دخل عالم التداولات المالية الاسلامية المجال الاقتصادي في السبعينات، وشكلت حرب حزيران يونيو 1967 بداية المسعى الجاد نحو بناء نظام اقتصادي ومالي يقف بوجه غزو النظام الاقتصادي الغربي لمنطقتنا. كما جاء تأسيس منظمة مؤتمر الدول الاسلامية في العام 1970 ليعيد مبادئ الاسلام الاقتصادية الى حيز الوجود ويدخلها في جدول اعماله، حيث تقرر خلال قمة الدول الاسلامية المنعقدة في لاهور العام 1974، وفي فترة ارتفاع اسعار النفط الكبيرة، إنشاء المصرف الاسلامي للتنمية الذي اتخذ من جدة مقراً له. كما تأسس في العام 1975مصرف دبي الاسلامي فكان أول مصرف اسلامي، كما نشأت جمعية دولية للمصارف الاسلامية لغرض تحديد المعايير المشتركة التي تعمل عليها هذه المصارف. ولعل المصارف والشركات الإسلامية قدمت الكثير من الحلول للمشكلة الاقتصادية لا سيما في مجالي التداول والاستثمار، على رغم أنها بدأت مسيرتها منذ عهد قريب، وصادفت عقبات ومصاعب كثيرة. لكن المحاولة جاءت على طريق ايجاد سبل لاستثمار الأموال بطرق مشروعة تقوم على أساس نظام المعاملات في الاسلام، وأبرز هذه السبل ما اصطلح على تسميته ب"بيع المرابحة للآمر بالشراء". واختلف المؤلفون والباحثون والعلماء على هذا النظام، لكن معظم المصارف والشركات الاسلامية أخذت بنظام هذا العقد وتعاملت به وفق شروط وضوابط مستندة في ذلك على رأي العلماء الذين أجازوه. وكي يتعرف القارئ الكريم عن قرب على المعاني والالفاظ التي يتم تداولها اثناء الحديث عن المصارف الاسلامية والانظمة الخاصة بها، نلقي الضوء هنا على بعض هذه المصطلحات، ومنها البيع الذي يعني في اللغة والاصطلاح مقابلة شيء بشيء بمعنى المبادلة المطلقة، وهو من أسماء الاضداد أي التي تطلق على الشيء وعلى ضده، اي تطلق على معنى البيع والشراء في آن واحد، كما ورد في سورة يوسف "وشروه بثمن بخس" والمعنى يراد به باعوه، ومنه بيع المقايضة كبيع الحنطة مقابل التمر. ويقسم البيع المطلق الى بيع المرابحة بمعنى النماء في التجارة والربح فيها، وهو مبادلة المبيع بمثل ثمنه وزيادة ربح معين تقوم على أساس معرفة الثمن الأول وزيادة ربح عليه، وبيع التولية وهو المبادلة بمثل ثمن الشيء من غير زيادة ولا نقصان، وبيع الوضيعة وهو المبادلة بمثل ثمن الشيء مع نقصان شيء منه، ثم بيع المساومة وهو مبادلة الشيء على ما يتراضى عليه المتعاقدان على البيع. و يرى الفقهاء أن بيع المرابحة جائز شرعاً ولا شائبة عليه، فصورته أن يقول البائع للمشتري أبيعك هذه السلعة التي اشتريتها بمئة درهم وأربح عشرة، كما أن بيع المساومة هو الآخر معلوم، إذ يقول البائع للمشتري ابيعك بمئة وعشرة، فكلا الثمنين متساو ومعلوم للمشتري، وهو في النهاية تجارة عن تراض، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام "انما البيع عن تراض". وقد شاع مصطلح بيع المرابحة للآمر بالشراء لدى البنوك الاسلامية والشركات التي تتعامل وفق أحكام الشريعة الاسلامية، وصارت هذه المعاملة من أكثر ما تتعامل به البنوك الاسلامية شيوعاً، وهو مصطلح حديث العهد رغم انه كان مذكوراً لدى العلماء الذين تحدثوا عن هذا الجانب ولكن بتسميات مختلفة. تتلخص الفكرة بأن يتقدم العميل الى المصرف طالباً منه شراء السلعة المطلوبة بالوصف الذي يحدده، وعلى أساس الوعد منه بشراء تلك السلعة فعلاً مرابحة بالنسبة التي يتفقان عليها ويدفع الثمن مقسطاً حسب امكاناته، قيام البنك بتنفيذ طلب المتعاقد معه على أساس شراء الأول ما يطلبه الثاني بالنقد الذي يدفعه البنك - كلياً أو جزئياً - وذلك في مقابل التزام الطالب بشراء ما طلبه وحسب الربح المتفق عليه عند الابتداء. وتستخدم المصارف الاسلامية لغرض إتمام عمليات البيع والشراء ما يسمى بوعد الشراء من العميل للمصرف ووعد بالبيع من المصرف للعميل، وهذه العملية تسمى المواعدة حيث توقع المصارف الاسلامية مع عملائها على وثيقة "وعد