لنَبْدأْ مِنَ البِداية، وَلْنُلْقِ نظرةً مِنْ عَلٍ على ذلك الفضاءِ الشّاسع في التّاريخِ والجغرافيا المُسَمّى غَرْبَ آسيا.** تلك "الرُّقْعةُ" الشّاسِعة مكوّنةٌ من: دولِ المَشْرقِ العربيّ، أي الجُزْءِ الآسيويّ من الوطنِ العربيّ، تركيا، إيران، باكستان، أفغانستان، إسرائيل وجمهوريّاتِ آسيا الوُسْطى الخَمْس كازاخسْتان وأُوزْبكستان وتُرْكمَانِسْتان وكرْغيزستان وطاجيكسْتان، إضافةً إلى جمهوريّاتِ جنوبِ القُوقاز آذرْبَيْجان وأرمينيا وجُورجيا. يُحيطُ بتلك الرّقعة: الصّينُ من الشّرق، وروسيا من الشّمال، والهنْد من الجنوب، وأوروبا من الغرب. فالجُزْءُ الذي نَنْتمي إليْه جغْرافيّاً هو الحافَةُ الآسيويّةُ لأوروبا، أو الحافَةُ الأوروبيّةُ لآسيا، لا فَرْق. لاحظوا أنّ الرّقعةَ مُحاطةٌ بقوى نَوَويّةٍ من كلّ حَدْب، كما أنّ اثنتيْن من بيْن أعضاءِ الإقليم، إسرائيل وباكستان، هما أيضاً دوْلتانِ نوَويّتان. من بابِ المُقايَسَةِ والمُقَابَلة: نرى أنّ "قوْسَ الأزَمات" أو "الهلالَ المتأزّم"، الذي أُشيرُ إليه بيْنَ الآونةِ والأُخرى، يمتدُّ من المغربِ العربيّ المُطلِّ على شاطئ الأطلسيّ غَرْباً إلى آسيا الوُسْطى شَرْقاً، شاملاً السّودانَ والكونغو والقرْنَ الإفريقيّ والجزيرةَ العربيّة وشِبْهَ القارّةِ الهنديّة، إضافةً إلى "إهليلَج الطّاقة"، الذي يضمُّ مِنطقتَي الخَليج وبَحْر قَزْوين، المكوّنِ من 70 في المئة من احتياط العالَم من النّفْط و40 في المئة من احتياط الغاز الطّبيعيّ. كما أنّ مشروعَ "الشّرْق الأوْسط الكبير" أو "الأكبر" الذي وضَعَتْهُ الإدارةُ الأميركيّة والذي ستطلبُ اعتمادَهُ من قمّة الدّولِ الثماني في حَزِيران يُونيو المقبل، يُعَرِّفُ الشّرْقَ الأوْسط بأنّه المِنْطقةُ الممتدّةُ من المغرب إلى باكستان. فهو يتكوّنُ من الوطنِ العربيّ بأكملِه، إضافةً إلى أفغانستانوتركياوإيران وإسرائيل. وهذا يكادُ يتطابق، بالمفهومِ الأميركيّ، مَعَ خريطةِ الإرهابِ الدّوليّ. ولعلّ هذا المشروعَ مجرّدُ فَصْلٍ من فصولِ المشروعِ الأصل: مشروع للقَرْن الأميركيّ الجديد. ويُصْعَقُ المراقِبُ لدى مُلاحظَتِه أنّ البشرَ في المناطق الجغرافيّةِ المختِلفة يُنْظَرُ إليهم في هذا المشروع وكأنّهم بَيادقُ أو أحجارٌ على رُقْعةِ شِطْرَنْج كبيرة، مِنْ دونِ مُراعاةٍ لأيِّ فروقٍ، ثقافيّةٍ أو اجتماعيّة. كما يتوجسُ من استهدافِ الجذورِ الثقافيّةِ والاجتماعيّةِ لهؤلاء البشر وحتّى هُويّاتِهم. أعودُ إلى إقليمِ غَرْبِ آسيا، مُسْتأنِفاً نظرتَنا البانُوراميّةَ من عَلٍ. وأُلاحظُ مَعَكم أنّ دُوَلَ هذا