الاعاقة لم تمنع امرأتين من التميّز في ميدان الرياضة، متحديّتين قدراتهما الجسدية المحدودة ونظرة المجتمع المتسمة بالشفقة. استعانتا بأطراف اصطناعية ودخلتا الى الملعب غير آبهتين للمخاطر التي قد تتعرضان لها. هيثير ايوازيوك بقيت سنوات تمارس هواية الهوكي على الجليد ومن ثم احترفتها، من دون ان يعرف احد انها مصابة بالإعاقة، وجوان لوكازيك خاضت اشرس المباريات جنباً الى جنب مع الرجال المتعافين. زوجة وأم ورياضية جوان لوكازيك، ابنة الخامسة والأربعين، خبأت طويلاً ما كانت تعتقده عاهة في جسمها بعد تعرضها لحادث مريع ادى الى بتر ساقيها. فهي كانت في السادسة عشرة من عمرها، رياضية من الدرجة الأولى. تحترف لعبة الهوكي على الجليد وتمارس اي نوع من الرياضة تصادفه... عندما كانت تساعد والديها في الحقل الزراعي الذي يملكانه. وكانت تعمل وحيدة على جرار زراعي في المزرعة العائلية عندما تعرض لحادث وانقلب جاعلاً ساقيها تعلقان بشفرتيه. وبقيت عشرين دقيقة تنزف في الحقل البعيد عن المنزل قبل ان تُسمع استغاثتها. فنقلت الى المستشفى وحالها في غاية الخطر، واعتبر الأطباء فيها انها في عداد الموتى طبياً. بترت ساقاها معاً، وبدأت تتعافى وهاجسها الوحيد هل تعود كما كانت من قبل. وكانت كلما سألت طبيبها هل تستطيع ان تلعب الهوكي على الجليد مجدداً، كان يقول لها: "اذا كان هناك اي عمل تريدين ان تقومي به حقاً ، فما من سبب قد يمنعك من تنفيذه". تحدّت نفسها واعاقتها منذ اللحظة الاولى، واضعة نصب عينيها الملعب فقط، وشعورها بالطيران عليه بفضل مزلاجيها. ولم تكد تمضي سنة واحدة على الحادث حتى كانت تعافت طبياً كلياً ، وعادت الى ممارسة نشاطها الرياضي السابق، على مهل اولاً ومن ثم بشكل مكثف جعلها تستعيد لياقتها البدنية السابقة. غابت عن الحلبات الرياضية لفترة وجيزة فقط كانت ضرورية لنقاهتها، ولتأقلمها مع طرفيها الاصطناعيين مشياً، ومن ثم تزحلقاً. فكانت ترهق نفسها، تكبت دموع ألمها، تعضّ على شفتيها منعاً للصراخ لكثرة الوجع، لكنها كانت تتزحلق ببراعة، مرة تلو الأخرى. وعادت تلعب مع فريقها العادي، من دون ان يكشف هذا الأخير عن اعاقتها لأي من زملائها على الملعب خوفاً من ان يستغل الفريق الخصم نقطة ضعفها في خلال المباريات لتسجيل نقاط لمصلحته. فكانت ترتدي السراويل الطويلة الواسعة وتهجم على خصومها كما زميلاتها "العاديات"... الى حد انها غابت عن الوعي مرتين بعد تلقيها ضربة على رأسها، كما ان ساقها الاصطناعية طارت من مكانها لشدة الضربة وتزحلقت بعيداً ووحيدة على الملعب، مما شكل صدمة مريعة لخصمها الذي كاد ان يفقد الوعي حين رأى ساقاً تنطلق وحدها مسرعة على الجليد. ولم تتلق جوان لوكازيك دعوة للاشتراك في مباراة خاصة بالمعوّقين الا في وقت لاحق. ففوجئت بعدما اكتشفت ان هناك رياضيين مثلها يعانون من اعاقات مختلفة وقد تغلبوا عليها بأقصى جهدهم. وهي بعدما نجحت في التحدي الرياضي، قررت ان تعود الى مقاعد الجامعة. فحازت على اجازة في المحاسبة وبقيت تلعب الهوكي على الجليد، باثة حب هذه الرياضة وشغفها في قلب ابنها، ابن السابعة عشرة الذي يلعب في فريق ميشيغان الرسمي للهوكي والذي فاز بالمباريات الوطنية للولاية. وهي تقول لكل من هو في حالها، أكان امرأة ام رجلاً: "حاربوا من اجل ما تريدون. لا تدعوا احداً يحطم احلامكم". تتزحلق بقدم واحدة هيثير ايوازيوك تلميذة في السابعة عشرة من عمرها، تملأها الحيوية ويكاد جسمها النحيل لا يحتويها. كانت تستيقظ صباحاً وتهرع لملاقاة زملائها في ثانوية "سان بول" في مينيسوتا، لا سيما منهم من يشاركها شغفها في التزحلق على الجليد وخوض مباريات الهوكي. وهي لا تكاد تنهي دروسها وواجباتها