مع ان الحركة الإسلامية الفلسطينية، لم تغب عن دائرة الضوء طوال سنوات، فإن عملية الاغتيال البشعة التي اقترفها شارون بحق احد ابرز رموزها، الشيخ احمد ياسين، دفعت الى طرح التساؤلات مجدداً حول واقع هذه الحركة ومستقبلها. وبدا طبيعياً ان يذهب كثيرون نحو محاولة استكشاف الانعكاسات التي سيخلفها استشهاد الشيخ ياسين على حركة حماس، فيعبر بعضهم عن اعتقاده بأن غياب الشيخ سيدخل الحركة في ارتباكات ازاء التعامل مع تطورات متسارعة وضاغطة، ويستنتج آخرون ان الغياب على فداحته، لن يقود الى الإشكالات التي رمى إليها من فكر بالاغتيال ونفذه. من الطبيعي ان يخلّف غياب رجل بحجم الشهيد احمد ياسين، تفاعلات هامة داخل الحركة وخارجها، وربما نشأ شيء من التدافع التنظيمي الطبيعي في مثل هذه الحالات. ولكن ينبغي النظر بجدية الى القول: ان استشهاد الشيخ يقوي الحركة، بما ولّده وسيولده من تعاطف واسع معها، وقناعة بمكونات جانب كبير من خطابها السياسي. ثمة تجارب مهمة على هذا الصعيد، ومع تنظيمات اسلامية بالذات. ثم ان الحركة الإسلامية الفلسطينية عبرت مخاضات صعبة، وكشفت عن قدرة استثنائية في امتصاص الضربات وتجييرها لصالح اكتساب مزيد من القوة والمناعة. يرى العديد من قادة حركة حماس، ان بقاء الحركة قوية ومتماسكة هو ما حماها من الشطب والإلغاء. ينسحب هذا الأمر الى حد كبير على توأم حماس في الساحة الفلسطينية، اي حركة الجهاد الإسلامي، ففي المرحلة التي استشعرت فيها السلطة الفلسطينية قوة زائدة عام ستة وتسعين، قامت باعتقال 1500 من قيادات وكوادر حماس، ومعظم قيادات وكوادر حركة الجهاد، التي استشهد مؤسسها وأمينها العام د. فتحي الشقاقي على يد الموساد في مالطا، بعد عودته من زيارة الى ليبيا. يومها لم يتردد بعض اركان السلطة في طرح السؤال: اين هما حماس والجهاد؟ كان هذا السؤال يستبطن احساساً بالقوة، ويحمل اشارة واضحة الى عجز الحركة الإسلامية عن الدخول في مواجهة مع السلطة، وهي تقرر شطب الحركة وتقويض بناها. لم يقم اي من الإسلاميين الغاضبين من اوسلو والاعتقالات بإطلاق الرصاص على الشرطة الفلسطينية، على رغم ان هذا كان ممكناً ومتوقعاً في اية لحظة. والحال، ان ما نظر إليه بوصفه عجزاً عن المواجهة، كان عاملاً حاسماً في تقوية واتساع نفوذ الحركة الإسلامية الفلسطينية، وفيما رأى البعض ان التماسك وعدم التجاوب مع الاستفزاز يعري السلطة، يمكن القول بتخلق حال تعاطف كبيرة مع حركة تقاتل الاحتلال، وترفض الانجرار الى حرب اهلية، فتجنب الشعب الفلسطيني تجرع كأس مرة، ظلت المراهنة قائمة على دفعه إليها، منذ عام 1994، الذي شهد نزول الأفواج الأولى من الشرطة الفلسطينية الى شوارع غزة، وما زالت. مع انطلاق الانتفاضة، كان الوعي بالحركة الإسلامية قد انتقل من محاولات الشطب والإلغاء الى الاعتراف والمشاركة، وهو ما تجسد في تشكيل اطار "لجنة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية". كشفت الانتفاضة عن حجم متنام للحركة الإسلامية الفلسطينية، صار بعض رموزها من المقاتلين نموذجاً للشباب الفلسطيني، كما هو حال الشاب محمود طوالبه الذي قاد معركة الدفاع عن مخيم جنين. * صحافي فلسطيني