بالشراء". بيع المرابحة عموماً، فإن المصارف الاسلامية تتعامل بصور عدة في تعاملاتها المصرفية، ويبقى من اكثرها تداولاً واستعمالاً بيع المرابحة. ولتوضيح هذه الصورة، فإن أي شخص بإمكانه أن يطلب من المصرف الاسلامي شراء أجهزة معينة لمشروعه الاقتصادي، فيوافق المصرف على عملية الشراء مقابل ربح معين يتم الاتفاق عليه يسدد بالأجل. لكن البيع لا ينعقد إلا بعد أن يشتري المصرف الأجهزة المذكورة ويحوزها بالفعل، حتى يكون البيع لما ملكه بالفعل أيضاً، حيث يتحمل المصرف الاسلامي مسؤولية شراء الأجهزة وشحنها وتحمل مخاطرها على ضمانته، ويتحمل كذلك تبعة أي عيب يظهر فيها. ولكن المصارف تخشى أحياناً من أن تشتري ما يطلبه العميل ثم يخلف وعده معها، ولذلك يتم تنظيم وثيقة المواعدة بالشراء بين الطرفين، وذلك لان المصرف قد لا يجد من يشتري الاجهزة، أو ربما تتحقق عملية البيع بعد مدة طويلة، فتتعطل الاموال وبالتالي سيتضرر المستثمرون الذين أودعوا اموالهم في المصارف. وتجدر الاشارة هنا الى أن وثيقة الوعد ملزمة للطرفين المتعاقدين العميل والمصرف. وقال الدكتور يوسف القرضاوي بهذا الخصوص ان هناك وعدين في حقيقة الامر: وعد بالشراء من قبل العميل وهو الآمر بالشراء ووعد من المصرف بالبيع بطريقة المرابحة أي بزيادة ربح معين المقدار أو النسبة على ثمن الأجهزة، وهذا هو معنى كلمة المرابحة. التطورات في عالم المصارف الاسلامية وحدثت في الآونة الأخيرة جملة من التطورات البالغة الأهمية بالنسبة الى الصناعة المصرفية الإسلامية في المنطقة، فقد تمت عملية اندماج وإعادة هيكلة للعديد من المؤسسات المالية الإسلامية في محاولة لمواجهة تحديات العولمة، مثل الاندماج بين مصرف فيصل الإسلامي بالبحرين والشركة الإسلامية للاستثمارالخليجي، ونتج عنهما مصرف البحرين الشامل. كما تأسست شركة البركة القابضة برأسمال مقداره 560 مليون دولار تدير حوالي 25 مصرفاً إسلامياً، كما تمت زيادة رأسمال أول المصارف الإسلامية بنك دبي الإسلامي الى أكثر من 270 مليون دولار، ووصل رأسمال أحدث المؤسسات المصرفية الإسلامية تأسيساً مصرف أبوظبي الإسلامي الى بليون درهم إماراتي. لقد اتجهت المصارف الإسلامية نحو توظيف السيولة الكبيرة لدى هذه المصارف العالمية، وتوسيع قاعدة سوقها، وزيادة خدماتها المالية والاستثمارية، وذلك من خلال تأسيس المحافظ الاستثمارية المحلية وصناديق الاستثمار في الأسهم العالمية. واستطاع مصرف أبوظبي الإسلامي أن يطرح للمرة الأولى في منطقة الخليج صندوقاً إسلامياً "صندوق هلال" لتوزيع الاصول. ودخل كثير من المصارف الإسلامية هذا المجال، وبرزت الشراكات مثل شراكة "إسلام آي آيو" وهي أول مؤسسة إسلامية في مجال الإدارة المالية وتقديم خدمات التمويل والاستثمار، لا سيما شراء الأوراق المالية الإسلامية وبيعها في الأسواق الأميركية، حيث ان لديها فرصة تصفح الاسهم لأكثر من 6 آلاف من الشركات المشتركة المدرجة في الأسواق الأميركية، ودراسة مدى ملاءمتها للاستثمار الإسلامي، وتمكين العملاء من الاستثمار في المجالات التي يرغبون بها. وتجدر الاشارة هنا الى أن عدداً من المصارف غير الاسلامية يتجه اليوم للتحول إلى نظام المصارف إلاسلامية، فقد قام مصرف الجزيرة السعودي بإجراءات التحول إلى مصرف إسلامي، لا سيما بعد النجاح الذي حققه في عملياته الاستثمارية. كما يحضّر بنك الشارقة الوطني في دولة الامارات العربية المتحدة لاجراءات التحول إلى مصرف إسلامي. الحقيقة ان الاهتمام بدراسة تجارب المصارف الاسلامية تتزايد في الفترة الاخيرة من قبل المراكز العلمية والجامعات، مثل جامعة أم درمان الإسلامية الرائدة في مجال المصارف والاقتصاد الإسلامي، وتُعد أول مؤسسة جامعية في العالم تنشئ قسماً للاقتصاد الإسلامي منذ 1968، إذ تمنح درجات علمية، وتنظم دورات في مجالات الصيرفة والمالية. وفي المملكة العربية السعودية أقيم مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، وأسست جامعة الملك عبدالعزيز مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، وهناك الجامعة الاسلامية في الرياض، والجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا. وهناك مصارف عالمية عريقة تقدم خدمات مصرفية إسلامية، مثل مجموعة "هونغ كونغشنغهاي المصرفية" إتش. إس. بي. سي. و"شيس مانهاتن سيتي بنك"، والبنك الأهلي التجاري السعودي، والبنك السعودي الهولندي، و"ميي بنك" الماليزي. فضلاً عن المنتديات والمؤتمرات التي تقام برعاية البنك الإسلامي للتنمية بجدة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، واتحاد المصارف الإسلامية، والبنوك في السودان وباكستان والبحرينوماليزيا، وبعض المعاهد المتخصصة في بريطانيا. الخدمات المصرفية تمثل الخدمات المصرفية الأساس في أي عمل مصرفي في البنوك، ولهذا فإن البنوك الإسلامية تحرص شديد الحرص على هذا المجال، حيث أنها تبتعد عن تقديم أي فوائد أو عمولات على عملياتها، ومن أبرز خدماتها المصرفية قبول الودائع الادخارية والحسابات الجارية ووديعة الاستثمار وهي الاتفاق مع البنك على المضاربة وفق نسبة من الربح متفق عليها مسبقاً كما في صناديق الاستثمار. ويقوم البنك الإسلامي بدور الوسيط بين العميل والشركات المستثمرة، وإيداع الوثائق والمستندات، كما تعتبر عمليات التحصيل من الخدمات التي يقوم بها البنك نيابة عن العملاء الكمبيالة/السندات/ الشيكات. ويقدم البنك الاسلامي كذلك خدمة فتح الاعتماد التي تعتبر من الأمور المهمة في التجارة الخارجية عند القيام بعملية التصدير أوالاستيراد، ويمثل خطاب الضمان تعهداً من البنك بقبول دفع المبالغ عندما يريد العميل الدخول في مناقصات عامة. أما في ما يخص التحويلات المصرفية فإنها من الخدمات التي تقدمها البنوك الاسلامية لعملائها، وهناك خدمة حديثة تقدمها هذه البنوك وهي خدمة إدارة الممتلكات التي تحقق مصلحة مزدوجة للبنك والعميل. التحديات تواجه المصارف الاسلامية جملة من التحديات منها عملية التكَيُّف مع البيئة الخارجية التي تتجه نحو عولمة الاقتصاد. ويبدو أن نجاح عمليات الاندماج والسوق المالية الإسلامية الدولية، وتطبيق معايير الرقابة والمحاسبة الإسلامية سيساهمان بإيجابية في التكيف السليم من دون خسائر. كما أن المنافسة مع المصارف التقليدية تعد هي الاخرى من التحديات التي تواجهها المصارف الاسلامية، وهذا يتطلب تحسين مستوى إدارتها وعملياتها الفنية، لأن المصارف الاسلامية اصبحت اليوم أوعية لتلقي الأموال مع الضعف في استثمارها، ويتطلب الامر ان تكون المصارف الاسلامية قادرة على تحمل المخاطر من خلال الكفاءة المالية والجدارة الائتمانية واستخدام أفضل الوسائل لإدارة مخاطر الائتمان وتقلبات الأسعار في الأسواق. إن أبرز المشاكل التي تواجه المصارف الإسلامية هي أن معاملاتها المصرفية صغيرة الحجم والاستثمارات فيها قليلة، كما ان هناك ندرة في الكوادر المتخصصة في هذا المجال، ولذلك بادر الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية بإنشاء المعهد الدولي للبنوك والاقتصاد الإسلامي في قبرص التركية لتخريج كوادر مهنية مدربة، وكان من أهدافه إعداد متخصصين في العمل المصرفي الإسلامي. وعلى مستوى كل بنك هناك محاولات لإنشاء إدارات لتدريب العاملين. ومن التحديات الأخرى أيضاً عدم وجود هيئة إشرافية تدعم البنوك والشركات الإسلامية بالأساليب العلمية والعملية لحل المشكلات الميدانية ذات الصلة بالعمل المصرفي الإسلامي. ولغرض مواجهة هذه التحديات لا بد من الادارة السليمة للمخاطر على ضوء المعايير الدولية، والتكتل والاندماج، وايجاد النظم القانونية والضريبية المناسبة، وكذلك النظم الاشرافية والرقابية المناسبة، وتطوير اسواق المال الاسلامية، والتوعية الدولية بالصيرفة الاسلامية، والاستثمار في مجالات الأبحاث والتطوير.