المدرسية حتى تهرع الى الملعب الخاص بتلك الرياضة لإجراء التمرين تلو الآخر. فهي ولدت بقدم تعاني من سوء خلق، وسريعاً ما نشأت لديها مشكلات صحية عدة ادت الى بتر ساقها فيما لم يكن عمرها تعدى الأشهر الستة. واجريت لها جراحة عاجلة اسفرت عن تزويدها بطرف اصطناعي هو بمثابة القدم التي ارتكزت عليها للتزحلق على الجليد كما شقيقها ووالدها، ربما حتى قبل ان تتعلم المشي. فهما يهويان مباريات الهوكي على الجليد ويبرعان بها، مما دفعها الى حذو حذوهما متحولة لاعبة بارعة بدورها ابتداء من الصف الرابع الابتدائي. وقد شجعها والداها على ممارسة هذه الرياضة، اذ كانا يحثانها دائماً على تقرير ما يمكنها ان تقوم به وما تعجز عنه، مرددين على مسمعها: يمكنك ان تفعلي ما تريدين". وقد بدأت تمارس رياضة كرة المضرب في عمر المراهقة، مما شكل صدمة ايجابية لكل من عرفها. وباتت ماهرة في كل الأنواع الرياضية التي تخوضها، من دون ان تقرر يوماً امتهانها او خوض الألعاب الأولمبية. وانتخبت اللاعبة "الأكثر قيمة" في المباريات التي خاضها الفريق الوطني الاميركي العام الماضي ضد الفريق الكندي. وهي ستتوجه الى الجامعة العام المقبل وتنوي دراسة الطب الرياضي، بهدف ان تتحول في ما بعد مدربة في الألعاب الأولمبية الخاصة بالمعوقين. صعوبة الهوكي والاعاقة حال جسدية قد تضرب أي كان في اي وقت. وهي حال تشمل نحو 43 مليون شخص في الولاياتالمتحدة الاميركية وحدها، بينهم 10 في المئة من الأولاد، و30 في المئة من المراهقين والشباب، ونحو 50 في المئة ممن هم فوق الخامسة والستين من العمر. وتقدم الولاياتالمتحدة ثماني جمعيات اساسية للمعوقين، ترتكز الى تشكيلة اللجنة الأولمبية الاميركية، وهي جمعية المعوقين للصم العام 1945، والجمعية الوطنية للمقعدين 1965، والجمعية الوطنية لرياضات المعوقين 1967، الجمعية الدولية للرياضات الأولمبية 1968، الجمعية الاميركية للرياضيين المكفوفين 1976، الجمعية الاميركية ل"بالسي الدماغ" 1978، جمعية "دوارف" الرياضية الاميركية 1986، الجمعية الاميركية للرياضيين الآخرين 1986. وقد أجريت المباريات الأولى للرياضيين المعوقين العام 1948 في مدينة "ستوك ماندفيل" في بريطانيا، حيث تبارى عدد من المقعدين لأول مرة في التاريخ. وبعد أربعة اعوام، اشتركت مجموعة من الرياضيين من هولندا في ما أطلق عليه في ما بعد اسم رياضة المقعدين. ونظّمت لأول مرة في روما، العام 1960 ألعاب أولمبية لرياضيين يعانون من اعاقة، بحيث اعتبرت الألعاب الاولمبية الأولى للمعوقين، باشتراك نحو 400 رياضي من 23 بلداً، ومن ضمن ثماني رياضات منوعة. وصارت هذه الألعاب تجرى في السنة نفسها التي تنظم فيها الألعاب الأولمبية "العادية"، قبل ان تضاف رياضات جديدة الى تلك التي يتبارى فيها المعوقون العام 1976 في تورونتو. وقد فوجئ العالم العام 1984 لدى ظهور رياضيين على كراسيهم النقالة خلال الألعاب الأولمبية الرسمية في لوس انجليس. وبعد اربعة اعوام فقط، دخل الرياضيون المعوقون التاريخ خلال الألعاب الأولمبية الصيفية في سيول حيث نظمت المباريات الأولمبية للمعوقين و"العاديين" في المكان والزمان نفسهما. اما رياضة الهوكي فهي من الرياضات الصعبة جداً التي تجعل الكثير من المعوّقين والمعوّقات يترددون امامها. وهي اصبحت اكثر شعبية وانتشاراً منذ ان سلطت وسائل الاعلام الأضواء على ديانا غولدن بروسنيهان التي فازت بالميدالية الذهب للتزلج في الألعاب الأولمبية للمعوّقين العام 1988. وماتت من جراء سرطان في العظم اصاب ساقها الثانية المتعافية في اعقاب عودتها الى وطنها... فيما لم تتعد الثامنة والثلاثين من عمرها. وهي اشتهرت بتزلجها على مزلاج واحد فقط.