دوت قاعة فندق "فينيسيا" بتصفيق السيدات حينما عاد مستشار الأمين العام للأمم المتحدة الوزير اللبناني السابق غسان سلامة بالذاكرة الى ما قبل نحو عامين عندما استضافت القاعة نفسها قمة بيروت العربية التي اطلقت مبادرة لتحقيق السلام والعدالة. قال سلامة: "يومها دخلت القاعة بعد انتظام وفود الدول العربية في مقاعدها ونظرت في طول القاعة وعرضها ولم ألمح في أي وفد على الاطلاق وجهاً نسائياً واحداً، وسألت وما زلت، أين العدالة في ان يبحث زعماء العرب في شأن العدالة من دون ان يشركوا في اجتماعهم سيدة عربية واحدة؟ وأين صدقية المبادرة العربية للسلام إن لم تكن نابعة من نسائهم كما هي من الرجال؟ وكم كانت المفارقة مقلقة في نفسي وكنت أدرك بالذات ان تلك القمة ما كانت لتعقد وتكون مثالية لولا انخراط المئات من سيدات لبنان وصباياه حيث شكلن الأكثرية الساحقة من العاملين في مختلف القطاعات التدبيرية التي عملت شهوراً طويلة لتنظيم القمة وتأمين سبل نجاحها؟". وسلامة الذي قال ان تجربة قمة بيروت علمته ان السلام العادل في منطقتنا صعب المنال بسبب دبابات شارون التي اقتحمت رام الله والخليل عقب القمة، اضاف انها علمته أيضاً، أمام المشاركات في "منتدى المرأة العربية والنزاعات المسلحة" في يومه الثاني، "ان اشراك النساء في صنع القرار السياسي العربي شرط مسبق لصدقية ذاك القرار". ومنطلق كلام سلامة هو عنوان المحور الثالث لأعمال المنتدى الذي يعالج سبل تمكين المرأة العربية من بناء العدالة والسلام. وهو رأى ان انتهاء الحرب الباردة بين الجبارين الأميركي والسوفياتي "انتج أكثر من مئة حرب مدمرة من تيمور الى القفقاس والبلقان الى القارة الافريقية وبدت نزاعات كثيرة عصية على الحل ومنها الصراع العربي - الاسرائيلي، ولم يؤد انتهاء الحرب الباردة الى توازن جديد في الساحة الدولية بل ان نظاماً أحادي القطب حلّ محله". وإذ شدد سلامة على أهمية التمسك بانجازات القانون الدولي على رغم نواقصه وبالمنظمات الدولية على رغم هشاشتها، نبه النساء "ألا يقعن في الفخ الذكوري الذي بات اعتيادياً وهو فخ المبالغة بخصوصية المرأة كطريقة لبقة ومواربة وماكرة لعزلها عن الشأن العام وإقصائها عنه". وحرصت وزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان في مداخلتها على الاشارة الى "ان لا فرق كبيراً بين المرأة العربية والمرأة الغربية في مراكز اتخاذ القرار باستثناء الدول الاسكندنافية". وأكدت انها مع وصول المرأة الى مواقع اتخاذ القرار "بقيمها وذهنيتها وأخلاقيتها ومعرفتها، ولتكن تجربتها مختلفة ليرى العالم ماذا يمكن ان يحدث. فالمرأة بطبيعتها محاورة ومفاوضة وهي في موقع صنع القرار". واعتبرت ان "الاحتلال والاستيطان نقيضا العدالة والسلام ولا بد من تحرير الانسان والأرض لتحقيق العدالة والسلام". طاولات متزامنة حضور المنتدى الذي غابت عنه ملكة الأردن رانية العبدالله وعقيلة الرئيس السوري أسماء بشار الأسد وعقيلة ملك البحرين الشيخة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة إثر مغادرتهن لبنان، توزع على ثلاث قاعات لمناقشة دور المرأة في الأسرة والتربية والإعلام والثقافة وسبل مواجهة الآثار المترتبة على النزاعات المسلحة والشباب ومفهوم العدالة والسلام. في وقت انتقلت عقيلة الرئيس المصري سوزان مبارك الى منطقة المشرف برفقة النائبة اللبنانية بهية الحريري لتفقد "جامعة الحريري الكندية" لمناسبة اليوبيل الفضي لمؤسسة الحريري. وتنقلت زوجة الرئيس اللبناني اندريه إميل لحود بين المشاركات في الطاولات المستديرة. وكانت الجلسات السابقة للمنتدى اقتصرت على مداخلات من دون فتح باب النقاش ما أثار احتجاج عدد كبير من الحاضرات، وسأل بعضهن عن جدوى عقد المنتدى وتمنى لو جرى دفع تكاليفه تحملها لبنان كونه البلد المضيف الى نساء فلسطينيات تُهدم بيوتهن ولا بديل لهن سوى الخيم. كلمة فلسطين وإذا كان غياب العراق عن المنتدى لأسباب سياسية، فإن المشاركة الفلسطينية في فاعلية تبحث النزاعات المسلحة لم تتبلور حتى الجلسة ما قبل