حينما قال الرئيس الأميركي جورج بوش ان الأولوية عند إدارته هي للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وأن على سورية ان تنتظر، اوحى بأن ثمة تحركاً جدياً نحو العودة الى العملية السياسية بين تل ابيب ورام الله، وأن الإدارة الأميركية تريد عزل دمشق عن التأثير في التفاوض على المسار الفلسطيني. وقبلها، في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، بعيد انتخابه لولاية ثانية، تظاهر بوش امام رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بأنه يتجاوب معه في الدعوة الى تحريك عملية السلام على المسار الفلسطيني، وفي اقتراح عقد مؤتمر دولي حول السلام الفلسطيني - الإسرائيلي. ومع وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، اخذت كلمة"فرصة"تسري كالنار في الهشيم، بين الدول الغربية وفي الإعلام الغربي والعربي، في اشارة الى ان غيابه أزال عقبة من امام السلام، يفترض بالجميع الإفادة منها للعودة الى العملية السياسية. واقع الأمر ان بوش كان لحظة انتخابه ابعد ما يكون عن استعادة دور متوازن لبلاده ولو شكلياً في ازمة المنطقة المركزية، اي القضية الفلسطينية. فهو كان جدد ولايته بأصوات الناخبين الذين ينتمون الى تيار هو اكثر تشدداً من اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة، في دعم اسرائيل، وهو تيار اليمين المسيحي الذي يضم المسيحيين الجدد المؤمنين بوجوب سيادة الإسرائيليين على الأراضي الفلسطينية. إلا ان بوش اظهر"التجاوب"مع بلير لأنه اخذ يحتاج الى التقارب مع اوروبا حول العراق، ليأخذ منها تساهلاً مع سياسته في العراق كما حصل في مؤتمر شرم الشيخ في شهر تشرين الثاني. اما بلير فقد اطلق دعوته الى المؤتمر الدولي، ومطالبته بوش بأن يعطي الأولوية للسلام الفلسطيني - الإسرائيلي، لأسباب انتخابية. فأحد المآخذ عليه في حزب"العمل"انه ملتحق كلياً بالسياسة الأميركية على حساب علاقات بريطانيا الأوروبية، وأن ما يعتبره"اخطاء"في السياسة الأميركية، لا يجاهر بانتقاده حينما يتعارض مع السياسة البريطانية، لا سيما بالنسبة الى القضية الفلسطينية. وأمام بلير معركة انتخابية بعد اشهر لتجديد ولايته هو الآخر، وأحد التحديات امامه ان يثبت امام البريطانيين انه يتمايز بموقفه عن إدارة بوش. لم يكن تظاهر بوش بإعطاء الأولوية للسلام الفلسطيني - الإسرائيلي صادراً عن قناعة بوجوب تغيير السياسة التي اتبعت في عهده المنصرم، والتي تماثلت كلياً مع سياسة آرييل شارون القاضية بتدمير المؤسسات السياسية الفلسطينية للحؤول دون قيام كيان فلسطيني. ولم تكن دعوة بلير الى مؤتمر دولي تهدف الى تعديل في توجهات واشنطن. ما شهدناه وما سنشهده هو تكرار لمشهد ممل يقضي بإلهاء العالم العربي والفلسطينيين بالإصلاحات الفلسطينية والداخلية، وبعملية ضبط الأمن ونزع سلاح"حماس"والجهاد الإسلامي"، مضافاً إليها هذه المرة إغراءات مالية كبيرة للفلسطينيين، في مقابل الاكتفاء بصيغة الانسحاب الإسرائيلي المرتقب من غزة... فقط لا غير. والتكرار الممل سيشمل المراهنة على حرب اهلية فلسطينية، وعلى ان يخوض رئيس منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس و"فتح"مواجهة مع التنظيمات الفلسطينية الأخرى، فإذا كانت الوحدة الفلسطينية اقوى من هذه المراهنة صعّد شارون عمليات الاغتيالات والاجتياحات تحت شعار محاربة الإرهاب. وفي التكرار الممل للمشهد السابق سنرى مجدداً ان لا واشنطن ولا تل ابيب ستعطيان ابو مازن ما يتسلح به ليطلب من"فتح"والمنظمات الفلسطينية اي تجاوب مع الهدنة، كما حصل قبل بضعة اشهر، عندما اعترف مسؤولون اسرائيليون بأن القيادة الإسرائيلية لم تتجاوب مع ما يعطي عباس صدقية، للدعوة الى وقف العنف وتسريع الإصلاحات... وهو ما سبب استقالته في حينها، وخلافه مع عرفات... وستكون الحجة انه يجب اعطاء الوقت لشارون كي يرتب اوضاعه الداخلية، لتغطية انسحابه من غزة، الذي بات الأساس الذي تبني عليه واشنطن سياستها الفلسطينية.