حين يكون التاريخ الشعريّ لأمّةٍ أربعةَ عشرَ قرناً تاريخ الشعر العربي، فإنّ إعادة النظر الراديكالية الشاملة تغدو مستبعَدةً بصورةٍ ما. وفي أمّةٍ تُقارِبُنا، في هذا السياق، مثل اليابان، ظلّت الأشكال الموروثة كالهايكو فعّالةً حتى اليوم، ولم تستطع محاولات التحديث المستمرة أن تكون ذاتَ يدٍ عُليا. من هنا، نقدِّرُ ضخامةَ فِعلِ التحويل الذي أنجزه بدرٌ. هل كان لتلاوين المقتَرَح الشعري العربي المعاصر أن تتّخذَ هذا الغنى الذي نشهده اليومَ لولا فِعلُ الساحرِ الذي حوّلَ المجرى إلى الأبد؟ ليس في الإمكان مقارنة حركة التحديث في الشعر العربي، بالتحديث في الشعر الأميركي أو حتى الفرنسي، فهذان لا يتوافرُ لديهما الزمنُ الشعري الممتدُّ لدينا، أساساً، كما أن ديناميكية الحياة الثقافية في أميركا وفرنسا، على سبيل المثال، تجعلُ التجريبَ والتغييرَ ممكنينِ، ولازمينِ أحياناً"بينما سكونيةُ المجتمع العربي تقف عائقاً فعلياً أمام أي تغييرٍ، في الثقافة والسياسة. إذاً، كان يتعيّنُ على بدر شاكر السياب، أن يكون راديكالياً على جبهتينِ: السياسة والثقافة، كي يتحققَ على يديه، تحويلُ المَجرى. مستحيلٌ أن تكون محافظاً في الفن، وراديكالياً في السياسة، في آنٍ. ومستحيلٌ أن تكون محافظاً في السياسة، وراديكالياً في الفن، في آنٍ. لقد تعرَّضَ بدرٌ للسجن والنفي... لكنه أطلقَ الشرارةَ التي اندفعتْ مَشاعلَ!