ميرفت وريتا لبنانيتان، عائشة جزائرية، رنا سورية، أمل مغربية، سندس ونجاح تونسيتان وشيماء مصرية... هن فتيات "على الهوا سوا"، المتفرغات قي الانتظار. تشعل جهاز التلفزيون عند الثامنة صباحاً، تتلصص عليه في القيلولة، تلقي عليه نظرة بعد منتصف الليل في طريقك الى حنفية أو مرحاض... لتجدهن على حالهن، متكئات على الأرائك، راكنات الى القدر والنصيب وقبل كل شيء هواتف جمهور المشاهدين. الصبايا ينتظرن العريس. يطمحن الى الجوائز: حفلة الزفاف والمنزل وشهر العسل والمصاغ والمكافأة النقدية القيّمة. في الفيلا الواسعة، التي لا يمكن لأي منهن مغادرتها طيلة ثلاثة شهور، لن يتصرفن كأنهن في سجن. في معتقل. سيحاولن أن يضحكن ويأكلن ويلعبن ويثرثرن ويتشاجرن. لكنهن الأسيرات الضعيفات. أسيرات "القطار" الخائفات من مضيّه من دونهن، وجدران الفيلا الباردة والذكورة "الحامية" المتحكمة من خلف الشاشة... وأسيرات "فويسي" الصوت الرجولي السري الذي لا يرين صاحبه، لكنهن يمتثلن لأوامره الآتية عبر مكبر الصوت. يخبرهن انه حان الوقت للمّ صحون الأكل عن العتبة، فيقمن للأكل. أو أن عليهن الاستعداد جيداً لاستقبال الضيوف، فيرتبن المكان استعداداً لاستقبال مغن أو مذيع... وحينما يكون مزاج المستر "فويسي" رائقاً، سيسمعهن الموسيقى طالباً أن يرقصن، فيرقصن في الحال لشبح غير مرئي وجمهور نهم. "فويسي" تماماً كشارلي يحرك ملائكته في مهمات، وإن كانت هنا تافهة، أو كلاعب الدمى الذي يكتفي بتحريك عرائس الخشب على المسرح بخيوط تتدلى من أعلى فيما يخفي ملامحه في الظلام. لكن الفتيات، قبل اي أمر آخر، أسيرات المحطة التلفزيونية التي باعتهن لشركات الاتصالات، بانتظار أن يفك الجمهور محنتهن بجيوبه لا بأيديه! البرنامج مثلنا كأنّهن الأسيرات معروضات للمزاد في السوق، وكأننا أسياد السوق. ننظر إليهن، نحدق في الملامح جيداً، نتأمل التصرفات، نستشير الأصدقاء والجيرة، ونقرر: سننتشل هذه من السجن، من العبودية التي كبلتها بها الكاميرا، من "جريمة" الكشف والفضح، من "عار الرياليتي تي في"... بعد مرحلة اختياره الذكر الملائم للأنثى الملائمة، سيقرر الجمهور ما اذا كان زواج الثنائي مباركاً أو مرفوضاً. في إمكان عائلة العروس أن تتدخل لترفض الزواج. لكن للجمهور الكلمة الأخيرة وفي حال بلغ تصويته لتزويج المرشحين نسبة 70 في المئة، سيجبرهما ذلك على الزواج وإن أبت العائلة. تحدّ صارخ لبطريركية الأب وسلطة الأم وتحكمهما بمصير زواج الأبناء؟ تمرّد على سلطة الاسرة العربية؟ ليس تماماً، اذ ان الأمر لا يتعدى ببساطة انتقال السلطة من الأسرة الصغيرة الى الاسرة الكبيرة. لكن، لنتذكر دوماً: البرنامج مثلنا، يشبهنا، "مستعرب" لكنه حبيس التقاليد والمقدسات. إنّه "تلفزيون الواقع" في نسخته العربية المطورة و"المعطّرة". "الرياليتي تي في" الغربي تقوم فكرته المحورية والجاذبة على تصوير الحرية والطبيعية والعفوية. أما "الرياليتي تي في" العربي، فيرتدي أثوابنا ولا يفاجئنا.