اذا كانت السينما الأميركية بدت، دائماً، من اكثر سينمات العالم اهتماماً بالرؤساء، الى درجة ان في الإمكان احصاء عدد مدهش من الأفلام الهوليوودية التي تتخذ من شخصية الرئيس محوراً لها، فإن الكثير من السينمات الأخرى في العالم، تناولت بدورها الرؤساء... بل ان هذا التناول كان سمة اساسية من سمات الفن السابع منذ بداياته، إذ انه يمكن القول ان كل الزعماء والرؤساء، من ابناء عصر السينما - القرن العشرين - كما من اولئك الذين ظهروا على مدى التاريخ، فراعنة وملوكاً وسلاطين وغيرهم، ثمة افلام تحاول ان تتحدث عنهم، ناجحة في ذلك احياناً، فاشلة في احيان اخرى، وبين بين في احوال ثالثة. وفي القرن العشرين، تناولت السينما معظم الرؤساء وكبار القادة... خصوصاً ان بعض هؤلاء، بمن فيهم لينين وهتلر، وحتى فرنسوا ميتران الذي أنجز في فرنسا اخيراً فيلم يستعرض ايامه الأخيرة، سيعرض، وسط سجال صاخب، خلال الشهرين المقبلين - ادركوا باكراً، وكل على طريقته اهمية فن السينما. ونعرف في هذا الإطار ان ثمة افلاماً حققت عن لينين، ثم عن ستالين في حياتهما. كما ان هتلر ظهر في الكثير من الأفلام... لكننا نعرف ان الأفلام التي حققت ضد الديكتاتور النازي كانت اكثر بكثير من الأفلام التي حققت بشكل ايجابي عنه. وإذا كان آخر فيلم ألماني عن هتلر حقق حتى الآن، أثار خلال الشهور السابقة جدلاً كبيراً، فإن الفيلم الأفضل عن الزعيم النازي، يظل واحداً حقق خلال حياته، ولم يشر إليه بالاسم، وهو طبعاً فيلم "الديكتاتور" لتشارلي شابلن، الذي سخر من هتلر سخرية حادة، ولا يزال يعتبر الى اليوم مرجعاً في مجاله وواحداً من افضل افلام السينما العالمية. ولا بد من ان نشير هنا الى غرابة تتعلق بهذا الفيلم، حيث انه هوجم في اميركا، قبل هزيمة النازيين، اكثر مما هوجم في اي مكان في العالم، وطالب كثر بمنع عرضه اواخر سنوات الأربعين بحجة انه فيلم... مناصر للشيوعية. والحال ان هذه الواقعة تكشف استشراء النازية في الكثير من الأوساط الأميركية، اكثر مما تكشف "شيوعية" شابلن المزعومة! وستالين بدوره حققت عنه افلام عدة جلّها مناصر له ممجد لسجاياه. ولكن بعض ما حقق عنه كان قاسياً في انتقاده لا سيما بعد رحيله ثم بعد انهيار المنظومة الاشتراكية. طبعاً ليس من السهل هنا احصاء كل الأفلام التي حققتها السينما عن كل الرؤساء والزعماء. من اللندي الى كاسترو وغيفارا، ومن شارل ديغول الى فرانكو ومانديلا وغيرهم. ولكن يمكن التوقف عربياً عند ظاهرة تمثل في شبه غياب هذا النوع من السينما، اللهم إلا في مصر حين حقق فيلمان عن جمال عبدالناصر وفيلم عن أنور السادات، وطبعاً بعد رحيلهما بسنوات... كما لوحظ ظهور خاطف لبعض الرؤساء والزعماء في افلام قليلة اخرى عرفات في فيلم لأوليفر ستون، مثلاً وإذا كان لنا ان نختتم هذا الكلام، فإنما نختمه في اشارة الى علاقة من نوع آخر بين واحد من قياديي القرن العشرين، هو ملك كمبوديا، المتنازل عن العرش قبل ايام لابنه، نورودون سيهانوك. فهو يشكل حالاً فريدة، إذ انه لم يظهر على الشاشة كممثل، او كشخصية في فيلم يحكي عن حياته، بل وقف، وعشرات المرات خلف الكاميرا... مخرجاً لأفلام كمبودية كتب لها السيناريو بنفسه، ونالت حظوة لدى شعبه. وغالبها يتألف من حكايات حب وميلودرامات مدرة للدموع. كما نختتم هذا الكلام اخيراً بالإشارة الى ان الديكتاتور العراقي المخلوع صدام حسين، آمن بدوره بالدور الدعائي والدوغمائي للسينما، ما جعله ينفق ملايين الدولارات على إقامة صناعة سينمائية في بغداد، وصلت الى "ذروتها" في فيلم يحكي جانباً اسطورياً من حكاية حياته بعنوان "الأيام الطويلة" وهو من اخراج المصري توفيق صالح ومثل دور صدام حسين فيه صدام آخر قريب له، التقطه توفيق صالح في شوارع تكريت وأسند إليه الدور... ليصبح بعد ذلك بسنوات، صهر الديكتاتور وأحد ضحاياه، إذ استدعاه مع شقيقه من عمان وأعدمهما. والغريب ان اهل الفن العربي يومها لم يوقعوا على اي بيان ينددون فيه بقتل "ممثل" عراقي شاب، غدراً.