الشباب في مصر مغرم بالموسيقى والاغاني، يسمعون كل شيء وأي شيء. يقبلون المعروض، ويسعون لسماع الممنوع. القديم اندثر. وغالبية ما يسعون الى سماعه وقتي، اي ان الاغنية تذهب الى حال سبيلها بعد عمر افتراضي قصير تتحكم فيه عوامل الموضات، كما ان الاغاني تخضع لما يسمى ب"عمليات غسيل الدماغ الجماعي". زيارة سريعة لاي كشك يبيع شرائط كاسيت واسطوانات مدمجة يثبت ان اذواق المستمعين تخضع لمبدأ واحد يعرف في الادب الشعبي المصري ب"سمك، لبن، تمر هندي". شعبي، مصري، انكليزي، اسباني، خليجي، لبناني، اميركاني، راي، راب، هيب هوب، بوب، جاز، بلوز، هارد روك، ميتال، تكنو، تجول العيون بين كل انواع الغناء والموسيقى. لكل ذوق مشتر، والغالبية من الشباب والشابات. اولئك الشباب ينتمون الى طبقات اجتماعية واقتصادية مختلفة، وعلى رغم ان الاذواق تتداخل حيناً، وتتقاطع احياناً اخرى، إلا أنه يمكن رسم خطوط عريضة تصنف الاغاني والموسيقى في شكل يعكس اقبال نوعيات معينة من الشباب على اشكال خاصة من الاغاني. وعموماً، فإن الاقبال على الاغاني والموسيقى الاجنبية يعد الخط الفاصل بين الشباب الثري المميز اجتماعياً، وبين الطبقات المتوسطة والفقيرة. توجهت "الحياة" بالسؤال التقليدي عن افضل المطربين العرب لدى مجموعة من طلاب احدى الجامعات الخاصة في مصر التي تبلغ تكاليف السنة الدراسية فيها نحو 20 ألف جنيه. تراوحت ردود الفعل الأولية بين الململة والنفخ في الهواء للدلالة على سوقية، السؤال. قال احدهم: "Sory، لا استطيع ان افيدك في الاغاني العربية لكن إذا اردت ان تسأليني عن التكنو او الHeavy metal يمكنك أن تعتبريني مرجعاً فهيماً". وقال الثاني: "اعرف عمرو دياب ومحمد منير، لكني في الحقيقة لا اتفاعل مع أي منهما، أما سيل المطربين والمطربات الموجود حالياً، فأشعر بأنه مسخ للساحة الغنائية في الغرب، وأنا شخصياً لست متابعاً جيداً للجديد في عالم الغناء، لكني اعشق موسيقى الجاز والبلوز". اما زميلتهما فقد اعترفت وأقرت بأنها احياناً تضطر للاستماع الى الاغاني العربية، وهي تقود سيارتها في طريقها الى الجامعة، لكنها نفت تماماً ان يكون لديها مطرب او مطربة من بلاد العرب تفضل الاستماع له أو لها. وعلى رغم هذا الانكار "الطبقي" للاغاني العربية، لوحظ ان ظهور موجات غريبة من الغناء العربي تخلق جمهوراً فورياً راقياً وان كان موقتاً. وأعلنت الظاهرة عن نفسها مع ظهور المطرب الشعبي أحمد عدوية، وتأكدت مع المكوجي الذي احترف الغناء شعبان عبدالرحيم، الذي سرعان ما تحول الى صرعة انتشرت انتشار النار في الهشيم بين الشباب. فالشباب المتوسطون احبوا عبدالرحيم لشعبيته واعترافه الصريح بمهنته، بالاضافة الى رغبته في مجاراة الموضة، أما الشباب الثري فاتخذ من عبدالرحيم اضحوكة ومن اغنياته نكتة. وإذا كان "شعبولا" مطرب مناسبة، فإن النسبة الاكبر من الشباب والشابات يطربون لنماذج اخرى كثيرة من الاغاني والموسيقى، وقد وجدت موسيقى الراي أذاناً صاغية جداً بين الشباب المصري في العامين الاخيرين. وعلى رغم أن الغالبية العظمى من المستمعين لا يفهم كلمات اغاني الراي الاصلية، لكنهم يتفاعلون معها ايما تفاعل. وليس هناك أدل من اغنية "عبدالقادر" التي كانت تهز ارجاء قاعات الحفلات الراقصة في النوادي والملاهي الليلية. غالبية الشباب لم تعلم أن "عبدالقادر" شخصية جزائرية تبحث عن السلام والحب في مجتمع دمره العنف. يقول خالد سعد 20 عاماً طالب في كلية التجارة - جامعة القاهرة وعاشق لموسيقى الراي، انه يحب الاستماع لهذا النوع من الموسيقى منذ كان في المدرسة الاعدادية: "معظم اصدقائي يحبون الراي، لكنهم لا يعلمون اصوله التي اهتممت بالبحث عنها، فأصول الراي أي رأي تنبع من شمال غربي الجزائر وهي في الاصل تتصل بالموسيقى الصوفية، لكنها تطورت لتشمل