حفلت المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان والتي خصصت امس، لمحافظتي بيروت والبقاع بأحداث عكست حماوة المعارك بين موالاة ومعارضة وبين حزب وآخر وصولاً الى التنافس العائلي، ولم يوفر المتنافسون اي وسيلة لإبعاد الآخر بدءاً من التشطيب وصولاً الى استخدام عنصر المال، ولم تخل الانتخابات من إشكالات في مراكز اقتراع تطلبت تدخل الأجهزة الأمنية، وفي حين جرى توقيف مناصرين من التيار العوني لبعض الوقت فإن منطقة البقاع شهدت مقتل شاب عشية الاستحقاق البلدي في احد المكاتب الانتخابية. وتابع رئيس الجمهورية اميل لحود سير العملية الانتخابية مع وزير الداخلية والبلديات الياس المر. وكانت مراكز الاقتراع احيطت بإجراءات عسكرية ولم تسجل حوادث غير عادية. وتفاوتت نسبة الاقتراع بين حي وآخر في بيروت، ومدينة وأخرى في البقاع. ونزل الى مراكز الاقتراع في بيروت رئيس الحكومة رفيق الحريري مقترعاً ودعا الى جعل هذا اليوم يوماً "لترسيخ الديموقراطية في لبنان والعيش المشترك"، كذلك فعل مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الذي امل بأن يأتي المجلس البلدي في بيروت "وفاقياً ومتجانساً"، ولاحظ النائب السابق تمام سلام "إقبالاً غير كثيف على الاقتراع". وسجلت في البقاع مشاركة المسؤولين السياسيين في العملية الانتخابية اقتراعاً وسجالاً. صح الاعتقاد السائد منذ اكثر من اسبوع بأن حرارة المنافسة البلدية في بيروت ستكون معدومة وأن مناوئي لائحة "وحدة بيروت" التي تحظى بدعم رئيس الحكومة رفيق الحريري في لائحتي "الكرامة والتغيير" ائتلاف حركة الشعب - نجاح واكيم - والحزب الشيوعي والتيار الوطني الحر - العماد ميشال عون و"أهل بيروت" التي تحظى بتأييد المؤتمر الشعبي اللبناني - كمال شاتيلا - وبعض الأحزاب الكردية سيحاولون اثبات وجودهم من خلال تسجيل نسبة مقبولة من المقترعين في مقابل رغبة الحريري بزيادة حجم المشاركة التي كانت اقل من عادية في ظل لا مبالاة الناخبين على رغم محاولات استنهاضهم طوال الأسبوع الماضي وخصوصاً في الأحياء المسيحية. وبدت المعركة البلدية اختيارية بامتياز بسبب ارتفاع حدة المنافسة بين المئات من المرشحين للمجالس الاختيارية الذين سيطروا على الساحة الانتخابية. ولعل جو المنافسة بين مرشحي حركة "امل" و"حزب الله" فادي شحرور وأمين شري على لائحة "وحدة بيروت" نجحت في تحريك المعركة البلدية، اذ دخلا في مبارزة مكشوفة اتسمت بتبادل التشطيب على وقع المنازلة التي دارت بين الطرفين في بعلبك وشمسطار البقاع. ولم تنجح الجهود التي بذلت من اركان لائحة "وحدة بيروت" في وقف "التشاطب" الانتخابي بين الطرفين الشيعيين الأساسيين في العاصمة. وهذا ما افسح المجال امام الترويج لإشاعات عن انتقال العدوى الى مرشحين آخرين في اللائحة نفسها، وتبين لاحقاً ان هناك مبالغة في الحديث عن التشطيب الذي ظل طبيعياً وأقل مما كان عليه في الانتخابات البلدية السابقة بحسب ما قالت مصادر اللائحة. ولم تسجل التقارير الأمنية حصول حوادث مخلة بالأمن باستثناء إشكال دار بين انصار الجماعة الإسلامية وبين انصار جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية "الأحباش" في محلة رأس النبع نجحت القوى الأمنية في ضبطه وحالت دون "تعميمه" على مناطق اخرى، بينما حصلت إشكالات متنقلة بين محازبي "حزب الله" و"امل" في الباشورة وزقاق البلاط لخلاف على دعم المقاومة في الجنوب، إذ تبادلوا الاتهامات العلنية امام المقترعين الذين نجحوا في فض النزاع. اما في الشطر الشرقي من بيروت فكانت لافتة سيطرة التيار العوني على الأحياء. لكن الإقبال كان متواضعاً على الصناديق التي سجلت اقتراعاً لمصلحة اللائحة المعارضة للحريري فيما اقترع الناخبون الأرمن بكثافة للائحة "وحدة بيروت" في ظل انعدام الخلاف بين الأحزاب الأرمنية. ويتجه القسم الأكبر من المعارضة المسيحية الى توظيف تدني نسبة الاقتراع في الأشرفية في اطار الإعداد لمعركته لتعديل قانون الانتخابات البلدية على اساس تقسيم بيروت الى احياء تتيح للمسيحيين اختيار ممثليهم بدلاً من ان يتم انتخابهم على يد الأكثرية الساحقة من الناخبين المسلمين اضافة الى ان المعارضة التي شاركت في الانتخابات في ظل تصرف "لقاء قرنة شهوان" المعارض على انه غير معني ترشحاً للمجلس البلدي، وإن كانت اقترعت لمصلحة لائحة "الكرامة والتغيير" فإن بعض رموزها تيار بشير الجميل، الحركة الإصلاحية الكتائبية شطبوا منها المرشحين المحسوبين على حركة الشعب والشيوعي على خلفية موقفهما من اغتيال الرئيس بشير الجميل. ومع ان الثقل الانتخابي في بيروت كان من صنع الماكينة الانتخابية للحريري التي ظهرت بصماتها واضحة على صعيد التنظيم والحشد والاقتراع فإن خصومه حضروا في عدد من احياء بيروت بينما لوحظ ان معظم الأحزاب التي عرفت في السابق بالأحزاب الستة صاحبة المبادرة الائتلافية لم تكن موجودة، لا بل ان ماكيناتها وأنصارها غابوا عن السمع وتصرفوا كأنهم ادوا قسطهم للعلى ولم يعد من مبرر لمواكبة المعركة الانتخابية. وبدا واضحاً ان الحريري لعب دور صمام الأمان للائحة "وحدة بيروت" في مواجهة خصومه في اللائحتين المنافستين اللتين كانتا تحدثتا عن مال سياسي. إلا ان زياد عبس المرشح العوني على لائحة التغيير قال: "سمعنا اقاويل كثيرة عن دور المال، إلا اننا لا نستطيع ان نثبت صحة ذلك، طالما اننا لا نملك من الأدلة والإثباتات ما يدعم الأقوال". وإذا كانت المعركة في بيروت قد انتهت مع إقفال صناديق الاقتراع وسط استبعاد حصول مفاجآت، فإن ذيولها ستمتد الى الجنوب الذي يستعد لمعركة طاحنة في 23 الجاري تدور رحاها بين "امل" و"حزب الله" في معظم المناطق وبين تيار المستقبل برعاية الحريري والجماعة الإسلامية من جهة وبين التنظيم الشعبي الناصري اسامة سعد والدكتور عبدالرحمن البزري من جهة ثانية، في صيدا. فالمعركة في الجنوب ستكون اكثر سخونة من المناطق الأخرى. وكأنما يراد بعث رسالة الى الخارج عنوانها ان هناك حالة شعبية حاضنة للحزب ومن خلاله للمقاومة. لكن يبقى السؤال: هل ان الهدف من تسطير رسالة الى واشنطن سيبقى في نطاق البلديات ولن يكون له مفاعيل سياسية في المستقبل تنذر منذ الآن بإعادة خلط الأوراق السياسية؟ من السابق لأوانه الإجابة عن السؤال، لكن الحزب يسعى جاهداً لتوظيف هذا التوجه بغية تسجيل المزيد من النقاط في خانة رئيس المجلس النيابي نبيه بري مستفيداً من الظروف الإقليمية الراهنة... ومن القرار السوري بالوقوف على الحياد بعد ان حاول التوفيق بينهما. وأعلن "التيار الوطني الحر" ان "الأجهزة الأمنية عمدت الى توقيف 15 من مناصريه كانوا متوجهين من منطقة الحدث في اتجاه مراكز اقتراع في بيروت للالتحاق بالماكينة الانتخابية ل"الكرامة والتغيير" وأطلقوا لاحقاً. وتردد ان الموقوفين كانوا يوزعون اوراقاً كتب عليها "لا للاحتلال السوري". وأعلن التيار ايضاً ان "بعض الأشخاص المجهولين تعرضوا بالضرب لناشطين منه عندما كانوا مارين بسيارتهم على كورنيش المزرعة وهم رونالد سماحة وأنطوان ورالف بو ناصيف وهادي عبدالنور، وعمدوا الى تمزيق صور للعماد ميشال عون كانت ملصقة على سيارتهم. ولدى توجه المعتدى عليهم الى اقرب مخفر لقوى الأمن الداخلي لتقديم شكوى، كان جواب العناصر ان الأمر عادي ويحصل في انتخابات مماثلة". زحلة حماوة المعركة الانتخابية في زحلة لم توفر اي وسيلة لكسب الاصوات، ذلك ان المنافسة التاريخية بين آل سكاف وآل الهراوي تجسدت في لائحتين تحظيان بدعم كل من رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي والنائبين يوسف المعلوف ومحمود ابو حمدان، ودعم الوزير الياس سكاف والنائب نقولا فتوش، فيما تمثلت المعارضة بلائحة غير مكتملة تحظى بدعم العونيين والقاعدة الكتائبية و"القوات اللبنانية". شوارع المدينة التي غطت فضاءها اللافتات الداعمة لهذا الفريق او ذاك، شهدت حركة بطيئة صباحاً في اتجاه مراكز الاقتراع وتسارعت وتيرتها ظهراً. لكن نسبة المقترعين لم تتجاوز 35 في المئة، ما دفع بمندوبي اللائحتين الأساسيتين الى استنفار كل انواع الجذب للناخبين، بدءاً من احضار المسنين والمرضى الى مراكز الاقتراع مروراً بالاحتفاظ بالبطاقات الانتخابية لناخبين في مكاتب الماكينات الانتخابية وإعطائها لمن يتم الوثوق بأنه سيصوت إلى جانب هذه اللائحة او تلك ولا مانع حتى من استخدام وسيلة "الإقناع المادي"، حتى قيل ان الصوت الواحد تراوح سعره ما بين خمسين دولاراً و200 ألف ليرة لبنانية، وثمة من فضّل البقاء حتى اللحظة الأخيرة للإفادة من "بورصة الأسعار". على ان ناخبين كثراً شكلوا لوائحهم الخاصة والبعض قال ل"الحياة" انه ضمنها مرشحين من اللوائح الثلاث، او انه فضل شطب اسماء من على لائحة معينة "لأننا عائلياً لا نتفق معه" او "اننا جربنا خدماته ولم تعجبنا". والتنافس على الناخبين لم يبق في اطار صناديق الاقتراع بل تحول الى تراشق كلامي بين داعمي اللوائح استخدمت فيه نعوت حاول اصحابها تصنيفها ضمن ما هو مباح في المعركة الانتخابية، فحينما صوّت الرئيس الهراوي قال انه فعل لمصلحة انماء زحلة "وأن الآخرين ارادوها معركة فلتكن لكنها ليست سياسية". وحينما سئل الوزير سكاف بعد تصويته على ما قاله الهراوي بأن المعركة غير سياسية اكتفى بالقول "كذّاب". ولم ينف احتمال تعرض اللائحة التي يدعمها ل"التشطيب" واتهم اللائحة الثانية بشراء الأصوات و"بملاحقة الناخبين من باب الى باب"، اما النائب نقولا فتوش فاتهم بعد ممارسته حق الاقتراع "اجهزة امنية" بالتدخل في الانتخابات عبر لافتات توحي بأن رئيس المجلس النيابي نبيه بري يدعم