إنتهى الشوط الأول من المفاوضات بين الأرجنتين وصندوق النقد الدولي ب"التعادل"مع أن الحكومة الأرجنتينية تؤكد أنها حققت"إنتصاراً". وصمدت الأرجنتين أمام الضغوط الضخمة التي واجهتها عندما تحولت مجموعة السبع الى أداة مؤازرة للدائنين لحصولهم على عرض أفضل. وتحدثت ادارة الصندوق عن"تقدم عملي"ما يعني أن الأرجنتين سددت دفعة ال3.5 بليون دولار التي كانت متوجبة عليها، وبدأت تتبلور عناصر التسوية الممكنة مع المصارف والدائنين. وستتضح الصورة أكثر في اجتماع الصندوق الذي سيُعقد بعد 10 أيام في الولاياتالمتحدة حيث ستوافق المؤسسة الدولية على المراجعة الثانية للإتفاق بين الطرفين. وستنشر الحكومة الأرجنتينية"خطاب النوايا"التي ستُعلن من خلالها إلتزاماتها، إزاء الدائنين التي شكلت المعضلة الأساسية لهذه المرحلة من المفاوضات. والسبب الذي يجعل المفاوضات"حلبة صراع"هو الربط القائم بين التزامات الأرجنتين مع الصندوق وواجبات السداد الدوري أو السياسات الإقتصادية والفائض الأولي من جهة ومسألة تسوية واقع الدائنين الذين ينتظرون منذ سنوات أن تدفع الحكومة ما يتوجب عليها من ال88 بليون دولار إضافة الى الفوائد التي ترتفع الى 19 بليون دولار. وهذا الربط قائم بالأساس منذ أن سلّف الصندوق الأرجنتين 16 بليون دولار للخروج من أزمتها التي كادت أن تقضي عليها، وصيغ الإتفاق في حينه لكي يأتي التجديد كل مرة مع الدفعة الأساسية المتوجبة. وبانتظار الاتصال بين"الرئيس الشعبي"والصندوق تحسب العالم، ومعه صندوق النقد الدولي والأرجنتين، الثلثاء الماضي، ثم تنفس الجميع الصعداء عندما أمر الرئيس الأرجنتيني نيستور كيرشنير بدفع 3.5 بليون دولار، بعدما أبلغته مديرة الصندوق بالوكالة آن كروغر بأنها ستوصي الجمعية العامة للصندوق بتجديد الإتفاق. وبهذا الإتفاق الذي حصل فقط قبل خمس ساعات من موعد دفع الأرجنتين، تحاشى العالم سابقة خطيرة كانت سترتد سلباً على الصندوق والأرجنتين معاً وأيضاً على دول القارة. وبسبب حجم الدين الأرجنتيني وعدد الدائنين الكبير كانت أزمة كبرى، لا سابقة لها، تهدد موازنة الصندوق إذ تمثل القروض المعطاة للأرجنتين نسبة 15 في المئة من قروض الصندوق، وقد ترتد سلباً على اقتصادات القارة الاميركية وعلى الأقل على شروط تعاطيها مع الصندوق. وشاءت الظروف أن تحتد العلاقة بسبب إستقالة مدير الصندوق الألماني هورست كولر الذي ترشح لرئاسة ألمانيا وإحلال معاونته الأميركية آن كروغر محله بالوكالة. واصطدمت الأخيرة أكثر من مرة العام الماضي مع الرئيس الأرجنتيني الذي يعتمد في صموده على الدعم الشعبي الذي يتمتع به، خصوصاً في المفاوضات، بعدما تحول"الصمود في وجه صندوق النقد"الى مسألة"كرامة وطنية"، ما جعل الأرجنتينيين يقفون بحزم وراء حكومتهم. وقبل خمس ساعات من موعد الدفع، إتصل وزير المال ومهندس إعادة ترتيب اقتصاد البلد روبيرتو لافانيا بكروغر وابلغها أن الأرجنتين مستعدة لأن تدفع ما يتوجب عليها شرط أن يسحب الصندوق الشروط الأخيرة التي وضعها في شأن معالجة مسألة الدائنين الأجانب. ووعدت كروغر بالإجابة بعد الإتصال بأعضاء مجموعة السبع الذين وضعوا الشروط. وتدخل وزير المال الأميركي مع زملائه في مجموعة السبع لرفع الشروط. وتكرست التسوية ودفعت الأرجنتين المتوجب عليها وتحاشت اللجوء الى التخلي كما فعلت في المرة الأخيرة، ما تركها خلال 48 ساعة خارج المجموعة الإقتصادية الدولية. وفي اليوم التالي تم نشر رسالة كروغر الى الجمعية العامة للصندوق التي تعبر فيها عن موافقة الفريق التقني على المراجعة الثانية وعن تقديره للنمو السريع الذي حققته الأرجنتين العام الماضي 8 في المئة ولمجمل السياسات التي سمحت بتقليص التضخم والفوائد، كما أثنت على نية الأرجنتين العمل مع المصارف ضمن إقرارها لإستراتيجية لإعادة هيكلة الدين. وتدور مطالب الصندوق الأصلية حول ثلاث نقاط أهمها إعادة النظر في مستوى الفائض الأولي ورفعه من 3 في المئة الى 4 في المئة اسوة بالبرازيل، وتصحيح أسعار الخدمات العامة المجمدة منذ أزمة 2001 وتقوية النظام المصرفي. وستكون هذه النقاط موضوع مفاوضات شاقة جديدة في أيلول سبتمبر. أما موضوع الدائنين، الذي يُسمم العلاقة مع أعضاء مجموعة السبع، فيلعب فيه الصندوق مجرد دور الوكيل حتى يخرج من الجمود ويدخل في حيز التنفيذ. وحصل تقدم بالفعل إذ ستعلن الأرجنتين قبل اجتماع صندوق النقد تشكيل لجنة من ثلاثة مصارف دولية ميريل لينش وباركليز ومجموعة المصارف السويسرية لمعاونتها في التفاوض مع الدائنين. ويبدو أن الحكومة الأرجنتينية تخلت عن بعض مواقفها تلبية لطلب الولاياتالمتحدة، من دون إعلان رسمي، لكي تحصل على دعمها في إقناع باقي أعضاء المجموعة، ودعت لجان تمثيل الدائنين الى التوجه الى بوينس آيرس في آخر أسبوع من آذار لوضع روزنامة التفاوض في ما يسمى هناك ب"أم المعارك"لأن المفاوضات ستتناول أكثر من نصف مجمل الديون المترتبة على الأرجنتين للمؤسسات الدولية والدين العام الداخلي.