سيكون الكون على موعد اليوم مع انطلاق بطولة العالم لسباقات سيارات فورمولا واحد لعام 2004، وهي تبدأ بجائزة استراليا الكبرى أولى جولات المنافسات التي تتضمن هذا العام 18 جولة من بينها عشر جولات في أوروبا. هدأت المحركات العملاقة الصاخبة نحو أربعة أشهر قام خلالها المعنيون بهذه الرياضة بدراسة التعديلات الجديدة على قواعد المشاركة لتحسين المنافسات، والفرق المشاركة بإجراء تغييرات وتعديلات تقنية وبشرية على سياراتها وسائقيها. وأحلى ما سيكون في بطولة العالم لهذا العام أنه أصبح للعرب جولتهم الخاصة بهم، بعدما تقرر ان تستضيف مملكة البحرين الجولة الثالثة من بطولة العالم في 4 نيسان ابريل المقبل على حلبتها الدولية في منطقة الصخير. وبعد التغييرات التي أدخلها الاتحاد الدولي العام الماضي بهدف رفع معدلات الاثارة والتشويق، تمثلت التعديلات الجديدة في عدم استخدام أكثر من محرك واحد في الجولة، بمعنى ان المحرك ذاته سيستخدم خلال التدريبات والتجارب الحرة الرسمية وغير الرسمية منذ اليوم الأول الجمعة وحتى انتهاء المنافسات الأحد... ما يعني أنه في حال تعرضت احدى السيارات لاضرار جسيمة قبل بدء السباق، سيكون على الفريق الاختصاصي نقل المحرك ذاته إلى سيارة بديلة. ومن بين التعديلات أيضاً، رفع الحد الاقصى للسرعة المسموح به في حارة الاصلاحات من 80 كلم الى 100 كلم / ساعة... كما تقرر ان تقتصر المواد الاساسية التي تدخل في تصنيع الجوانب الخلفية على مادتين فقط في محاولة لزيادة درجة السلامة والحد من السرعة عند المنحنيات. أما على صعيد الفرق، فلقد كانت التغييرات محدودة نسبياً، وشملت فرق بار هوندا الذي احتفظ بالسائق البريطاني جنسون باتون وضم الياباني تاكو ساتو بدلاً من الكندي جاك فيلنوف، وساوبر الذي استبدل الالمانيين هانز هيرالد فرنتزن ونيك هايدفيلد بالايطالي جيانكارلو فيسيكلا والبرازيلي فيليب ماسا... اما جاكوار، فقد احتفظ بالاسترالي مارك ويبر وضم اليه مواطنه كريستيان كلين بدلاً من البريطاني جستون ويلسون... في حين ضم فريق جوردان الالماني هايدفيلد والايطالي جيورجيو بانتانو بدلاً من فيسيكلا والبريطاني رالف فيرمان، واستعان فريق ميناردي بالايطالي جيان ماريا بروني والمجري زولت باومغارنتر، واستغنى عن الهولندي جوس فرستابن والايطالي نيكولا كييزا. واحتفظ كل من فيراري بسائقيه الشهيرين الالماني ميكايل شوماخر والبرازيلي روبنز باريكيللو، وبقي الكولومبي خوان بابلو مونتويا والالماني رالف شوماخر مع فريق وليامس، والفنلندي كيمي رايكونن والاسكتلندي ديفيد كولثارد مع مكلارين، والاسباني فرناندو الونسو والايطالي يارنو تروللي مع رينو، والبرازيلي كريستيانو داماتا والفرنسي أوليفييه بانيس مع تويوتا. العين على البطل وكعادة السنوات الأخيرة، ستكون الأنظار متجهة والأضواء مسلطة على بطل العالم الألماني ميكايل شوماخر سائق فريق فيراري الإيطالي لمعرفة ما إذا كانت قدراته وبراعته في الاحتفاظ بلقب السائقين لنفسه والصانعين لسيارته لا تزال قائمة... من دون اغفال حظوظ الآخرين الكبار أمثال رايكونن ماكلارين مرسيدس ومونتويا وليامس بي ام دبليو. ولم يشأ شوماخر أن يكون هناك من هو أفضل منه في هذا العالم القائم بذاته، فحصد في الموسم الماضي لقبه العالمي السادس، الرابع على التوالي، محطماً الرقم القياسي الذي تقاسمه مع الارجنتيني خوان مانويل فانجيو بطل أعوام 1951 و1954 و1955 و1956 و1957. وألقاب شوماخر العالمية الستة جاءت في اْعوام 1994 و1995 و2000 و2001 و2002 و2003، وأحلى ما فيها أنه تصدر بها الترتيب في كل شيء باستثناء عدد مرات الانطلاق من المركز