الختامية ترأست الوفد الفلسطيني زوجة رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية نبيلة النمر القدومي حيث قُدمت ورقة عن مشاركة المرأة الفلسطينية في صنع القرار تضمنت مراجعة تاريخية وإحصاءات عن مشاركتها في الاحزاب والاتحادات النقابية والتخصصات المهنية وفي السلطة السياسية. التوصيات جلسة التوصيات التي تأخرت عن موعدها وقيل ان السبب هو تباين الآراء في شأنها وسجل انسحاب زوجة رئيس المجلس النيابي اللبناني رندة بري من الجلسة، ترأستها السيدة لحود وأكدت في كلمة لها "ان القرارات الصادرة عن منظمة المرأة العربية مهمة جداً لجهة توحيد مواقف المرأة العربية وايجاد الاطار القانوني للدفاع عن حقوقها ومكتسباتها". وحينما بدأت عضو الهيئة الوطنية للمرأة اللبنانية وفاء حمزة بتلاوة البيان الختامي اعترضت احدى اعضاء الوفد الكويتي لعدم وجوده بين ايدي المشاركات. فأشارت حمزة الى ان لجنة الصياغة ضمت ممثلين عن كل الدول. ودانت التوصيات "الممارسات اللاإنسانية التي تتعرض لها المرأة العربية من الاحتلال الاسرائيلي وفي ظل الحروب والنزاعات المسلحة وفي الوقت الذي يدعو الى التمييز بين المقاومة المشروعة ضد الاحتلال وبين الارهاب والقتل العشوائي للمدنيين، فإن المنتدى يؤكد ادانته الكاملة لكل اشكال الارهاب بما في ذلك ارهاب الدولة". وشجب المنتدى "ما تتعرض له المرأة العراقية من عنف وارهاب ويتعاطف معها في محنتها الراهنة ويؤكد ان السلام الشامل ينبغي ان يقوم على الحق والعدل وفق القانون الدولي والشرعية الدولية ولا يمكن ان يتحقق الا بانسحاب اسرائيل الكامل من بقية الاراضي اللبنانيةالمحتلة والجولان المحتل والاراضي الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من اقامة دولته المستقلة". ودعم المنتدى "جهود السلام في السودان التي من شأنها تخفيف معاناة المرأة". وأوصى بدعوة الحكومات العربية "الاشتراك مع مؤسسات المجتمع المدني الى وضع البرامج الخاصة برفع الوعي الاجتماعي وحول الآثار المدمرة للنزاعات المسلحة والاحتلالات والحروب تجاه المرأة والطفل والاسرة، خصوصاً في المجالات التعليمية والتربوية والمعرفية والمهارتية. ومطالبة الحكومات العربية بتضمين البرامج الخاصة بتدريب العسكريين وقوى الامن والدفاع المدني مبادئ حماية المرأة التي نصت عليها الاتفاقات الدولية الخاصة بالنزعات المسلحة، ودعوة الدول العربية الى تقديم مرشحات الى الأمين العام للأمم المتحدة لتعيينهن ممثلات ومبعوثات للقيام بالمساعي الحميدة باسمه، ودعوة الحكومات ومنظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية الى اعداد برامج لدعم المرأة العربية ذات الاحتياجات الخاصة والناشئة عن الاحتلال والنزاعات المسلحة بما يضمن تأهيلها وتدريبها وتعزيز دور المرأة العربية في مواجهة النزاعات والحروب على اراضيها، وتوفير البرامج الخاصة لدعمها في مقاومة الاحتلال ومساعدتها مادياً ومعنوياً على الصمود وتحدي الواقع المؤلم الذي تعانيه". وتناولت التوصيات مجالات الاعلام والشباب، وطالبت "قوى الاحتلال وأطراف النزاعات المسلحة بالتزام القانون الدولي الانساني والمواثيق الدولية في التجاوب مع حق المرأة بالحصول على المعلومات في شأن اقاربها المعتقلين والاسرى"، ودعت القمة العربية المقبلة التي ستبحث في قوانين جامعة الدولة العربية الى "اقرار حصة مناسبة للمرأة في هذه المؤسسة". وفي المجال الدولي، دعت التوصيات حمل الاطراف في اي نزاع مسلح على التزام قرارات المجتمع الدولي ولا سيما ما يتعلق منها بالشرق الاوسط، وضمان عودة كل اللاجئين والنازحين الى ديارهم وأوطانهم، وتنظيم حركة عربية ودولية للضغط على قوى الاحتلال للافراج عن المعتقلين والاسرى والسجناء من الرجال والنساء العرب وحماية النساء والاطفال في الاراضي العربية المحتلة ودعوة المجتمع الدولي الى الضغط على اسرائيل لازالة جدار الفصل العنصري الذي يدمر حياة الاسرى الفلسطينية، والدعوة الى جعل منطقة الشرق الاوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل.