تبنى البرلمان التركي بغالبية 254 صوتاً ومعارضة أربعة أعضاء، مشروع قانون للتعليم العالي، يلحظ تخفيف القيود المفروضة على طلاب المعاهد الدينية للالتحاق بالجامعات. ويرفض العلمانيون وخصوصاً الجيش، هذا القانون باعتباره يشكل خطراً على النظام. وجاءت الموافقة على المشروع المقترح من الحكومة المنبثقة عن التيار الإسلامي والذي يلحظ أيضاً توسيع صلاحيات الوزارة المختصة في مراقبة نشاطات الجامعات، في اختتام جلسة نقاش استمرت طيلة ليل الأربعاء-الخميس، علماً أن حصول المشروع على غالبية الأصوات عكس واقع امتلاك الحكومة قاعدة التمثيل البرلماني الأكبر حجماً، فيما امتنعت الأحزاب المعارضة عن التصويت. وشبه رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض دنيز بايكال خلال المناقشات، مشروع القانون بمثيله "المعتمد في إيران ودول عربية عدة". وفي وقت زاد إقرار مشروع القانون خطر حصول خلاف كبير بين الحزب الحاكم والجيش ذي النفوذ القوي في المرحلة التالية، يتوقع أن يحظر الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر القانون الجديد في القريب العاجل، خصوصاً بعدما تأثرت السوق النقدية سلباً، بالأجواء المشحونة التي أوجدها تبني المشروع، إذ تراجعت أمس قيمة الليرة التركية بنسبة .850 في المئة أمام الدولار. واللافت أن الرئيس سيزر يملك حق رفض القانون، إلا أن اتخاذ الحكومة قرار إعادة التصويت عليه والذي يحتمل أن يجدد البرلمانيون تأييدهم للإصلاحات الواردة فيه، سيلزمه بأحد خيارين: الموافقة عليه أو التقدم بدعوى ضده أمام المحكمة. ويرى محللون أن إصرار الحكومة على إقرار القانون من دون إخضاعه لأي تعديلات في حال رفض الرئيس سيزر بنوده. سيضاعف الأزمة الداخلية، وهم يجزمون بالتالي بأن الحل الأفضل يتمثل في إظهار الحكومة برودة في مواجهة "الفيتو" المحتمل للرئيس سيزر، من أجل تدارك سلبيات التدهور النقدي. ويعتبر قطاع التعليم أحد المفاتيح الرئيسة في الصراع السياسي القائم بين العلمانيين والاسلاميين الذين يسيطرون على حزب العدالة والتنمية الذي يتولى زمام الحكم منذ 17 شهراً. الجيش يتقيد بالاستقرار الداخلي ويتفق العلمانيون والجيش على أن مشروع القانون الجديد سيعزز تأثير الإسلام في التعليم، الأمر الذي يتناقض مع ركيزة بناء تركيا الحديثة على يدي مصطفى كمال أتاتورك في العشرينات. وتتجسد تلك الركيزة في الفصل بين الدين والدولة. وكان القانون القديم، حصر تواجد غالبية خريجي المعاهد الدينية في فروع خاصة لا تسمح بتخصصهم في التعليم أو المحاماة تمهيداً للحيلولة دون شغلهم مناصب عالية لاحقاً. وعموماً، لا يحبذ العلمانيون والجيش الخلفية الدينية التي تصنع قرارات الحكومة، إلا أن أحداً لا يتوقع أن يبادر الجيش إلى إطاحتها بسبب تمسكها بهذا القانون على غرار ما حصل عام 1997 حين أسقطت بالقوة أول حكومة إسلامية. ولا يخفى خضوع الجيش لقيود ترتبط بضرورة تفادي أي اضطراب داخلي على مستوى الحكم يمكن أن ينسف كلياً جهود الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، خصوصاً أن موعد مناقشة الانضمام غير بعيد وتحدد بعد عناء كبير وتأجيلات عدة في كانون الأول ديسمبر المقبل. ولم يتخذ الاتحاد الأوروبي أي موقف تجاه مشروع القانون، إلا أن أعضاءه يخشون تأثيره على الاستقرار السياسي في تركيا والذي يمكن أن يشوه صورتها في محادثات الانضمام التالية. من جهته، نفى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان اعتماد حكومته أي برنامج خفي ل"أسلمة" تركيا أو الترويج للعقائد الإسلامية، وأصر على أن إصلاح نظام التعليم العالي يهدف إلى تكريس المساواة في الفرص الممنوحة لتعليم جميع أبناء البلاد. وذكر أن الدولة مولت دائماً معاهد دينية عدة في البلاد، من بينها "إمام خطيب" التي تلقى فيها تحصيله العلمي.