لم يتوقع أعضاء فريق الاستكشاف من معهد إيميل راكوفيتزا في رومانيا، وهم يخطون أولى خطواتهم داخل كهف ضخم في جبل بيهور سنة 1984، أن هذا الكهف سيقودهم إلى ممر يمتد أربعة كيلومترات وينتهي بعد ذلك بتجويف على عمق عشرة أمتار تشكل عبر السنين تحت مجرى النهر. وعلى ضوء مصابيحهم الصغيرة استطاعوا أن يتبينوا تكوينات كلسية يبلغ طولها مترين ونصف المتر تتدلى من أعلى السقف وكأنها تنير أسرار هذا الكهف الغريب. أما المياه الكلسية التي ما زالت ترشح من أطرافه فقد تجمدت لتبدو وكأنها أحجار كريستالية تزين الجدران، إضافة إلى مقرنصات وأحجار جيرية وتشكيلات ابداعية حفرها التاريخ على مر العصور. كل ذلك أكد لهم، ومن النظرة الأولى، أنهم وضعوا للتوّ أيديهم على كنز تاريخي سيبقى حكاية لأجيال كثيرة قادمة. لكن ما لم يستطيعوا التكهن به وقتها هو أن هذا الكهف سيكون أقدم أثر لوجود حياة على وجه الأرض. فهذا التجويف الداخلي الذي أطلقوا عليه أسم "هيفن" قادهم إلى اكتشاف كهوف أخرى أكثر غرابة وروعة أصبحت في يومنا هذا قطباً سياحياً مهماً لعشاق المغامرة. حتى اليوم تم اكتشاف 1200 كهف في رومانيا فقط. ومع أن بعضها لا يتجاوز الأمتار طولاً إلا أن بعضها الآخر يصل إلى 10 كم. وزيارة كهف منها تحتاج إلى أيام عدة، وهذا ما حدث عند اكتشاف كهوف "بياترا التارلي" التي عثر فيها على أربع جماجم صغيرة وجوهها تشير إلى الخارج وتيجانها موجهة إلى الأعلى. وبعد إجراء كثير من الدراسات عليها تبين أنها لصغار دببة الكهوف "أورسس سبايلاس" التي انقرضت منذ أكثر من 15000 سنة. وما زاد من غرابة الأمر أن عمر هذه الدببة يعود لحوالي 75000 إلى 85000 سنة. وعلى رغم وجود آثار عظام حيوان فيل الماموث المنقرض إلا أنه لم يكن هناك أي أثر لحياة بشرية في ذلك الوقت. لكن مع اكتشاف كهوف جبال كارباثيان ظهرت دلائل على مسارب بشرية، وفي الأخص بالقرب من كهف "سيور ايزبك" حيث تم العثور على 400 أثر لأقدام إنسان بدائي، إضافة لعظام الدببة. ويعتقد الباحثون بأن هذه الآثار تمثل بداية ونهاية موسم الصيد. وبعد تلك الاكتشافات المهمة، أصبحت زيارة الكهوف ضرورية لكثير من محبي المغامرات، وكذلك للتمتع بأشكالها وتطبيقاتها الحجرية وصواعدها ونوازلها الكلسية الفريدة. ولذلك أخذت المكاتب السياحية الرومانية على عاتقها مهمة تنظيم هذه الزيارات بالتعاون مع الحكومة المركزية. ويعتبر مثل هذا التنظيم السياحي ضرورياً للغاية لأن رحلة من هذا النوع تحتاج إلى ملابس خاصة مناسبة لهذه الأماكن من جهة، ولهذا النوع من المغامرات من جهة أخرى. كما أن على السائح أن يكون ملماً بفكرة عن أصول الغوص في بعض الكهوف حيث توجد أروع تكويناتها تحت أنهارها الجوفية.