السينمائيون الأميركيون حرفيون في مجال السينما وليسوا فنانين. انهم عمال في مدينة صناعية هي هوليوود، حيث الصناعة السينمائية عمل تقني وعلمي، لا مكان فيه ولا وقت لأي مبادرة فنية. الصناعة السينمائية على الطريقة الهوليوودية تقوم على مرحلتين. الأولى تتضمن كتابة السيناريو ورسم الStory-board، أي رسم كل مشهد من الفيلم بكل تفاصيله، والمرحلة الثانية تقتصر على تطبيق الStory-borad بأدق حذافيره، من خلال التصوير وإضافة المؤثرات وتوليف الفيلم... وهي مرحلة للخلق والابداع، يطلق السينمائيون الأميركيون خلالها العنان لمخيلتهم وأفكارهم. اما المرحلة الثانية فتتضمن الصناعة التقنية فقط. فتصبح السينما عملاً شاقاً ومكلفاً يخلو من أي حرية للابداع والفن، ولكن تبقى هذه المرحلة هي المفضلة عند الأميركيين لأنهم يتقنونها وينفقون عليها مبالغ ضخمة. الأفلام الأميركية كلها تروي قصة واحدة، هي قصة الحلم الأميركي الذي لم ينعم معظم الأميركيين بتطبيقه في حياتهم اليومية. قصة عالم لا يشبه الواقع الأميركي، محرّف حتى المثالية في كل تفاصيله لأن كل شيء في الأفلام الأميركية يجب أن يكون مثالياً. يصورون أفلامهم في أجمل الشقق والأحياء وكل عبارة تقولها الشخصية يبدو واضحاً فيها تعب الكاتب في انتقاء كل كلمة، والوقت الذي أمضاه في كتابتها وتقولها الشخصية بسرعة من لا يفكر بما يقول. والمواقف في الفيلم كلها تبدو مركبة ومدروسة في شكل يتناسب الى أقصى حدّ مع متطلبات الدراما وتسلسل الأحداث والتشويق، كأن السينما مجموعة لحظات قويّة فقط، حيث الإثارة مطلقة. فإذا وجد بطل الفيلم قنبلة وحاول تفكيكها، ينجو دائماً طبعاً ولكن القنبلة لا يتوقف عدادها إلاّ في اللحظة الأخيرة، بعد أن يتردّد البطل بضع دقائق قبل اختيار السلك الأحمر. المواقف العادية التي يعيشها الأميركيون كل يوم كأنها لا تنفع لافلامهم السينمائية، إلا إذا أُضيف اليها فلفل التشويق والإثارة والمبالغة. لمسة السينمائيين الأميركيين تبدو واضحة في كل أفلامهم، والشعور بأنّ خالق هذا العالم أي عالم الفيلم، هو الإنسان بمنطق ضيق وسطحي، حتى أنه غالباً ما يسهل التنبؤ بكل قصة الفيلم وبآخره منذ دقائقه الأولى. ويبدو أن ذلك لا يؤثر فعلاً في من يشاهد فيلماً أميركياً لأن القصة ثانوية بينما الإثارة أساسية. فإذا دخل في المشهد الأول رجال عصابة الى بيت رجل وقتلوا عائلته بينما بقي هو حياً، نعرف أنه سيتدرّب ويتحرّى ويتعذب لينتقم لعائلته، ولكن المهم هو رؤيته يتدرّب ويتحرى ويقاتل. ونعرف دائماً أن الفيلم الذي نشاهده يحتوي على مكونات السينما الأميركية الأساسية التي نجدها في كل الأفلام: قليل من الإثارة وقليل من الحركة والحب والكوميديا والمغامرات والتشويق. هكذا يكون كل فيلم موجّهاً الى كل فئات المشاهدين وأنواعهم. مشاهدون سمينون أحياناً أو فقراء أو بكل بساطة اشخاص عاديّون انما مختلفون عن الشخصيات التي يقدمها الفيلم، مع أنهم كلهم مواطنون أميركيون عاديون. أبطال الأفلام الأميركية هم غالباً مواطنون عاديون، يصبحون أبطالاً في السينما لأن السينما الأميركية لا ترضى بما هو عادي. القبح والفقر مثلاً لا نراهما في الأفلام الهوليوودية إلاّ إذا كان لهما دور دراميّ في القصة، فيجب أن يتوافر سبب تقني خلال كتابة النص كي يدخل اليه شيء من الحقيقة والواقعية. وتبقى السينما الأميركية أشبه ب"اليوتوبيا"، بالمكان المثالي الذي يأتي اليه من يبحث عن استبدال حياته بكاريكاتير الحياة لمدة ساعة ونصف الساعة، أو من يحتاج الى موسيقى ترافق مواقف الحياة حتى يشعر بها. فالموسيقى في الافلام تزيد الإثارة إثارة والسعادة تفاؤلاً. فالمشاهدون أنفسهم يحاربون العالم في الحقيقة، ويصدّرون اليه أفلامهم وأحلامهم حيث العلم الأميركي يرفرف على كواكب المجرة كلها، والأميركيون يحاربون الديناصورات التي أبدعوها، وينقذ أحدهم غالباً الأرض وشعوبها من كارثة تتهددها، كأنهم يرتكبون الخطأ في عالم الواقع، ويعوضون عنه من أفلامهم.