امامي مجموعة من رسائل القراء كلها بالإنكليزية، وبالبريد الإلكتروني، وهي تجمع النقيضين، فبعضها يؤيد العرب والقضية الفلسطينية، وبعضها صهيوني متطرف، مع رسائل من نوع يقع في مرتبة بين المرتبتين. غير انني ابدأ برسالة من بيلي مينلي، وهو مراهق اميركي من بلدة بالم كوست في فلوريدا يشن حملة رهيبة على جورج بوش، وإلى درجة ان أتحرج من نشر رأيه كله، فهو اقسى مما ينشر بعض صحفنا. وبيلي يقول عن نفسه انه مراهق واع سياسياً، ويشكو من هدر مجلس بلدية بلدته الأموال في امور لا تفيد يعطي امثلة عليها، في حين يحتاج المواطنون الى مشاريع تفيدهم يقدم ايضاً امثلة عليها. وهو يختتم بالمطالبة بأن يختار الأميركيون رئيساً يصلح اخطاء الماضي، ويؤكد انه ليس ديموقراطياً او جمهورياً، وإنما مجرد راغب في ايام افضل. اقول لبيلي ما نقول في لبنان: "من تمّك لباب السما"، واعترف له بأن عندنا من المشاكل في بلادنا وحولها ما يجعلنا نجهل مشاكل بالم كوست، ولكن ارجو لبيلي مستقبلاً افضل مما شهد ملايين المراهقين في بلادنا. القارئة جولي هيتشكوك تقول ببساطة: "متى سنستطيع نحن الأميركيون ان نستمع الى الشرق الأوسط ونفهم ما يجرى هناك. ان دفاعنا المستمر عن سياسات اسرائيل قصير النظر وخاطئ". انت قلت هذا يا اخت جولي ولم أقله انا. اما القارئ هيرشل شلومو ريمارك فيقول ان اي جهد لإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي يجب ان يشجع. وهو يقترح اعادة النظر في مشروع آلون للسلام لأنه يصلح للوصول الى السلام، في حين ان "خريطة الطريق" التي قدمها جورج بوش زائفة، فالرئيس الأميركي في نظره يسعى وراء شيء واحد هو النفط. والنفط هو موضوع رسالة روان باركلي الذي يقول ايضاً ان مفتاح الوضع ليس اسعار نفط اوبك بل العملة المستخدمة في التسعير. ويقترح ان تبدأ اوبك بيع النفط باليورو فيقل الطلب العالمي على الدولار ويهبط سعره. والقارئ أ. الفراتي يتناول اسعار النفط من منطلق زاويتي عن الموضوع، ويرى ان زيادة السعر نسبياً سببها قانون العرض والطلب، وعدم تشغيل مصافي النفط الأميركية بطاقتها القصوى. وبعد ان يتحدث القارئ عن نفقات الإنتاج وهي الأعلى في روسيا والأدنى في العراق، يقول ان السعر الحالي للنفط ليس مرتفعاً، او بالمقارنة مع سعره في السبعينات. ويعتبر ان زيادة معقولة في السعر مفيدة لأنها ستشجع على توفير الطاقة، وزيادة الأبحاث لتحسين سبل الاستهلاك، وتعزيز مصادر الطاقة البديلة، وتخفيف الخطر على البيئة من زيادة حرارة الطقس. وهو لا يخاف على مستقبل النفط والغاز وإنما يرى انهما سيبقيان المصدر الأكثر امناً وتوافراً للطاقة. اكثر الرسائل سياسي، والقارئ وارن اوغرادي يقول ان العالم اليوم سيرحب بجدار عربي، وهو يعترف بأن بناءه صعب، إلا انه يقترح مجرد بداية، ويقترح ان يكون البناء على الحدود المعترف بها دولياً لحصر اسرائيل داخل الجدار وإظهار مدى كذبها وريائها. وهو يقول: "اننا جميعاً معكم". ليت "الجميع" مثلك يا اخ وارن، ولكن الدنيا ليست كذلك، فهناك امثال ديكون برودي الذي تلقيت رسالة منه تتهم الفلسطينيين بقتل الأطفال فيما كانت صحف العالم كله تنشر صورة والد مفجوع في مخيم بلاطة يحمل طفله خالد بين يديه بعد ان قتله جنود اسرائيليون. وكنت ارسلت رداً خاصاً الى هذا القارئ الليكودي المنحط قلت له فيه انه لن يستفزني فأقول ان اليهود يقتلون الأطفال، وإنما اقول ان آرييل شارون والنازيين في حكومته يقتلون الأطفال، وأن امثال القارئ شركاء في الجريمة. وهناك ايضاً القارئ ستيف ادامز، وهو مثل من سبق تطرفاً وشارونية وولوغاً في الجريمة. ولن انشر له شيئاً من كلامه، فقد رددت عليه رداً خاصاً كما يستحق بعد ان هاجم حماس والمسلمين كلهم، ووعد اعداء اسرائيل بالقتل والتدمير. استطيع ان أختلف مع قارئ من دون ان اتبادل معه الإهانات، والقارئ جون بولوغ، يكتب رسالة معقولة من وجهة نظر يهودية، يمكن التفاوض على اساسها، إلا انه مع ذلك يبدأ بالقول انه كأميركي يحزن لمحاولتي ان احمّل اليهود المسؤولية عن كل مشاكلنا. هناك بين العرب من يفعل، إلا انني لا أفعل قطعاً، وليس في هذه الزاوية، فإسرائيل مشكلة، إلا ان اكثر مشاكلنا من صنع ايدينا، ولكن هناك من يعلقها على "شماعة" اسرائيل تهرباً من المسؤولية. وفي مثل هذا المعنى فالقارئ الياهو جينميو سميث يشير الى زاويتي "أوقفوا العالم اريد ان أترجّل" ويقول ان آخر جملة لي تكشف "لا ساميتي" لأنني اتهمت اليهود بالمسؤولية عن مشاكلي. الواقع انني كتبت زاوية من 75 سطراً بالعربية، وأشرت في آخر سطرين فقط الى اليهودي التائه وتيهي معه، بعد ان حملت نفسي والعرب والعالم المسؤولية عن رغبتي في الرحيل الى عالم آخر في 73 سطراً. ولم يتحمل القارئ سطرين عن اليهودي التائه. هل اليهودي منزّه؟ هل هو معصوم؟ هل يجب عليّ ان أستشير كبير حاخامات اسرائيل اذا تحدثت عن اي يهودي؟ افضل مما سبق القارئان باولو بوسكو الذي نصحني بأن أكون ايجابياً، والقارئة فيرنا غور التي قالت انني عكست شعوراً عاماً في عالم مجنون، ومن دون القدرة على منع مزيد من الفوضى. وضاق المجال فأرد على بقية الرسائل بالبريد الإلكتروني مباشرة.