اختار "مهرجان طوكيو الدولي" أن يحتفل هذا العام بميلاده العاشر بطريقة خاصة جداً. إذ أفسح، للمرّة الأولى منذ تأسيسه، حيّزاً واسعاً للمسرح العربي، من خلال ثلاث تجارب متميّزة من الكويت ولبنان وفلسطين، إضافة إلى ندوة موسّعة حرص على حضور جزء من أعمالها مدير المهرجان الذي يستمر حتى الثامن والعشرين من آذار مارس الجاري في العاصمة اليابانية. وإذا كان الحضور المسرحي العربي في طوكيو يندرج في سياق اهتمام عام متزايد بالعالم العربي والاسلامي في امبراطوريّة الشمس الشارقة، بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر وما تلاها من تفاعلات عالمية وتغييرات في منطقة الشرق الأوسط، فإن هذه الخطوة التي صاحبتها ضجّة اعلامية واقبال جماهيري ملحوظ، جاءت بمبادرة خاصة من مهرجان طوكيو الدولي للفنون، وهو مؤسسة مستقلّة تعتمد دعم "جابان فاونديشن" ومؤسسات خاصة وعامة. ويعود الفضل في ذلك الى مدير التظاهرة ساتشيو إيتشيمورا الذي تبنّى اقتراحات شياكي سوما مساعدته لشؤون العالم العربي وآسيا. وهي جالت في أنحاء العالم العربي، والتقت الفنانين قبل أن تعد برنامجها. يترافق هذا الاهتمام مع نزول اليابان إلى معمعة الشرق الأوسط عبر ارسال جنود إلى العراق، بل ودفعها ضريبة الدم بعد تعرّض ممثلين لوزارة الخارجية لمكمن خلال مهمّة استطلاعيّة بعد سقوط النظام السابق. وهذا ليس تفصيلاً بسيطاً، في بلد اعتمد "دستور السلام" شريعة بعد تاريخ صاخب من الحروب، وتمجيدها في الثقافة الوطنية القديمة والحديثة. وفي لقاء مع المشاركين العرب والآسيويين، حضره رائد عصفور، مسرح الفوانيس، أيام عمّان المسرحيّة - الأردن، حسين الرفاعي مسرح "الصواري" - البحرين، هدى وصفي مديرة مسرح "الهناجر" - مصر، ومصمّمة الرقص التونسية نوال اسكندراني، لم يفت إيتشيمورا أن يذكّر بوجود جنود يابانيين على أرض عربيّة، قبل أن يكشف بصراحة مفاجئة، الصعوبات التي واجهها مهرجانه، لأنّه اراد برمجة عرض فلسطيني هو "حكايات تحت الاحتلال" لمسرح القصبة من اخراج جورج ابراهيم. وأوضح إيتشيمورا كمية العراقيل الاداريّة التي واجهتها ادارته لدى العمل لدعوة الفرقة الفلسطينيّة. وكشف أنّه تلقّى "اتصالات من السفارة الاسرائيلية" في طوكيو تستغرب عزم المهرجان على اشراك مسرح فلسطيني! كما اعترف: "للتمكّن من دعوة جورج ابراهيم ورفاقه، اضطررنا الى برمجة مسرحيّة اسرائيلية ... هي اقتباس معاصر ل"إلكترا" يقول إن الانتقام من الظالم لا يجدي". وطبعاً حرص المهرجان على ابعاد الفرقة الاسرائيليّة عن أي نشاط له علاقة بالمسرح العربي والمسرح الآسيوي. وبعد نجاح عرض "حكايات تحت الاحتلال" قرر مدير مهرجان طوكيو أن يشارك في انتاج عمل جديد ل"مسرح القصبة" تستضيفه الدورة المقبلة من المهرجان. والعرض العربي الثاني الذي أثار اهتماماً واسعاً في طوكيو هو "قمّة هاملت" للمسرحي الكويتي سليمان البسّام. والعرض الذي قدّم في مهرجانات عربية بصيغته الانكليزيّة، أعيد اخراجه بحلّة جديدة، وباللغة العربيّة، مع ممثلين معظمهم من العالم العربي. وهو من انتاج "مهرجان طوكيو الدولي للفنون". وتلفت مسؤولة البرمجة العربية شياكي سوما نظرنا باعتزاز إلى أن "هذه المسرحيّة العربيّة المميّزة أبصرت النور في طوكيو، ولمّا تعرض في أي دولة عربيّة". وقدّم ساتشيو إيتشيمورا قراءته للعرض كالآتي: "يصوّر لنا سليمان البسّام البطل الشكسبيري هاملت، وقد تحوّل اصولياً ومتطرّفاً، نتيجة الظلم والاجحاف اللذين لحقا به. وخلال العرض يقتتل الفاسدون من حوله، ويموت هو، فيما يبقى فورتنبراس حياً، فيتسلّم العرش. وهو يرمز الى أميركا بحسب البسّام". أما العمل العربي الثالث في طوكيو، وهو "بيوخرافيا" للثنائي اللبناني ربيع مروّة ولينا صانع، فينتمي الى حساسية جديدة، وهو الأكثر طليعيّة وتجريبية. وأثار الاهتمام على مستوى جمالي وتقني، كونه يذهب الى الحدود القصوى للمسرح، أي الى اللا مسرح ممثّلة تتهيأ للبروفة على عرض لم يتمّ. ويعتمد لغة مشهديّة جديدة، تقطع مع التقاليد السائدة في المسرح العربي، وتعتمد في شكل أساسي على الوسائل السمعيّة البصريّة. فالفيديو عنصر درامي رئيسي في العرض، ويستند مونولوغ لينا صانع الذي يتخلله حوار مع صوتها الآخر في آلة التسجيل، الى خلط الحدود بين الواقعي والمتخيّل، انطلاقاً من تفاصيل بيوغرافيّة مقتطعة من تجربتها وتجربة مروّة الذاتية، تعكس في النهاية تساؤلات جيلهما ومشاغله السياسية والوجوديّة.