ماذا بعد عام على تركها "أل بي سي"؟ أم أن السؤال يجب أن يصاغ بطريقة أخرى: ماذا بعد عام على وجودها في "العربية"؟ ماذا أضاف "بالعربي" الى سجلّها الاعلامي، حيث "حوار العمر" محفور بخط عريض، هذا البرنامج الذي أذاقها طعم النجاح الجماهيري بجرعات مكثّفة، هل يلاحقها كلعنة الى الأبد؟ جيزيل خوري مستعدة لشرب عصير البرتقال على معدة خاوية في باكر الصباح. ان قلت لها إن هذا مضر للغاية، ستنصت إليك باهتمام ثم تقرر: حسناً، لا برتقال هذا الصباح. وإن قلت لها إن برنامجها على "العربية" يفتقد الى الجماهيرية وخاصيّة الجذب ونكهة المراوغة وربما "الاستعراض" بمعنى التوك شو الذي تميّزت بها برامجها السابقة، وميّزها هي شخصياً، ستنصت اليك أيضاً باهتمام، لكنها لن تبدّل رأيها. فهي سعيدة و"مدللة"، كما تقول، خلف منصتها الجديدة التي منحتها فرصة اختبار درجة عالية من الاحتراف المهني في محطة فضائية وليس "محلية تبث فضائياً"، فضلاً عن الاحتكاك بذلك "الهجين" الثقافي متعدد الجنسيات والألوان واللغات والآراء الذي جذبها في الأساس الى "العربية": "هل يتوجب عليّ أن أتحرك طوال حياتي على حدود فردان - الأشرفية؟". صفحة "المؤسسة اللبنانية للإرسال" تريد أن تطويها تماماً. بعد كل ما قيل ونشر عن أزمتها مع المؤسسة التي ظلت تتحرك في أروقتها طوال ست عشرة سنة، لا ترغب بأن تزيد. ليس ماء في فمها، ربما مرارة: "خرجت بجرح من هذه المؤسسة... ما بقى عندي حنين". بوسعك هنا أن تختطف منها عبارات موجزة عن "غياب العدالة في المؤسسات الاعلامية، تراكم الملفات، سقف الحرية غير المرتفع بعكس الصورة المظهّرة، تسلّط أشخاص من غير الخبراء في المهنة..."، لكنها تحن في المقابل الى تجربة "حوار العمر": "سأقدم ما هو مشابه من حيث الفكرة والجو من على العربية". لن يكون تكراراً ولا استنساخاً من تجربة قديمة ناجحة، فلكلتا المؤسستين شخصية اعلامية مختلفة تنعكس بدورها على روح البرامج وصورتها. تشبّه خوري "العربية" بامرأة رصينة وجديّة، لا تحب الثرثرة ولا التغاوي. هدفها تقديم المعلومة، بمعنى الخبر السياسي. تلك كانت مهمة "بالعربي" في عامه الأول، حيث نجح في استقطاب وجوه لا يتكرر ظهورها في "البازار" الإعلامي الذي تتشابه فيه الوجوه والحكايات في شكل مضجر. كما نوقشت على طاولة البرنامج مواضيع جادة وهادئة على قدر كبير من الاهمية أداراتها خوري في تواقيت ذكيّة ومحسوبة. في المقابل، تعترف بأن برنامجها "بالعربي" يحتاج الى مزيد من الترويج، كذلك فتح المجال أمام المتصلين للتدخل والتفاعل مع الضيف، اضافة الى تطويل مدة بثه الى أكثر من 50 دقيقة... سيتخذ البرنامج شكلاً جديداً بعد مرور سنة اقتصر فيها على تقديم جرعات سياسية مكثفة، "الآن، علينا أن نكون أكثر قرباً من الناس". غاب عن "بالعربي"، خلال عامه الأول، وجهان اساسيان كانا حاضرين بقوة في برامج خوري السابقة وأعطيا نكهة خاصة لحواراتها: وجه اليسار العربي ووجه المعارضة. تعلّق: "أين اليسار اليوم، ماذا لديه ليقوله؟ لنكن واقعيين". حسناً، ماذا عن المعارضة؟ اذ يمتلئ عالمنا العربي كذلك الخارج بالتأكيد بالكثير من الأصوات العربية المعارضة، والتي لديها الكثير لتقوله. تقول: "المعارض السياسي يقدم تعليقاً ورؤية خاصة ولا يقدم خبراً سياسياً، وهو ما كنت أبحث عنه في الفترة الماضية وكذلك المحطة". ترغب خوري باستضافة زياد الرحباني مرة أخرى، وفي "أجواء" مختلفة عن محاورته له منذ سنوات. لا تفصح عن اسم شخصية عربية معارضة، ممنوعة من الظهور على الشاشات العربية كافة، سيحقق وجودها قريباً على كرسي "بالعربي" خبطة اعلامية لجيزيل والبرنامج. مسؤولو "العربية" وملاكها ربما لن يتحمسوا لظهور مثل هذه الشخصية المعارضة؟ "لا يجب أن نستهين بمساحة الحرية الواسعة التي تتمتع بها "العربية". لكن هذه القناة تحتاج الى فتح الباب، بشق أكبر، أمام الأصوات المعارضة. من غير المسموح أن نخاف اليوم. في وقت تلفزيون الواقع من يجرؤ بعد على اخفاء المعلومات؟". في بال جيزيل خوري دائماً تلك الرقابة الذاتية التي تعرف كيف تحوّلها الى حصن تتمترس خلفه، وتصوّب منه رصاصاتها بذكاء، من دون أن يمنع عنها الرؤية. تقول إنها لم تخترع هذه الرقابة خلال وجودها في "العربية"، بل أتت بها من "المؤسسة اللبنانية للإرسال". تضحك خوري كثيراً حين سؤالها عما يشاع في شأن نفوذ ما وسلطة لها في "العربية": "لست امرأة نفوذ، تهمني مهنتي فقط". لكن لاءات خوري الكثيرة، التي ترفعها في وجه اي كان في "العربية"، قد تؤكد "تهمة" النفوذ: "لا أقبل أن أكون مقيدة حيث "يضيق خلقي"، لا أقبل الاملاءات في شأن اختيار أو استبعاد ضيوف البرنامج، لا أقبل أن يتخذ قرار بتغيير الضيف المتفق على ظهوره في البرنامج بعد اعلامه بذلك، لا أطيق أن يتحكم جاهلون بالمهنة بمصير العمل الصحافي، لا اقبل اللاعدالة المؤسساتية...". لاءات كثيرة، عروض مغرية ومستمرة لانضمامها الى فضائيات أخرى، رغبتها بتطوير الاطلالة من على "العربية"... جيزيل تفكر طوال الوقت، لكن أحداً لن يرغمها بالتأكيد على شرب ما لا تريد، مهما كانت المغريات... "فمغص" فقدان الحريّة يوجع معدتها، تماماً كالبرتقال الصباحي.