اللائحة التي تحظى بدعم الوزير سكاف، وقال: "حينما نفت حركة "امل" هذا الأمر فإن الخبر لم ينشر في الوكالة الوطنية للإعلام وكأن هذه الوكالة تابعة لدائرة من دوائر الأمن العام". وحينما سئل فتوش عن تعليقه على شراء اصوات الناخبين، اكتفى بالقول: "البادئ اظلم". وتحدث مندوبو لائحة المعارضة عن منعهم من حمل صور للعماد ميشال عون، وعن حجز بطاقات انتخابية وعدم اعطائها للمعارضين. وتبادل التهم بدفع رشى لم يقتصر على زحلة بل امتد الى تعلبايا التي شهدت تراشقاً كلامياً بين مندوبي لائحتين واحدة تحظى بدعم الوزير سكاف والثانية بدعم النائب خليل الهراوي وذلك امام احد مراكز الاقتراع ما ادى الى تدخل الأجهزة الأمنية وإيقاف العملية الانتخابية بعض الوقت ومنع المندوبين الجوالين من دخول مركز الاقتراع. وفي شمسطار وعلى رغم التوصل الى لائحة توافقية بين الرئيس حسين الحسيني و"حزب الله" في مقابل لائحة من العائلات تحظى بدعم حركة "امل" فإن الخوف من التشطيب كان هاجس الجميع. بعلبك ولم تكن حرارة الشمس في مدينتها بعلبك امس، اقل حدة من "اللهيب" المتصاعد من المعركة الانتخابية التي دارت رحاها في مراكز الاقتراع بين لائحتي "قرار بعلبك" المدعومة من حركة "امل" وحزبي "السوري القومي" و"الشيوعي" و"الأحباش"، و"أبناء بعلبك" المدعومة من "حزب الله" وحزب "البعث العربي الاشتراكي". واختصرت المعركة في بعلبك المعارك في معظم البلدات المجاورة بين الحركة والحزب، ولم تنجُ منها سوى 8 بلدات فازت مجالسها بالتزكية. وشهدت المدينة مشاركة كثيفة جداً شارفت على الخمسين في المئة، فكانت المعركة الحالية تشبه المعركة السابقة بين الطرفين اللذين سعيا الى التوصل الى توافق لكنه فشل لسبب واحد هو تمسك "امل" بالرئيس الحالي للبلدية غالب ياغي وتمسك "حزب الله" بموقفه رفض مشاركة ياغي في الانتخابات. مؤيديو ياغي رأوا انه "رمز النزاهة وأنه عمل في شكل جيد خلال ولايته وأنجز اعمالاً كثيرة"، بينما رأى معارضوه "ان تجربته لم تكن ناجحة". اللائحتان كانتا مكتملتين من 21 مرشحاً، والفارق بينهما ان لائحة "امل" ضمت مسيحيين اثنين، بينما ضمت لائحة الحزب مسيحياً واحداً. وعزا شيخ من الحزب كان في مكتب انتخابي في الحارة المسيحية، الأمر الى النسبية العددية، موضحاً ان في المدينة 16 ألف شيعي و5 آلاف سنّة وأكثر من ألف مسيحي. ولم يستهن الطرفان بقدرة بعضهما بعضاً، إذ بدا كلاهما "قلقاً" مما ستفرزه الصناديق، لكنهما لم يتوقعا الخسارة. ويعول الطرفان ايضاً على العنصر السنّي لأنه يميل الدفة في ظل انقسام شيعي واتهامات متبادلة ب"استخدام الضغوط والأموال ورشى غير عادية". البقاع الغربي وتراوح التنافس في بلدات وقرى البقاع الغربي بين ما هو سياسي حزبي وآخر عائلي، لكن الحادث الذي ألقى بظله على المنطقة كان مقتل الشاب احمد عبيد العاصي ليل بدء الانتخابات وفي احد المكاتب الانتخابية تابع للمرشح شربل خوري في تربل وكان مناصرو المرشح يتسامرون عندما وقع مسدس وليد حسني يوسف الملقب ب"عصارة" على الأرض وانطلقت منه رصاصة اصابت العاصي وهو من المجنسين، وأوقف الجيش اللبناني صاحب المسدس، إلا ان اهل القتيل اعتبروا ما حدث قضاء وقدراً.