مزيجاً من النغمات التقليدية بالاضافة الى الجاز والموسيقى الالكترونية، وكانت النتيجة توليفة ناسبت ميل قطاع عريض من الشباب المصري للايقاع الشرقي بنكهة غربية". تقول ميسون سلام 17 عاماً طالبة في المرحلة الثانوية، انها تهوى الاغاني اللبنانية لا سيما المصورة "تنقلني الى عالم آخر... فتيات جميلات يرتدين احلى الملابس ويغنين عن الحب، وحولهن شاب وسيم، كما أن النغمات والكلمات كلها دلع ورومانسية". أما محمد سعيد 20 عاماً فيسمع كل المطربين الجدد، سواء مصريين أو لبنانيين او خليجيين "احفظ كل الاغاني الجديدة ذات الايقاعات السريعة، لا سيما التي تتناول الحب في كلماتها، كما احب الاستماع الى الاغاني الاخرى في المناسبات مثل الرحلات، والحفلات الجامعية". وبسؤاله عما يقصد بالاخرى، يقول: مثل "امي مسافرة وهاعمل حفلة" و"ناوي اغني" و"زهقان طهقان" وغيرها من الاغاني الطريفة. الغريب أن احداً من الشباب لم يذكر شيئاً عن الاغاني الوطنية. ولكن لدى السؤال يقول أحدهم: "ليس هناك افضل من الحلم العربي وإن كان حبراً على ورق" ويقول آخر: "احب اغنية "بولاق" التي تعزز فكرة الانتماء الى مصر ومناطقها الشعبية". والاغرب ان عدداً من الشباب ذوي الميول السياسية والانتماءات الايديولوجية من طلاب الجامعات المصرية ما زال يتداول اشرطة الشيخ امام واشعار احمد فؤاد نجم، كما كان الحال قبل نحو ثلاثة عقود. هذه الشرائط لا تباع لدى باعة الاشرطة، ولا تذيعها وسائل الاعلام، لكن يجري تسجيلها من شخص لآخر، وهي تحقق انتشاراً لا يمكن تجاهله، وشهدت اقبالاً اكبر في اوقات الازمات مثل غزو العراق والتدخل الاميركي وتدهور الاوضاع الفلسطينية، وتأزم الاوضاع الداخلية واحساس قطاع معين من شباب الجامعات عموماً بحالة "الاستنفار الوطني". وهناك ايضاً "الاستنفار الديني" الذي دفع قطاعاً اخر من الشباب في مصر الى نبذ القنوات الغنائية المعتادة، الغربي منها والعربي، واعتماد قنوات بيع شرائط الانشاد الديني. تجدهم يفترشون الارض امام أبواب الجامعات، او يعرضون شرائطهم على متن سيارة نقل صغيرة، مزودة بسماعة ضخمة تبث اسماء الله الحسنى، وادعية دينية بأصوات شابة على نقر الدفوف، والى جانبها يقف شاب ملتح، يرتدي الجلباب الابيض القصير المصحوب ببنطلون، وتعتلي رأسه عمامة انيقة. وقد بدأت ظاهرة الاناشيد الدينية المأخوذة عن الطرق الصوفية الانتشار في السبعينات من خلال الجماعات الاسلامية في داخل الجامعات. وإذا كان باعة الشرائط يعرضون بضاعتهم لمحبي الانشاد من الشباب الهارب من غواية الدنيا منتشرين في كل ركن من اركان اماكن التجمعات الشبابية، فإن فرق الانشاد الحديثة التي تمزج الايقاعات العربية بموسيقى البوب والجاز والراب ليست بالقدر نفسه من الانتشار، وإن كانت تحقق تقدماً بطيئاً وأكيداً، لا سيما بين الاوساط الشابة، المتدنية والمنتمية لطبقات اجتماعية راقية في آن. وفي مصر، توجد نحو 50 فرقة انشاد ديني ابتعدت عن التغني بمبادئ الجهاد والشهادة، وتميل أكثر فأكثر تجاه معاني القومية، لا سيما التطرق الى مأساتي فلسطينوالعراق. وعلى المنوال نفسه، لكن في إطار بحت من "الراب"، اوجد "جنود الله" أو "مسلم ستوديو" لأنفسهم جمهوراً مخلصاً في مصر بين الشباب والشابات من المتدينين جداً وعلى قدر من التعليم والثقافة يسمحان لهم بالتنقيب عمن يقدم مزجاً حقيقياً بين الاشكال الحديثة للموسيقى والدين الاسلامي. ووجدوا ضالتهم في العديد من الفرق الاميركية التي تقدم انغام الهيب هوب، والراب، والريغي مع كلمات اسلامية. "جنود الله" أو Soldiers of Allah فرقة "راب اميركية" تتغنى بالدين على انغام الراب، تقول احدى اغنياتها: "من تركيا الى افغانستان، من فلسطين الى ايران، طبقوا القوانين الاسلامية طبقوا الجهاد العالمي، استردوا ارضنا المسلمة".