"روسيا للروس" ربما كانت هذه آخر صيحة سمعتها خورشيدة الطفلة الطاجيكية، إبنة التسعة اعوام، قبل ان يقوم متطرفون قوميون بتمزيق جسدها أمام عيني والدها الذي نجا باعجوبة من رقصة الموت التي روعت روسيا قبل ايام. وسلّطت الجريمة الضوء على تصاعد خطر الفاشيين الجدد وسط تزايد الانتقادات بسبب تستر الاجهزة الامنية على نشاطهم. الحادث الذي وقع في عاصمة الثقافة الروسية سان بطرسبورغ ليس الاول من نوعه، اذ سبقته سلسلة هجمات مماثلة استهدفت اطفالاً جريمتهم انهم "جنوبيون و"غرباء"، حسب قاموس النازيين الجدد، لكن الوحشية التي رافقت الهجوم الاخير أصابت كثيرين بالذعر، فقد انقض نحو عشرة شبان تسلحوا بالعصي والسكاكين والسلاسل الحديد ومارسوا رقصة الموت اعتبرها سياسيون "عودة بروسيا الى القرون الوسطى" اذ انتمى الهجوم وسط بحر من الدماء مخلفاً صدى صيحات "المنتصرين" الذين ذكّروا بأن "روسيا للروس وحدهم وعلى الغرباء الرحيل". عثر الاطباء على 11 طعنة في جسد خورشيدة اضافة الى عشرات الركلات والكدمات في انحاء مختلفة. والغريب ان جهات في الاجهزة الامنية سارعت الى نفي التهمة عن المتعصبين القوميين واعتبرت الحادث "جريمة عادية نفّذها سكارى"، لكن فظاعة الجريمة اجبرت عديدين على الاعتراف بأن بطرسبورغ غدت عاصمة للتطرّف بعد سلسلة من العمليات المماثلة اسفر ابرزها قبل شهور عن مقتل طفلة في السادسة من عمرها فيما كاد هجوم آخر ان يتحول الى مذبحة عندما اعتدى المتطرفون على مجموعة من الاطفال العراقيين زارت عاصمة الشمال الروسي ضمن برنامج انساني. وكانت الانتقادات تزايدت بسبب تستّر السلطات على نشاط الفاشيين الجدد وفي كثير من الحالات لا يتدخل رجال الشرطة خلال "المعركة" ولا يسفر التحقيق عن اعتقال مشتبه بهم، لكن الاسوأ من ذلك ان مراكز دراسات الرأي العام سجلت تحولاً وصف بأنه "كارثي" في المزاج الشعبي ازاء اعمال التطرف اذ دلّت استطلاعات الرأي الى ان نصف سكان بطرسبورغ لا يدينون قتل الجنوبيين بل ان ثلثهم يؤيد صراحة نشاط المنظمات الفاشية. وعلى المستوى الفيديرالي، واقل من خمس الروس يعتبر شعار "روسيا للروس" فاشياً. ويعتبر كثيرون ان العمليات الارهابية التي وقعت في روسيا شحذت مشاعر التطرف القومي. ويلفت البعض الى ان غالبية الروس تحمّل اصحاب السحنة السوداء القوقازيين وابناء آسيا الوسطى مسؤولية كل مآسي روسيا. وبعد التفجير الدموي الاخير في مترو انفاق موسكو اظهر استطلاع للرأي ان ثلثي الروس يؤيدون طرد الاجانب وفرض اجراءات صارمة على انظمة التأشيرات والاقامة. وكان تصاعد النشاط الارهابي أشعل موجة كراهية ضد السود وغدا كل قوقازي "ارهابي حتى يثبت العكس" في نظر كثيرين. ولفت مدافعون عن حقوق الانسان الى الدور الاساسي الذي لعبته وسائل الاعلام الروسية في تأجيج المشاعر، فبعد كل عملية انتحارية توجه أصابع الاتهام الى "كل اسود"، وبعد عملية التفجير الاخيرة حضّت وسائل اعلام واسعة الانتشار الروس على عدم الاعتماد على رجال الشرطة لضمان امنهم واعتبرت ان على كل مواطن روسي ان يرتاب في كل "قوقازي يحمل حقيبة" وان يحذر من أي "رجل تملأ وجهه القاذورات او سيدة تخفي رأسها بغطاء".