آلام رحلة النزوح والتطلع إلى العودة مسافات بعيدة انتهت وسط ارض جرداء في حي الخضراء غربي بغداد، حيث تحتضن 60 خيمة 600 لاجىء من الفلوجة. جهود الخيرين والجمعيات الانسانية خففت آلامهم وأعفتهم من افتراش الارض والتحاف السماء، بعد توفير المؤن الغذائية والمساعدات الطبية. المسؤولون في "الهلال الاحمر" اكدوا ل"الحياة" ان "عدد النازحين يزداد يومياً"، وان "المخيم يستقبل ما لا يقل عن عشر عائلات يومياً، سيما العائلات التي تفشل في العودة الى الفلوجة، فتضطر إلى اللجوء إلى المخيم وترفض العودة إلى الأقارب". وتحيط بمسلسل الحياة اليومية داخل المخيم صعوبات، خصوصاً للعائلات الكبيرة. ويقول محمود محمد: "نزحنا من الفلوجة قبل 18 يوماً، وأقمنا في البداية عند احد الاقارب في بغداد، ثم انتقلنا الى المخيم منذ اربعة ايام، واضطررنا الى السكن في خمس خيم لأن عائلتنا كبيرة تتكون من 21 شخصاً". ويضيف: "يضطر الرجال الى الاستحمام في الجوامع بينما تتجه النساء الى المدرسة القريبة لعدم توافر اماكن خاصة بالاستحمام في المخيم، ولكننا ارتضينا العيش في المخيم لأنه أكثر أماناً من الفلوجة". أما أم خالد التي تركت الفلوجة بعدما فقدت فلذتي كبدها اثناء القصف الجوي فتقول: "غادرت مع بناتي بعد استشهاد اثنين من ابنائي إثر تعرض بيتنا للقصف الجوي، وتركنا كل ما نملك، ورغم استضافة الأقارب لنا لكننا فضلنا العيش في المخيم أثناء النهار، والمبيت عندهم ليلاً حفاظاً على بناتي". وفيما انشغلت الامهات بنشر الغسيل على حبال الخيم انتشر الاطفال يمارسون ألعابهم المفضلة وسط المخيم، بعد حرمانهم من الدراسة منذ أسابيع. ويقول جاسم العيساوي: "لدي عشرة اطفال تركوا الدراسة منذ اليوم الأول للحرب في الفلوجة ويقضون أوقاتهم في اللعب بعدما رفضت المدارس القريبة من المخيم استقبالهم". ويقول الطفل مصطفى عادل 12 عاماً: "اشد ما يؤلمني تركي للدراسة. وحاولت الانتظام في المدرسة القريبة ولكن لا أستطيع فهم المناهج من دون دراستها، سيما وانني تركت كتبي في البيت واتمنى أن تؤجل الامتحانات كي أستطيع اكمال دراستي بعد توقف القتال والعودة الى الفلوجة". اما الطفلة وجدان ست سنوات فتقول: "لا أريد العودة الى المدرسة لأنني اخاف من الحرب والطائرات". وأكدت العائلات التي التقتها "الحياة" داخل المخيم أن أطفالها يعانون من مشاكل نفسية واضحة يعجز الأهل عن علاجها أو فهمها، ويعيدون السبب إلى القصف الجوي وظروف الحرب في المدينة التي اضطرت معظم العائلات النازحة الى الفرار بأطفالها هرباً من الموت المحقق.