اختلفت الخبرات والخلفيات والهدف واحد: تنشئة كوادر متميزة جاهزة لدخول سوق العمل من بابه العريض، ولقلب المقاييس المتعارف عليها وبناء هيكلية، لانتاج نماذج يضرب بها المثل في الشركات والمصارف والمؤسسات والمعاهد. أطباء ومهندسون ومترجمون واقتصاديون ورجال أعمال، خلفيات وخبرات واختصاصات وجنسيات مختلفة، اجتمعوا في المعهد العالي للأعمال في لبنان الذي يسعى الى تخريج فئة نخبوية من بين مئات المتقدمين. يخضع الطلاب إلى اختبار خطي في اللغتين الانكليزية والفرنسية وفي المعلومات العامة. "من أين تأتي السمكة التي تنتج سمك السلمون؟" هذا أحد الأسئلة المطروحة في المعلومات العامة. "تخيلوا ذلك! كيف لي أن أعرف؟" تقول دارين الصبع 24عاماً ضاحكة. وهي لبنانية تخصصت في ادارة الأعمال في الجامعة اللبنانية في بيروت. وإلى جانب الاختبار الخطي يأتي الفحص الشفوي المشابه للمقابلة الشخصية، ويتخطى برهبته الاختبار الخطي. وتماشياً مع مقولة إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب، على الطالب أن يظهر قوة شخصيته واندفاعه خلال المقابلة مهما كانت الظروف. ويحكي مروان نفي 23 عاماً بابتسامة، وهو لبناني تخصص في ادارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، "كان هناك بعض الثغرات في ملفي، ودفعت أحد أعضاء اللجنة الى إقفاله أمام ناظري. ولكنني لم استسلم ودافعت عنه، ولو لم افعل ذلك لما كنت الآن أتكلم معكم وأنا طالب في المعهد". يخضع الطلبة لبرنامج تعليم مكثف يدرّسون مادة كل أسبوع، يدرّسها أحد الأساتذة الأوروبيين الذين يأتون خصيصاً إلى لبنان. وعن سؤال عن غياب الأساتذة اللبنانيين، يجيب جورج نجم، المسؤول عن العلاقات العامة في المعهد، أن الإدارة تهدف إلى تطبيق المعايير الأوروبية على الطلاب في لبنان: "معهدنا نسخة عن المعهد العالي للتجارة في باريس والمعهد الأوروبي للأعمال - المعهد الأوروبي للإدارة، ومجموعة معهد الدراسات التجارية العليا في فرنسا وفي لوزان، ويؤهل الطلاب لأن يعملوا في الشركات والمؤسسات الأوروبية ووفق معاييرها". ويشيد الطالب مروان بالنظام التعليمي المكثف في المعهد. ويقول إن "كل مادة تدرس يرافقها كتاب مفصل عنها يكون كاتبه الأستاذ الأوروبي الذي يدرسها. وهذا أفضل ما في الأمر". ويقول طارق قاوقجي 23 عاماً وهو أردني تخصص في إدارة الأعمال في الجامعة الأردنية: "تتمحور كل المواد حول إجراء الأبحاث والإحصاءات على شركات ومؤسسات تجارية كبيرة. نقوم بدراسات ميدانية حول المنتجات والتسويق والشؤون المالية والاستهلاك". ويتابع: "جلسنا في مقهى لأسبوع كامل أمام متجر سبنيس نصل الليل بالنهار ونراقب تحركات المستهلك اللبناني ونوع البضائع التي يستهلكها وخطة التسويق التي ترافق كل عملية شراء". وتقول دينا عفانة 26عاماً، أردنية تخصصت في هندسة الكهرباء في الجامعة الأردنية: "عملت في الأردن في مشاريع عدة. ومرت عليّ أمور لم أفهمها آنذاك. إنما الآن نغوص في أدق التفاصيل عبر العمل الميداني والعملي بالطبع لأننا نبحث في حالات حقيقية ملموسة على أرض الواقع". وتسهب عفانة في القول إن الإدارة والأساتذة يجبرونهم على العمل في مجموعات يتغير أفرادها من فترة الى اخرى وذلك ليتعلم الطلاب أن يتعاملوا مع مختلف الآراء والشخصيات. حتى أن دينا مارست التحكيم على المشاريع التي عمل عليها زملاؤها. واكتشفت حينها الأمور من منظار آخر. منظار الإطار المهني والعملي الذي اضطرها أن تأخذ قرارات وأحكاماً. ويقول مروان متباهياً: "يحتل المعهد المرتبة الأولى في الشرق الأوسط والثالثة في آسيا والمرتبة ال67 في العالم في الأعمال". يبلغ قسط السنة الدراسية التي تبلغ 13 شهراً للماجستير في إدارة الأعمال نحو 9 آلاف دولار. ويقول جورج نجم إن المبلغ زهيد، "فطلاب باريس ولوزان يدفعون أضعاف هذا المبلغ. ولكن الدولة الفرنسية التي تدعم هذا المعهد مادياً ومعنوياً ارتأت أن الطالب اللبناني عاجز عن دفع نحو 30 ألف دولار بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، فخفضت الاقساط على أن يحافظ المعهد على نوعيته الراقية والمتميزة". ويعبر الطلاب عن فرحتهم بالسفر إلى أوروبا وخاصة إلى باريس وبروكسيل من 3 الى 7 أيارمايو المقبل حيث سيقابلون بعض المسؤولين في الاتحاد الأوروبي للتحدث عن علاقات الاتحاد الاقتصادية مع لبنان. وأطلق المعهد العالي للأعمال برامج الماجستير في الإدارة وإدارة الأعمال والماجستير التنفيذي في إدارة الأعمال. يتوجه البرنامج الأول إلى حاملي شهادة البكالوريا والثاني إلى حاملي شهادات توازي شهادة البكالوريا، أما الثالث والأخير فيتوجه إلى موظفي المؤسسات الإداريين الراغبين باكتساب مهارات جديدة أو تحديث معرفتهم من خلال تعلم مبادئ إدارة الأعمال بشكل معمق. ويبدى روجيه أورسيت المدير العام للمعهد حماسة لتطوير البرامج تماشياً مع متطلبات العصر وأسوة بالجامعات الأخرى. ويتطرق إلى "تفرد المعهد بنظام نقل النقاط الأوروبي الذي يحصل فيه الطالب على شهادتين واحدة من المعهد العالي للأعمال وأخرى من المعهد العالي للتجارة في باريس - المعهد الأوروبي للأعمال والإدارة". وفي إشارة الى المنافسة بين المؤسسات، يلفت اورسيت الى اطلاق الجامعة الأميركية في بيروت قبل ايام برنامجاً "كان السباق في طرح هذا البرنامج". ويوضح ان نظام المعهد يعطي الطالب امتياز متابعة دراسته في باريس، إذا رغب بذلك. ويدافع بلباقة الفرنسيين المعهودة عن طلابه وحسن استخدامهم للغات: "لا يجدون صعوبة في التعبير في اي لغة خاصة الإنكليزية". ويثني على "تفوق المتخرجين من المعهد"، لافتاً الى انه يقدم تسهيلات إما عبر تقسيط بدل الدراسة على مراحل تمتد الى ما بعد التخرج او عبر خفض المبلغ وفقاً لأحوال الطالب المالية.