس على رغم ادخال بعض القيود بشكل تدرجي وبمرور الوقت. وشددا على أن العمالة الوافدة التي جاءت من الهند والدول الآسيوية الأخرى مثل اندونيسيا والفلبين بينما شكلت العمالة العربية الوافدة الغالبية في السبعينات وأوائل الثمانينات، ساهمت، عبر عقودها وأجورها التنافسية، في ابقاء كلفة العمالة في المنطقة منخفضة نسبياً ولعبت بالتالي دوراً مهما في حماية تنافسية القطاعات الخاصة الخليجية من التأثر سلبا بالقطاع النفطي، ما يعرف بأعراض"المرض الهولندي". وأوضحا أن العمالة الوافدة تخضع لاطار عمل مرن اذ أن نظام عقود العمل المحددة المدة والكفيل المطبق في الدول الخليجية يسهل استخدام العامل الوافد وتسريحه، ولفتا في المقابل الى أن الوافدين يستفيدون من الدعم الحكومي للسلع والخدمات، وان كانوا يدفعون رسوماً أعلى من رسوم المواطنين، وأن عدم وجود ضرائب مستوجبة على الدخل الشخصي والاستهلاك عزز قدرة العمالة الوافدة على التوفير وساهم في أن يراوح متوسط تحويلاتها بين 6 و11 في المئة من اجمالي الناتج المحلي للدول المضيفة سنوياً في النصف الثاني من التسعينات، أي بين 2500 و4500 دولار للفرد. تباينات لكنهما أكدا بأن استمرار العمالة الوافدة بأعداد كبيرة يعكس حالة انفصام وتجزؤ في أسواق العمل الخليجية وأرجعا السبب الرئيسي لهذا التجزؤ الذي يعبر عن نفسه بشكل تبايانات حادة في الأجور والخبرات وقطاعات التوظيف المفضلة والمتاحة للعمالة الوطنية والوافدة، الى ضمانات التوظيف التي يقدمها القطاع العام، ضمنيا، للمواطنين الذين يفضلون الوظائف الحكومية بسبب الرواتب المرتفعة نسبيا والأمن الوظيفي والعلاوات الاجتماعية. ولفت الاقتصاديان الى ميزات أخرى للوظيفة الحكومية وأهمها تحديد سن التقاعد ب60 سنة للرجال و55 سنة للنساء وتوافر امكانية التقاعد والاستفادة من كل مزاياه بعد استكمال 20 سنة في الخدمة، كذلك انخفاض مستوى مساهمات الموظفين في صناديق المعاشات أو انعدامها كليا كما الحال في قطر، وارتباط الترقية بالأقدمية وليس الأداء وقلة عدد ساعات العمل بالمقارنة مع القطاع الخاص ومما يتيحه ذلك للموظف من فرص لمزاولة أعمال اضافية مدرة للدخل. وأفاد الباحثان بأن الأثر التراكمي لميزات الوظيفة الحكومية تمثل في تشكل فجوة في هياكل الأجور والمنافع المعتمدة في القطاعين العام والخاص وأن أبرز مظاهر هذه الفجوة انعكس في ارتفاع سقف توقعات العمالة الوطنية التي أصبحت تشكل، في كل دول المجلس باستثناء البحرين والسعودية، أكثر من 60 في المئة من موظفي القطاع العام الذي استوعب كذلك غالبية النساء اللواتي دخلن سوق العمل في العقد الماضي. وبالمقارنة تعمل غالبية العمالة الوافدة لدى القطاع الخاص وتشكل في المتوسط زهاء 85 في المئة من قوته العاملة. وذكرت الدراسة بأن شركات القطاع الخاص تفضل العمالة الوافدة على العمالة الوطنية بسبب انخفاض كلفتها الأجور والمنافع ومرونة عقودها وارتفاع المستوى التفاضلي لخبرتها فضلاً عن أن أجور الوافدين غالباً ما تكون أكثر مرونة. ولفتت على سبيل المثال الى أن أجور القطاع الخاص في الامارات انخفضت بنسبة 8 في المئة في الفترة من سنة 1997 الى 2001 بينما ارتفعت أجور القطاع الحكومي بنسبة 11 في المئة. وعرض أوغو ورشي مجموعة من المسائل المرتبطة بتجزؤ أسواق العمل الخليجية لكنها تثير جدلاً حاداً وفي مقدمها أن شركات القطاع الخاص تتردد في تدريب العامل الوطني بسبب احتمال تخليه عن عمله لدى الشركة التي تحملت نفقات التدريب وعدم التطابق بين نتاج التعليم، الذي توفره الحكومات الخليجية للمواطنين بكل مراحله مجاناً، والخبرات التي يتطلبها العمل في شركات القطاع الخاص وأخيراً تعويل المواطن على القطاع العام للحصول على وظيفة مضمونة بأي مرحلة من مراحل التعليم. وأفادت الدراسة بأن التخصصات الفنية وادارة الأعمال التي تأتي في قمة لائحة أولويات القطاع الخاص لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من خيارات الخريجين من المواطنين، وتحديداً 18 و11 في المئة على التوالي، بالمقارنة مع 38 في المئة للدراسات الاسلامية و34 في المئة للتعليم، لكنها أشارت كذلك الى تدني نسب الانتظام في الجامعات 8 في المئة في عُمان و26 في المئة في قطروالبحرين وفق المعطيات المتوافرة لسنة 1997 والى أن متوسط نسب الانتظام في المرحلة الثانوية يقل عن 70 في المئة باستثناء البحرين حيث بلغ 94 في المئة سنة 1998. وأبرز الباحثان من صفات أسواق العمل الخليجية محدودية الحركة المتاحة لكل من العمالة الوطنية والوافدة اذ ينحصر عمل الأولى في القطاع الحكومي بينما يتم تقييد حركة الثانية بنظام الكفيل. ولاحظا بأن تمتع مواطني دول مجلس التعاون بحقوق متساوية وحركة الانتقال لغرض العمل منذ منتصف الثمانينات لم يترجم الى حركة مرنة، وارجعا السبب جزئيا الى احتمال خسارة المنافع الاجتماعية مثل منحة الأرض وقروض السكن التي يتخلى عنها المواطن بالانتقال الى بلد آخر. ويتناول الباحثان في القسم الثاني من دراستهما الجهود التي تبذلها الدول الخليجية لمواجهة تحدي البطالة ويقترحان مجموعة من التوصيات. جدول 1 اسواق العمل الخليجية : العمالة الوطنية نسبة مئوية البلد في القطاع العام في القوة العاملة السعودية 50 48 البحرين 35 44 عمان 60 21 الكويت 85 20 قطر 75 12 الامارات 90 10 جدول 2 أسواق العمل الخليجية : العمالة الوافدة البلد النسية في القطاع الخاص السعودية 65 قطر 87 الامارات 88 عمان 90 الكويت - البحرين -