الإقليمِ جميعَها تُصنَّفُ ضمنَ دائرةِ العالَمِ النّامي. صحيح أنّ الإقليمَ يَحْتوي على ما يُناهزُ 70 في المئة من النّفطِ العالَميّ، إلاّ أنّ سُكّانَهُ من ذوي الدّخولِ المُتَدنِّيَةِ عالميًّا، إذا أخَذْنا المتوسّطَ العام. ولعلّ الفَقْر والنُّزوعَ إلى الاستهلاكِ المُتزايد وتدنّي الإنتاجيّة والاعتمادَ على تصديرِ المواردِ الطّبيعيّةِ غيْرِ المُصنّعة من الأمور التي تصْفَعُنا في هذا الإقليم. وهي بحاجةٍ إلى عمليّاتٍ جراحيّة، وإلى ابتكارِ برامج عملٍ طَموحة للتّعامُلِ معها وإصْلاحِ الخَلَلِ النّاجمِ عنها. أتساءلُ الآن عن حال الإقليم في عالَمٍ متغيِّر. والحقُّ أنّ إيقاعَ التّغيُّرِ والتّغيير في أيّامِنا هذه أصْبحَ أسْرعَ مِنْ أيِّ وقتٍ مضى. لهذا السّبب نقول: إنّ عصْرَنا الرّاهن هو عَصْرُ التّحوُّلاتِ الكُبْرى. وحَسْبُنا هنا أنْ نذْكُرَ انهيارَ الاتّحادِ السّوفياتيّ السّابق، وانتهاء "الثنائيّةِ القُطبيّة"، ومِنْ ثمّ سَعْيَ الولاياتِ المتّحدة إلى الهَيْمنةِ على العالَم: بنظامِها الاقتصاديّ العالَميّ الجديد، ونفوذِها الطّاغي في صُنْدوقِ النّقْدِ الدّوليّ والبنك الدّوليّ واستراتيجيّات مجموعة الدّولِ الثماني، وغَيْرِ ذلك من مظاهرِ الأمْرَكةِ والعَوْلمة. ولْنَذْكُرِ السّيطرةَ الأميركيّةَ على منابعِ النّفْط في غَرْب آسيا: الخليج العربيّ، آسيا الوُسطى، العِراق، وربّما إيران في وقتٍ لاحق. ولا ننسى أنّ أميركا تُعاني حاليّاً مِنْ رُكودٍ وكسادٍ اقتصاديّيْن ومِنْ عجزٍ في الموازنة يُقَدَّرُ بثلاثةِ تريليون دولار. كما تُواجه قوّتيْن اقتصاديّتيْن كُبْريَيْن: الاتّحاد الأوروبيّ، وجنوب شرْقيّ آسيا، بخاصّة الصّين. فالماردُ الصّينيّ خرج من قُمْقُمِه، وأضْحت الصّين ثاني أكبرِ اقتصادٍ في العالَم من حيث القوّةُ الشّرائيّةُ المُعادِلة. ولعلّ التّنّينَ الصّينيّ لا يَبْرَحُ قطّ التّفكيرَ الأميركيّ، وهذا ما يُفَسِّرُ انتشارَ القواعدِ العسْكريّةِ الأميركيّة في إقْليمِ غَرْبِ آسيا وسِواه. أُسجلُ هنا أنّ مُوَازنةَ وزارةِ الدّفاعِ الأميركيّة للعام 2004 بلغتْ أكثرَ من 400 بليون دولار، إضافةً إلى نفَقاتِ الحرب في أفغانستانِوالعراق، وموازنةِ الأمْنِ القوْميّ. أتساءلُ وأُجيب: إنّ العَلاقات بيْن دولِ الإقليم ما زالتْ عموماً دونَ المستوى المطلوب، وغيْرَ مستقرّة، وتتّسِمُ بغيابِ التّنسيق في كل المجالات: الأمنيّةِ والتّجاريّةِ والسّياسيّةِ وغيْرِها. فالعَلاقاتُ بيْنَ جمهوريّاتِ آسيا الوُسْطى بعيدةٌ كلَّ البُعْد عن أنْ تُوْصَفَ بالوُدِّ والوِفاق. كما أنّ عَلاقاتِها بالوطنِ العربيّ تتَذَبْذبُ حوْلَ حُدودِها الدُّنيا، بل إنّ الاهتمامَ العربيّ بهذهِ الجمهوريّات الذي تأجج في أعقابِ استقلالِها يكادُ يتلاشى تماماً. وتبدو الصّورةُ أكثرَ ضبابيّةً في جمهوريّات جنوب القُوقاز. فهي ما فتئتْ تُعاني من عدمِ الاستقرار الذي خَلّفَتْهُ الحربُ الأذَريّةُ - الأرمينيّة في النّصْفِ الأوّلِ من تسعينياتِ القرْنِ الفائت حوْل إقليمِ ناغورنو كاراباخ. يُضافُ إلى ذلك الاضّطراباتُ العِرْقيّة في جورجيا، المتمثلةُ في رَغْبةِ الأوسيتيّين الجنوبيّين في الانضمامِ إلى أوسيتيا الشّماليّة التي هي جزْءٌ من الفِيديراليّة الرّوسيّة، وتفاقمُ الصّراعِ التّاريخيّ بيْنَ الجورجييّن والأبْخاز، الذي ما زال بعيداً عن الحَلّ، وأخيراً، وليس آخراً، النّيرانُ المُندَلعةُ في فِلسطين والعِراق، التي نكْتَوي بلَظاها ليْلَ نهارَ. كما لا أنسى قضيّةَ الشّيشان بكُلّ ما تحملُهُ من مآسٍ وأشجان. لقدْ كانَ إقليمُ غَرْبِ آسيا مَسْرحاً للصِّراعاتِ الدّوليّة أثناءِ الحرْبِ الباردة. وما زال بيْن فَكّي الاضّطرابِ وعدمِ الاستقرار بعد انتهاء "الثّنائيّةِ القُطبيّة" وبُزوغِ نَجمِ "الأُحاديّةِ القُطبيّة". وهذه حالةٌ ازدادتْ حِدّةً بَعْدَ كارثةِ 11 أيلول سبتمبر 2001. ويكفي أنْ نُلاحظَ بعضَ الآثارِ السّلبيّةِ لهذه الكارثة، كما في مجالات السّياحة، والمساعدات الإنسانيّة التي تُقَدِّمُها المنظّماتُ الدّوليّة غيْرُ الحكوميّة، والمشروعاتِ الصّناعيّة القائمةِ على الاستثمارِ المشترك. لكنّ القضيّةَ الكُبْرى التي هبّتْ على الإقليمِ كالإعْصار بَعْدَ هذه الكارثة هي قضيّةُ الإرْهابِ والتّطرُّف، مَعَ أنّ بُؤرَ التّطرُّف المُستوطِنة في أرجاءَ شتّى من الإقليم قديمةٌ مُتجدّدة. وهيَ ما انفكّتْ تشكّلُ تهْديداً خطيراً لأمْنِه، وتُعيقُ برامج التّنمية واستقطابَ رؤوسِ الأموال. إنّ الإرْهابَ يجبُ أنْ يُحارَبَ ضمنَ رؤية شموليّةٍ للإقليم. عليْنا أنْ نَجهَدَ في محاولاتنا لاجتثاث الإرهاب، ليس بقوّةِ السّلاحِ وحَسْب، وإنّما أيضاً برؤية نافِذة تعتمدُ العَقْلَ والقَلب. علينا أنْ نتحرّك، ليس فقط ضدَّ الإرْهاب، بل كذلك من أجل تحقيقِ نظامٍ عالَميّ إنسانيّ جديد. لقد تحدّثتُ وتحدّث غَيْري عن الحاجةِ إلى "خُطّةِ مارشال" شامِلة للنُّهوضِ بالإقليم. فنحنُ بحاجةٍ حقّاً إلى ديبلوماسيّةٍ خَلاّقة تستهدفُ العملَ لفَضّ النّزاعات، بل لتجنُّبها أصْلاً، بالحكمةِ والحاكميّة، إذْ لا يُوْجدُ حلٌّ سِحْريٌّ للإرْهاب. أُكرّرُ هنا ما كتبْتُهُ سابقاً غيْرَ مرّة أنّهُ مِنَ المُسْتغرَبِ والمُسْتَهجنِ معاً أنْ لا