احتضنت "غرين آرت غاليري" في دبي، خلال النصف الثاني من الشهر المنصرم، معرض خط للفنان خالد الساعي. واشتمل المعرض على 45 لوحة من أعماله طرح فيها الفنان التشكيلي السوري رؤيته الخاصة وفلسفته في استخدام الحرف العربي، في تشكيل فني وعصري يتناول عدداً من الموضوعات على غرار أبيات الشعر لشعراء مثل المتنبي ومحمود درويش، ومأثورات للسهروردي والحلاج، وانطباعات عن مدن عربية وأوروبية عاش فيها فترات من الزمن مثل دمشق وبيروت وباريس ومدريد وشيكاغو... إضافة الى تصوير الطبيعة ومكوناتها: الصحراء برمالها وشمسها الساطعة... البحر بأمواجه الصاخبة... السماء عندما تصفو وعندما تمتلئ بالغيوم وتنذر بسقوط الامطار. يحكي خالد الساعي طفولته ويقول: "عشقت الحروف العربية منذ كنت طفلاً متأثراً في ذلك بالجو العام الذي كان يسود منزلنا في شمال سورية حيث كانت اهتمامات أخوتي الكبار تتركز في الفنون التشكيلية المختلفة والشعر والموسيقى الشرقية، وكنت محل اهتمام أخي الاكبر رشاد الذي علمني كيف أنظر الى أي عمل فني وكيف أستطيع أن أقوّم هذا العمل باستخدام بعض الادوات والمعايير البسيطة، كما أهداني بعض الكتب والدراسات التي تتناول الفن التشكيلي بصفة عامة". ويضيف: "كانت بداية تجاربي في الخط محاولة تقليد الاعمال الكلاسيكية، إلا أنني بعد ذلك حاولت الخروج عن المألوف من طريق تقديم أفكار وتصورات لرسومات خاصة لبعض القصص والروايات التي تصدرها إحدى دور النشر في دمشق... وكانت أفكار تلك الرسومات تأتي في مخيلتي من دون سابق تخطيط. وقد دفعني حبي للانغام الموسيقية الى أن أقوم بمحاولة تحويلها من إيقاعها السمعي الى إيقاع بصري باستخدام الحروف لتكوين لوحة فنية تتمازج فيها الحروف والالوان مع الابداع التشكيلي. وقد تكللت هذه المحاولات بالنجاح عندما حصلت على الجائزة الاولى في الخط الديواني جلي في المهرجان العالمي الاول لفن الخط في العالم الاسلامي في طهران - إيران العام 1997، وهو العام نفسه الذي أنهيت فيه دراساتي العليا في كلية الفنون الجميلة في دمشق. وفي العام التالي أي العام 1998 حصلت على منحة لدراسة الخط العربي بإشراف كل من الاساتذة علي ألبارصلان وحسن جلبي في جامعة معمار سنان في استامبول في تركيا. وفي العام 1999 شاركت في بينالي روما للفنانين الشباب. وفي العام 2001 شاركت في المسابقة الدولية الخامسة لفن الخط العربي في استامبول - تركيا. وفي العام 2002 شاركت في المعرض الدولي للخط العربي في متحف الشارقة للفنون في دولة الامارات العربية المتحدة ، وفي عام 2003، شاركت في الدورة السادسة للمعرض نفسه الذي أقيم تحت عنوان "المرئي والمسموع والتوافق والتناغم في الخط العربي". يتوقف خالد عن الكلام برهة ليستجمع أفكاره عن تجربته في الفن التشكيلي ثم يقول: "أنا بشكل عام مقيم في كل مكان، اهتمامي منصب على الحرف العربي... دراستي في البداية كانت في الرسم وانصب اهتمامي خلال تلك المرحلة على فهم اللون... مناخات اللون وملمس الاشياء ومحاولة خلق حوار بين الحرف العربي والتشكيل بمعنى محاولة خلق تجربة تشكيلية جديدة قوامها الحرف العربي... من خلال الحرف العربي يمكن ان أصور مشهداً طبيعياً وأعبر عن حالات نفسية في داخلي، وذكرياتي في مدن عشت فيها فترات من حياتي مثل دمشق وباريس ولندن وشيكاغو. هدفي كان إجراء اختراقات غير مألوفة بالحرف العربي. كيف يمكن أن أوصل الى الملتقى حس البحر... حس المطر، حس العمارة في المدن، والحياة العصرية. كل ذلك في استخدام الحرف العربي. حاولت تطويع الحرف ليكون أداة تشكيل، كما حاولت الخروج من حيز الادب وهو في رأيي يمارس وصاية على العمل الخطي. حاولت أن أحيّد اللغة حيث أن الحرف هو الذي يعبر عن الفكرة". اشتغل الفنان في البداية على نصوص تراثية، ونجد في معرضه الاخير بعض تلك الاعمال الكلاسيكية. ويشرح تلك الخطوة كالآتي: "الجمهور هنا في دبي لا يعرفني، وبالتالي كان عليّ أن أقدم نماذج خطية متعارف عليها. لكن بشكل عام، طرحي ورهاني الفني هما على الاعمال التجريدية. الحقيقة أنها ليست تجريدية بشكل مطلق إلا أنها تحمل معاني كثيرة، فكل حرف بمفرده هو مادة لها دلالتها الرمزية والادبية... كما أن لها دلالتها الصوتية والحسية. محاولتي هي اللعب على هذه الحساسية للحرف، أقصد المخزون الداخلي للحرف، وليس الشكل العادي له. ذلك أنني أستخدم الحرف بغير شكله المألوف كحامل اللغة". يتابع خالد قائلاً: "الفن عموماً يدور بين نواصي التجريد والتمثيل أحياناً، أشتغل على التجريد، وأحياناً أخرى أشتغل على التمثيل هناك عملية مد وجزر... وأنا أراوح بين هذا وذاك... العديد من الحروف العربية اشتقت من أشياء بشرية... حرف العين اشتق من العين البشرية وحرف السين من السيف والهاء من الاذن البشرية أو أذن الفرس .. وكل حرف من الحروف العربية معبأ بالرموز والدلالات". ويقول: "في أعمالي كثيراً ما أجد أن العبارة تشكل قيداً على حريتي في الابداع وتنفيذ العمل... فأتجرد من العبارة ومعناها المباشر وأحياناً أخرى أتوجه الى الدخول في عالم النصوص الصوفية وهي نصوص مغلقة ومفتوحة في الوقت نفسه. فتلك النصوص لعبت على ثنائية المعنى المادي والروحاني... الأنا والآخر. ويقول النفري "كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة". وأمام لوحة لأحد أبيات الشعر للشاعر الفلسطيني محمود درويش يقول الفنان الساعي: "كان هناك مشروع مشترك بيني وبين الشاعر محمود درويش منذ أربع سنوات بهدف تحويل الايقاع الشعري الى إيقاع بصري، باستخدام الحرف إلا أن ظروف الشاعر الكبير الشخصية وسفره الدائم حالاً دون تنفيذ المشروع بالكامل وقد نفذت نحو 40 عملاً عن تجربة محمود درويش الشعرية وكيفية تصاعدها والفترات المختلفة التي مر بها، وعرضت هذه الاعمال عليه أثناء زيارة قصيرة له الى دمشق وأعجب بها كثيراً".