تحول الهاتف المحمول في السنوات العشر الاخيرة من ضرورة مهنيّة لشريحة من الناس مثل رجال الاعمال والصحافيين وموظفي الطوارئ، الى أنجع وسيلة اتصال بين افراد المجتمع. بل تطور الى لعبة الكترونية تواكب أيضاً تطور الموضة. وتكشف بيانات الشركات المنتجة للهواتف المحمولة ان هذا القطاع الصناعي حقق عام 2003 أرباحاً تجاوزت بكثير توقعات الخبراء وقدرت نسبة نمو المبيعات في العام المنصرم بأكثر من 20 في المئة مقارنة مع عام 2002. وحققت خدمات الرسائل القصيرة SMS عبر الهاتف النقال رقماً قياسياً في ألمانيا عام 2003، وصل الى 36 بليون رسالة. وإلقاء نظرة الى الناس الواقفين في الأماكن العامة وسط المدن الألمانية، توحي للوهلة الاولى كأن الناس فقدوا صوابهم باسترسالهم في محادثات عبر الهاتف المحمول وكأنهم يتحدثون مع أنفسهم، فهم تارة يضحكون وتارة يصرخون وذلك من دون الامساك بالهاتف لأنه وضع في الجيب أو حقيبة اليد وربط مع ميكروفون مصغر على مقربة من الفم. وتفيد بعض البيانات الرسمية بأن أكثر من 80 في المئة من مجموع الشباب في المانيا لا يغادرون البيت من دون صحبة الهاتف المحمول لأنه لا يمكن الاستغناء عنه في فرض الذات الشخصية في الوجود. ويجمع خبراء علم الاجتماع في المانيا على أن "الهاندي" أصبح جزءاً من تقاليد المجتمع، والرفيق الوفي في كل ظروف الحياة. ويفسر الخبراء الاقبال الكبير على اقتناء الهواتف المحمولة لاعتباره من الاطفال والشباب منبعاً للأحاسيس المثيرة التي تحركها القدرة على الاتصال المستمر، والمتعة بتلقي مفاجآت من خلال المكالمات والرسائل الالكترونية. وإذا كان المنتقدون للهاتف المحمول يزعمون أن الاستخدام المفرط له يقضي على قدرات الاطفال في التواصل بجدية مع الآخرين والحفاظ على علاقات دائمة، فإن مايكل فيلدهاوس استاذ علوم الاجتماع في جامعة أولدنبورغ شمال ألمانيا، توصل في دراسة حديثة حول "الاتصالات الحديثة في نظام العائلة" الى نتيجة مفادها ان الرسائل القصيرة SMS وسائل تكميلية في توسيع دائرة الاصدقاء والحفاظ على العلاقات، مشدداً على ان وسائل الاتصال الحديثة "لا تقضي على الكفاءة الاجتماعية للفرد". وأوضح ان الشباب يستغلونها بالذات للاتفاق على تنظيم لقاءات بينهم. لكن مايكل فيلدهاوس أكد ان تلك المواعيد المتفق عليها بسرعة يمكن ايضاً تأجيلها بسرعة كبيرة اذ أن الشخص الذي هو في اتصال مستمر عبر الهاتف المحمول مع الطرف الآخر قادر دوماً على التنسيق وتغيير زمن الموعد. وتتوقع شركة نوكيا الفنلندية للهواتف المحمولة أن يصبح أربعة بلايين انسان، أي نصف مجموع سكان العالم، يستخدمون هواتف محمولة بحلول عام 2015 . وقال جورما أوليلا رئيس مجلس ادارة نوكيا أخيراً ان حجم المكالمات اللاسلكية في بلدان متقدمة من حيث التغطية الواسعة لشبكات المحمول مثل ألمانيا، سيفوق في السنوات المقبلة خطوط الهاتف الثابت. وتتفنن شركات المحمول أكثر فأكثر في عرض خدمات جديدة ومغرية عبر الهاتف المحمول الذي يفتح آفاق التصوير وتسجيل الاصوات وادارة الشؤون المصرفية والدخول على شبكة الانترنت ... إلخ، بل ان بعض الفتيات يخترن الآن "اللباس" المناسب بحسب لون الهاتف المحمول وتصميمه، كي يكون المحمول في انسجام تام مع لباسهن المواكب للموضة! وبالتالي يصبح الهاتف المحمول مرآة تعكس الابداع الشخصي في اختيار الالوان والتصاميم، إضافة الى ابراز ذوق الشخص في اختيار الرنة الموسيقية لهاتفه. وفي ظل سوق الهاتف المحمول المغرقة بالخدمات والمنافسة بين الاطفال والشباب في اقتناء "أجمل الهواتف"، يتحول المحمول في المانيا الى "فخ" للمديونية. ويؤكد معهد البحوث حول الشبيبة في المانيا ان 6 في المئة من الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 13 و17 عاماً تترتب عليهم ديون بمتوسط 370 يورو للفرد الواحد. كما أن 16 في المئة من الشباب بين 21 و24 عاماً تجاوزت ديونهم 2000 يورو. وتشكو عائلات كثيرة من حصول أبنائها الصغار على فواتير عالية التكلفة وبعضها لا يستطيع التسديد مما يؤدي الى خصامات عائلية. ولم تعد المديونية بسبب المحمول تقتصر على حالات استثنائية في المجتمع الالماني، بل تحولت الى مشكلة اجتماعية أجبرت ريناته كوناست وزيرة شؤون حماية المستهلك على التدخل اخيراً... وتقديم مشروع ينص على ان تتيح شركات الهاتف المحمول أن يظهر اجمالي التكلفة بعد كل مكالمة أو رسالة الكترونية. وعلى رغم التعلق القوي بالمحمول في المانيا فان استطلاعاً للرأي كشف أخيراً أن غالبية الالمان قادرة على الاستغناء عن "الهاندي" والتلفزيون عوض التخلي عن آلات منزلية مثل آلة غسل الملابس.