نجدَ في إقليمِنا أيّ آليّةٍ لتحاشي النّزاعات، أو مَنْعِ نُشوبِها، أو لحلِّها سِلْميّاً وعِلاج نتائجها. كما أُكرّرُ الحَسْرة والأسى لإخْفاقِنا في تنفيذِ الاقتراح الذي تقدّمَ بهِ عام 1984 الرّئيسُ التّركيُّ الرّاحِل تُورْغُوت أُوزال والعبْدُ الفقير للهِ تعالى لإنشاءِ مَرْكزٍ في اسْطنبول لتجنُّبِ حدوث الأزَمات. أتساءل مرّةً ثانيةً وثالثة: أينَ الأُسلوبيّةُ التي يُمكنُ أن تقودَنا إلى تأسيسِ منظّمةٍ شبيهةٍ بمنظّمةِ الأمن والتّعاون في أوروبا، تلك المنظومةِ التي ملأت فراغاً كبيراً لِتَشْملَ أربعينَ دوْلةً من فانكوفر إلى فلاديفوستوك؟ ألمْ يحنِ الأوان لصيغةٍ تضمنُ لنا الاستقلالَ المُتكافِل؟ كأنْ نَنْطلقَ مِنْ سلسلةٍ مِنَ الّلقاءاتِ والحواراتِ والمؤتمرات، خصوصاً مؤتمرات المواطنين، حتّى ننتهيَ إلى منظّمةٍ تتسابَقُ دُوَلُنا في الانضمامِ إليها مِنْ دونِ أنْ تشعرَ بأيِّ تنازُلٍ عنْ سيادتِها الوطنيّة؟ لقدْ كانَ حِلْفُ بَغْداد، الذي أُبْرمَ عامَ 1955، محاولةً أُولى لتحْقيقِ نوع مِنَ التّنظيمِ الإقليميّ للأمْنِ والتّعاون في الشّرْقِ الأدْنى، ولو جاءت تلك المحاولةُ كلّياً من الخارج ضمن لُعبةِ الأُمم في أوْج الحرْبِ الباردة. أستذْكِرُ أيضاً في هذا السّياق منظّمةَ معاهدةِ جنوب شرْقيّ آسيا سيتو، التي مثلتْ باكستان حَدَّها الغَرْبيّ. كما أستذكِرُ اقتراحي من على مِنْبرِ الجامعةِ الأُردنيّة في 16 تمّوز يوليو 2001 بتأسيسِ هيئةٍ آسيويّةٍ غَيْرِ حكوميّة تَسْعى إلى نَزْعِ أسلحةِ الدّمارِ الشّامل في كلِّ مكان. إنّ إقليمَنا يَحمِلُ في جنَباتِه وعلى سَطْحِه وفي جوْفِه، ما يحمِل، مِنْ مُقوّماتِ الازدهارِ والنّماء القائمِ على الثرواتِ الطّبيعيّة والبشريّةِ الهائلة. لكنْ، في الوقْتِ نفسِه، يُحْدِقُ بِه، ما يُحْدِق، من أخطارِ التّطرُّف والعُنْف. فَلكَي نُعَظِّمَ الفوائدَ والنِّعَم، عليْنا مُعالجةُ الظّواهرِ السّلبيّةِ المُزْمنة في الإقليم. أُشيرُ هنا، مِنْ قبْلُ ومِنْ بَعْدُ، إلى إعادة إعمارِ الأنفُسِ والذّهنيّات: بالتّربيةِ والتّعليم، بالإعلامِ المُسْتنير، بالحاكميّةِ النّيّرة. علينا إصلاحُ البنْيانِ السّياسيّ في كثيرٍ من دولِ الإقليم، ومحاربةُ الفساد بكلِّ أنواعِه، ما ظهَرَ منهُ وما استَتَر، والاهتمامُ بالأمْنِ الإنسانيّ: بالإنسان، الإنسان، الإنسان، حقوقِ الإنسان، كرامةِ الإنسان ووَقارِه، الحُرّيّة، المساواة، قضايا المرأة، دوْرِ المنظّمات غيْرِ الحكوميّة والمجتمعِ الأهليّ. علينا تطويرُ نُظُمِ التّربيةِ والتّعليم ومجتمعِ المعرفة، وتوْطينُ العِلْمِ والتّكنولوجيا واستنباتُهما، وبناءُ شبكةِ المواصلات الّلازمة للتنمية، وإعادةُ النّظر في التّشريعاتِ الوطنيّة المُقيِّدة لحركةِ التّجارةِ والعَمالة، وتسْهيلُ عمليّةِ التّكامُل بيْنَ مختلِف فروعِ الاقتصاد في دولِ الإقْليم. كما لا بُدّ من إيلاء قضايا السِّلْمِ والأمن، والمياهِ والطّاقة، والبيئةِ الطّبيعيّةِ والإنسانيّة اهتماماً خاصّاً. إنّ نشْرَ مُناخِ الاستقرار القائمِ على مبادئ الشّراكةِ والعدالة مهمٌّ غايةَ الأهمّيّة، فمن دونِه ستتلكّأُ عمليّةُ التنميةِ والإصْلاح في شتّى الميادين. قدْ يشتملُ جدولُ أعمالِنا المشترَك بحَدِّهِ الأدنى على ما يأتي: - الاعترافُ بسيادةِ المواطنين وإعطاؤهم أسْهُماً ونفوذاً في القوْلِ والفِعْل. - السّيْطرةُ على النّمُوِّ السُّكانيّ. - تحقيقُ نماءٍ اقتصاديّ يقومُ على العَدْلِ والإنْصاف. - إعادةُ هيْكلةِ مؤسّساتِ الحاكميّة. - التّنميةُ الاجتماعية، ومُحاربةُ الفقرِ بكُلِّ تجلّياتِه وضُرُوبِه. - تأكيدُ الثّقافةِ المشترَكة، أي "تعظيمُ الجوامع أو القواسمِ المشترَكة واحترامُ الفُروق"، على حَدّ تعْبيرِ الإمامِ الشّاطبي. باختصار: أُنادي بإعادةِ العَدالةِ إلى التّنمية، بتطويرِ السّياسةِ الإنسانيّة، أي السّياسةِ التي تَتَمَحْور حوْل البشَر. ماذا عنِ الأُممِ المتّحدة؟ الجواب: عَجزٌ واضِح عنْ تَطْويعِ نظامِ الأمْنِ الجماعيّ فيها بحيث يُواكبُ التّهديداتِ الجديدة والوقائعَ المتغيِّرة، كما رأينا في حرْبِ العِراق وحرْبِ أفغانستان وبُورونْدي وروَنْدا والصّومال وكوسوفو. تفاقُمِ الصّراعات القديمة، مثل: الصّراعِ الفِلَسطينيّ - الإسرائيليّ، وذاك في شِبْهِ القارّةِ الهنديّة. الحَلّ: اتخاذُ بعضِ الإجراءات التي من شأنِها أنْ تساهِمَ إيجابيّاً في تحقيقِ الأمْنِ والسّلامِ والاستقرار، ليس فقط في غَرْب آسيا، وإنّما أيضاً في سائرِ الأقاليم. مثلاً: - تطويرُ نظامِ الأمنِ الجماعيّ الواردِ في ميثاقِ الأممِ المتّحدة وتَحْديثه. - إضافةُ أعضاء جدُد دائمي العضويّة إلى مجلسِ الأمن، مثل: الهند واليابان وألمانيا والبرازيل وإندونيسيا ومصر. - حَسْمُ الصّراعات التي تُهَيّئ أقوى الحوافز لحيازةِ أسلحةِ الدّمارِ الشّامل، وإيجادُ مناطقَ خاليةٍ من هذه الأسلحة. - خَلْقُ مُناخٍ يُقْتَصَرُ فيه استخدامُ القوّة على حالات الدّفاع، واستبعادُ مبدأ الضّربةِ الاستباقيّة أو الوقائيّة التي يُمكنُ أنْ تدفعَ بالمجتمعِ الدّوليّ إلى الهاوية. - تعزيزُ الأمنِ الإنسانيّ بشتّى الوسائلِ والسُّبُل. - حقْنُ الأُممِ المتّحدة والهيئاتِ العالميّة بجرْعةٍ منَ الأخلاق، أي