لم تنحصر نقاشات منتدى الحوار الوطني الثاني الذي عقد في مكةالمكرمة داخل قاعة الحوار التي ضمت نماذج فكرية وثقافية واجتماعية ودينية، بل تجاوزت ذلك الى المنتديات الثقافية واللقاءات والمحاضرات الاجتماعية والفكرية. وعلى رغم تعددها وتنوع مواقعها وشخوصها، إلا ان محصلتها الفكرية تصب في قناة واحدة، مفادها ان جدية الحوار تقود الى الاصلاح وتماسك اللحمة الوطنية، وان كل الاصوات تؤكد ضرورة مساهمة الجميع في صنع الوحدة الوطنية. وبعد تلك اللقاءات والندوات التي نظمت في اماكن متفرقة في السعودية، اقيمت محاضرتان الأولى قدمها السبت الماضي أحد المشاركين في الحوار الوطني وهو عالم الدين الشيعي، السيد هاشم السلمان، بعنوان "كيف نبني مجتمع الحوار"، فيما قدم الثانية ليل الاثنين عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود بالاحساء، الدكتور محمد علي الهرفي، وجاءت بعنوان "ثقافة الحوار في الإعلام السعودي". وألقى السلمان محاضرته في سبتية "الموسى"، بمدينة "المبرز" في الاحساء، وأكد فيها ضرورة التمسك بالوحدة الإسلامية، كضمانة لحصانة الأمة ضد ما يهددها من أخطار. وأشار الى ضرورة تعميم روح الوحدة الإسلامية بين أفراد المجتمع، ولو اختلفت الاجتهادات بين الفرق الإسلامية وتباينت. ومبدأ الحوار الذي شدد عليه السلمان، كان من وجهة نظره عماد ملتقى الحوار الوطني في مكةالمكرمة، معتبراً أن الدولة "تبنت الحوار كخيار لحل المشكلات والإشكالات التي نعيشها في البلاد". ورأى ان ذلك جعل انطلاقة الحوار الوطني "موفقة، اتسمت بالجدية في السعي من أجل الإصلاح وبناء الوحدة الوطنية والتماسك للوطن". وهذه النظرة المتفائلة بالحوار الوطني من السلمان، لم تثنه عن الاشارة إلى نقاط، يرى أهميتها من أجل تفعيل كل الحوارات ونجاحها: ضرورة تحديد الهدف، والانطلاق من المشتركات، وأن يكون الحوار جماهيرياً، ثم استمراريته. واعتبر السلمان أن الوحدة الوطنية من أهم الأهداف التي يجب أن يتبناها الجميع، داعياً إلى مساهمتهم في صنع هذه الوحدة، متخذاً من التاريخ السابق لمنطقة الإحساء نموذجاً للتآخي واللحمة الوطنية. أما محاضرة الدكتور محمد علي الهرفي، فكانت في إثنينية الشيخ حسن النمر، في مدينة الدمام وعرض فيها في شكل مفصل اتجاهات الصحافة السعودية حيال موضوع "الحوار الوطني"، وكذلك آراء الكتاب والمثقفين السعوديين، بما فيها المتحفظة عن الحوار، متطرقاً في الوقت ذاته الى مواضيع التعليم، والمرأة، والمناهج الدراسية، والمشاركة السياسية، وحرية الرأي، وتكوين مؤسسات المجتمع المدني، والانتخابات المباشرة لأعضاء مجلس الشورى. وعبر عن اهمية الإصلاح من الداخل، وأن يكون الحوار قائماً على الاحترام المتبادل بين كل الأطراف، مستعرضاً وجهة النظر التي تؤكد متطلبات حرية التعبير. محمد محفوظ، وقينان الغامدي، وخالد الدخيل، وزياد الدريس، من أهم الأسماء التي ركز عليها الهرفي في استعراضه للصحافة السعودية والحوار الوطني، بوصفها قدمت ملاحظات ووجهات نظر يجب تأملها وتفعيلها. واعتبر الهرفي أن معظم من كتبوا عن الحوار الوطني، كانوا من المؤيدين له، وكثيرين منهم أثنوا على تنوع المشاركين، وصراحة بعضهم وجرأته. وأشار الهرفي الى من تحفظوا عن الأسماء المشاركة في الحوار، وعدم وجود "آليات حقيقية" لتنفيذ ما خرج به من توصيات، ما جعل كثيرين من الكتاب يتساءلون عن المدى الزمني، والآليات التي يمكن من خلالها تجسيد الإصلاحات على أرض الواقع. كما تطرق الهرفي الى مطالبة بعضهم بأن يكون الحوار علنياً ويبث على الهواء مباشرة، كون قضاياه تمس المواطن السعودي وتعنيه مباشرة. وأجاب عن مداخلات الحضور التي ركز معظمها على التساؤل عن جدية الحوار، وجدية تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية، فيما البعض الآخر تساءل عن المدى الزمني للإصلاح. إجابة الهرفي جاءت موضحة وجهة النظر التي يتبناها، وفحواها أن الدولة جدية في عملية الإصلاح والتغيير، داعياً إلى التطبيق الفوري للإصلاحات التي لا تحتاج لمدى زمني، كالحد من إهدار المال العام، وحذف ما يسيء إلى الآخرين في مناهج التعليم، وتعميم ثقافة الحوار، ونشرها بين الناس، والمشاركة في اللقاءات والندوات الشعبية التي يعتبرها نواة أولية لتشكيل رأي عام شعبي مؤيد للاصلاح.