تجمع المصادر التاريخية على أن مرقد الامام الفيلسوف المتصوف أبي حامد الغزالي موجود في مدينة طوس في ايران. ولم يعرف المتخصصون بالتاريخ الاسلامي رواية مخالفة لهذا الرأي إلا رواية حديثة برزت الى الوجود خلال عقد التسعينات من القرن الماضي يقول صاحبها إن مرقد الغزالي موجود في بغداد، في مقبرة الغزالي القريبة من مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني. وكان الشيخ فاضل البرزنجي الكسنزاني، وهو صاحب هذه الرواية الجديدة، قام بجولة كبيرة امتدت لسنوات لدعم اكتشافه هذا ونشره في الصحف العراقية آنذاك، وبالفعل قامت تلك الصحف بنشر دعواه من دون أن تتثبت من ذلك من المصادر المعينة. كما قام ذلك الشيخ بزيارة الى "اتحاد المؤرخين العرب" وطالبهم باعتماد اكتشافه وتأييده. ويبدو أنه حصل على تأييد منهم جعله يستند إليه كوثيقة ويقدمه كدليل الى الصحف العراقية والعربية التي نشرت الخبر. ويستند الشيخ البرزنجي في روايته الى أنه اكتشف أو عثر عام 1989 على حجر منقوش عليه اسم الغزالي وتاريخ وفاته ما يدل على أنه مدفون في بغداد، وأن المقبرة التي انشئت بجواره تؤيد ذلك، ذلك أن الناس يدفنون موتاهم قرب مراقد الائمة والاولياء والصالحين تيمناً بهم. وكان الشيخ البرزنجي أرسل رسالة الى الرئيس السابق صدام حسين يطلب فيها الاهتمام بالمرقد. وقد تشكلت لجنة من ديوان الرئاسة للكشف عن المكان، ما جعله يتمسك بالمسألة ويعتمد على هذا الموقف الرسمي في دعوته لجميع الصحف السابقة لنشر اكتشافه. ولكن الحرب الأخيرة جعلت اللجنة المشكلة للكشف عن الموقع تؤجل الامر. وقبل ما يقارب الشهرين بدأ الشيخ البرزنجي جولته الثانية على جميع الصحف العراقية حاملاً معه المستندات السابقة والتي حصلت "الحياة" على نسخ منها. وقال الدكتور حميد محمد حسن، مدير التراث في "الهيئة العامة للآثار العراقية"، ل"الحياة" إنه قام بالكشف والتحري في مقبرة الغزالي، ووجد بعض القبور التي ينتسب اصحابها الى الامام الغزالي، لكن هذا، في نظره، لا يؤيد كون الامام الغزالي مدفوناً فيها. كما ان الشاهد الحجري على المرقد "ليس دليلاً قاطعاً يؤيد مزاعم الشيخ البرزنجي". وقال: "المرقد الذي شاهدته يعتبر من المراقد الحديثة البناء والناس تفضل أن تدفن موتاها قرب الأولياء الصالحين وربما يكون هذا المرقد لأحد الاولياء الصالحين وربما يكون واحداً من سلالة الغزالي". ويضيف الدكتور حميد ان كل المصادر التاريخية يؤيد وجود قبر الامام الغزالي في مدينة طوس بايران، مثلما أكدت ذلك الدكتورة اعتماد يوسف القصيرة، رئيسة "الهيئة العامة للاثار"، التي فندت في الوقت نفسه ما نشره بعض الصحف حول وجود القبر في بغداد. وقالت إن الامام الغزالي جاء الى بغداد ودرس في المدرسة النظامية، ثم غادرها الى سورية وبعدها عاد الى ايران وتوفي هناك، ولا يزال ضريحه قائماً في طوس وأشار اليه بعض الرحالة الأجانب الذين زاروه، فضلاً عن المؤتمر الذي عقد في سورية حول الامام الغزالي والذي اكد وجود مرقده في طوس بايران. ومن جانبه أكد الدكتور محمد جاسم المشهداني، الأمين العام ل"اتحاد المؤرخين العرب" ل"الحياة" أن لا صحة لما يدعيه الشيخ فاضل البرزنجي وأنه يسعى الى ذلك تكسباً، ولجعل المرقد يدر عليه الاموال للاستفادة منها. وقال إن التأييد الذي حصل عليه سابقاً كان بسبب ضغوط سياسية.