بنوْعٍ منَ العَبَقِ الرّوحيّ. إنّ مثلَ دستورِ السُّلوكِ هذا ما انفكَّ يُطوَّرُ خلفَ الكواليس. وقد دعمْتُ إنشاءَهُ شخصيّاً. ودستورُ السُّلوكِ هذا يُوضحُ الحقوقَ والواجبات. كما أنّهُ يحثنا على الانطلاقِ مِنْ وحْي الجوانبِ المشترَكة. ويضمُّ في ثناياه مبدأي عدمِ الّلجوء إلى الإكْراه والتّدفُّقِ الحُرّ للمعلومات. كذلك، فإنّهُ يُنادي بتطويرِ إطارٍ عام للاختلاف وتحمُّلِ المسؤوليّة عنِ الأقوالِ والأفعال على كل الصُّعُد. أقول: إنّ دستوراً للسّلوك مِنْ شأنِهِ أنْ يتمرْكَزَ حوْلَ الكرامةِ الإنسانيّة. وهو بحاجةٍ إلى إشراك كُلِّ قوى التّحوُّل: الحركاتِ الشّعبيّة، النّساء، العناصرِ الشّبابيّة بشكلٍ خاصّ، المجموعاتِ الهشّة والأسرعِ تأثراً من بينِنا. كما يتعيّنُ عليْه أنْ يُواصلَ توْكيدَ السُّلطةِ الأخلاقيّة، مُتجاوزاً السُّلطةَ السّياسيّة. ليس هذا إنشاء، وإنّما خطوط عريضة لبرامج عملٍ مدروسةٍ واقتراحات عمليّة. وماذا بَعْد؟ لعلّ الانفتاحَ على التّجاربِ العالَميّة سيُغني إقليمَنا. حَسْبي أنْ أذكرَ هنا تجربةَ الاتّحاد الأوروبيّ، الذي تدرّج مِنْ نَوَاةِ الفَحْمِ والصُّلْب حتّى باتَ عِملاقاً مَهيباً، وآليّاتِ اتّفاقاتِ التّجارةِ الحُرّة في أقاليمَ ومناطقَ أُخرى من العالَم، مثلاً: نافتا. وكلُّها تَرْمي إلى إنشاء تكتُّلاتٍ عَبْرِ قُطْريّة، وعبْرِ إقليميّة، وحتّى عبْرِ قارّيّة. هنالك أيضاً سيرورة أو عمليّة هلسِنكي في منتصفِ السّبعينات مِنَ القرْن الماضي، حين كانت مُجابهاتُ الحرْبِ الباردة على أشُدِّها، بسِلالِها الثلاث: الاقتصاد، والأمن، وحقوقِ الإنسان. كانت هذه سيرورةً للأمْنِ والتّعاون لتجنُّبِ المواجهة والدّمارِ الشّامل، ولتحديدِ نِقاط الخِلاف عسى أنْ يُعْثرَ على نقطةِ التقاء، مثلاً في البُعْدِ البيئيّ. ولا أنسى طبعاً الشّراكةَ الأوروبيّةَ - المتوسّطيّة، أعني سيْرورةَ برشلونة في منتصفِ التسْعينيات مِنَ القرْنِ نفسِه، التي تتفاعلُ مَعَ اثني عَشرَ بلداً متوسّطيًّا وخمسةَ عشر بلداً عُضواً في الاتّحاد الأوروبيّ. وهذه تحيّةٌ إلى دولِ إعلان أغادير الأُردنّ والمغرب وتونس ومِصْر التي وقّعتْ في مدينة الرّباط أخيراً 25/2/2004 اتفاق إقامةِ مِنطقةِ التّبادُلِ الحُرّ بيْن الدّولِ العربيّةِ المتوسّطيّة. معنى ذلك أنّ جذوةَ هذه الشّراكةِ وهذه السّيْرورة ما زالتْ حيّة. وفي ذلك فلْيتنافسِ المُتنافِسون. ** من محاضرة ألقاها الأمير الحسن في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية في تاريخ 25/2/200. * رئيس منتدى الفكر العربي وراعيه، رئيس نادي روما.