الاول الذي لا يزال بحوزة البرازيلي ايرتون سينا... فهو يحمل الارقام القياسية لجهة عدد الألقاب العالمية 6، وعدد الانتصارات الفردية 70، وعدد الانتصارات في موسم واحد 11، وعدد مرات الصعود الى منصة التتويج في موسم واحد وهو 17 من 17 في عام 2002 المركز الاول 11 مرة، والثاني 5 مرات، والثالث مرة احدة، وعدد اللفات التي حقق فيها أسرع زمن 56، وأكثر النقاط حصداً 1038، وعدد النقاط التي حصل عليها في موسم واحد 144، والأسرع في تاريخ اللعبة بالنسبة الى اللفة الواحدة 585،247 كلم/ساعة، والأسرع على الاطلاق، إذ وصلت سرعته في وقت ما من سباق مونزا الى 8،368 كلم/ساعة. وكان شوماخر قد بدأ مسيرته الاحترافية في عام 1991 مع فريق جوردان، بيد أنه لم يحقق شيئاً يذكر قبل ان ينتقل الى فريق بينيتون الذي بدأ معه سلسلة ألقابه العالمية عامي 1994 و1995 ما دفع فريق فيراري الشهير الى استقطابه اليه أواخر 1995. وفازت فيراري الموسم الماضي بلقب الصانعين للمرة الخامسة على التوالي، والثالثة عشرة في تاريخها بعد ان جمعت 158 نقطة في مقابل 144 لوليامس بي ام دبليو و142 لماكلارين مرسيدس. ويقدر عدد الذين يتابعون البطولة سنوياً بنحو 70 بليون متابع ميدانياً وأمام شاشات التلفزيون العالمية التي تهتم كلها بنقل هذا الحدث العالمي، ويكفي أن نعرف أن نحو 2 مليون عربي يتابعون كل جولة من جولات بطولة العالم عبر الفضائيات العربية لنعرف مدى الزيادة المطردة في شعبية هذه المنافسات في وطننا العربي. وللتذكير فقط، فإن رياضة السيارات، وخصوصاً بطولة العالم لسيارات فورمولا واحد، هي من أعقد الرياضات في العالم وأصعبها وأنجحها وأكثرها سرية لأنها تمثل عالماً قائماً بذاته فيه إنفاق كثير وأرباح أكبر... كل شيء فيه مبرمج وعلى أعلى المستويات، فهي عملية تجارية مربحة اتخذت من عشق عدد كبير من البشر بعنصري السرعة والمغامرة طريقاً لنجاحها. ويبقى أهم ما في هذا العالم الخاص مجموعة من البشر يتسمون بالشجاعة ويتمتعون بأعصاب من حديد يضعون رؤوسهم على أكفهم من أجل إمتاع محبيهم ومحبي هذه الرياضة المثيرة... أنهم السائقون الذين يندفعون بسياراتهم إلى معدلات سرعة تفوق أحياناً 350 كلم/ساعة بفضل التقنيات الحديثة المتطورة جداً، والتي هي نتاج جهد دؤوب يمتد إلى 24 ساعة من 24 وإلى 365 يوماً من 365. وإذا كان فريق فيراري "الإيطالي" هو الأشهر حالياً لأنه يسيطر على بطولتي العالم للصانعين والسائقين، فاللافت أن نجوم هذا الفريق الذي حقق كل هذه الإنجازات الأخيرة هم من الأجانب... فالرئيس هو الفرنسي جون تود، والسائقان الأساسيان أحدهما ألماني هو ميكايل شوماخر والثاني برازيلي هو روبنز باريكيللو، وكثيرون ممن يعملون من حولهم هم من جنسيات غير إيطالية. ويرى المسؤولون عن الفريق وعلى رأسهم الإيطالي انزو مونتيزيمللو أنه لا مجال للتفريق بين الجنسيات في هذا الميدان، لأن الجميع منصهر في جنسية واحدة تابعة لفيراري... فالمهم ما يحققه عناصر هذا الفريق من انتصارات لا ما يحملون من جوازات. وفي كل الأحوال صارت فيراري رمزاً للسرعة والإنجازات، لكن ما هي أفضل سياراتها التي ظهرت حتى الآن؟ مؤسس الشركة وأحد أهم العناصر التي ساهمت في تأسيس لجنة سباقات فورمولا واحد قبل 53 عاماً، أجاب عن هذا السؤال غير مرة قبل وفاته: "هي تلك السيارة التي لم أصنعها بعد". والواضح أن أسلافه يسيرون على النهج ذاته لأنهم لا يكفون عن التطوير أو التحديث في سبيل الاحتفاظ بانجازاتهم المتكررة لأعوام وأعوام مقبلة... فهل ستستمر المسيرة المظفرة لفيراري هذا الموسم أيضاً، أم ان التعديلات الجدية على اللوائح سيكون لها رأي آخر؟