كان جاد يجلس في الصف الأمامي لمسرح"سينما استرال"في بيروت. هو تلميذ في الصف الابتدائي الثاني، تلقى كما سائر رفاقه، دعوة من"مسرح الدمى اللبناني"لحضور عرض"كراكيب"الذي نظمته جمعية"خيال"للتربية والفنون، مساء الجمعة الماضي. جاد واحد من عشرات الذين توافدوا إلى المكان قبل بدء العرض بساعات"لمتابعة مسرحية بتضحك". في تلك الصالة المظلمة، استمع الأطفال إلى أغنية"شبابيك"للفنان اللبناني احمد قعبور، قبل أن يتابعوا حكايات أبطال المسرحية الخمسة. سلوم، الدمية يملك ألعاباً كثيرة لا تحصى، معتاد على تكسيرها ورميها من الشباك... يشبه سلوم الكثير من الأطفال في القاعة. يتفاعل الصغار معه، مدافعين عن تصرفاته بعبارات يطلقونها عالية، علها تصل إلى مسمع الممثلين. الأهالي بدورهم وجدوا في سلوم مثالاً عن أطفال"يقودهم الدلع المبالغ فيه إلى الاستهتار بقيمة الأشياء". على بعد خطوات قليلة من منزل سلوم المطلي بالأزرق والمليء بالألعاب، تقف سلمى. دمية أخرى، تملك مصباحاً فريداً اسمه لطفي، وجدته يوماً على شباك بيتها، زهري اللون وفرحت به كثيراً. سلمى نموذج يخاطب به المخرج وكاتب السيناريو كريم دكروب، مخيلة الأطفال... هي طفلة ذكية، غير مستهترة وتجيد الحفاظ على مقتنياتها. أم كراكيب وأبو كراكيب، عجوزان يعملان على تجميع الألعاب المرمية، تصليحها وإعادة توزيعها على شبابيك الأطفال. وايمن الدمية يظهر في مشهدين من المسرحية، ليساعد العجوزين في مهمتهما. الديكورات البسيطة، الإضاءة الخافتة، السيناريو المستمد من يوميات الصغار، وموسيقى قعبور وأغانيه الخاصة بالأطفال، هي ما اعتمد عليه المخرج لجذب الجمهور. إذ تكفي لحظات قليلة ليتحول المنزل إلى شجرة، تشق من وسطها كمغارة، ما أن يتلفظ سلوم بالكلمة السحرية. تقنيات العرض عنصر يجهل الأطفال تفاصيله وضرورياته، لكن المخرج اختار التنويع في عرضه ليضفي عليه حيوية ضرورية. يغيب المحرك الممثل الحقيقي خلف الحاجز متى استوجب العرض ظهور"دمية الكف"، كما في مشاهد قليلة. ويتحرك الممثل أمام أنظار الحاضرين، مسيراً أمامه الدمية بحسب تقنية"المحرك الظاهر"التي كان دكروب من أوائل مستخدميها في مسرح الدمى. الأطفال في الصالة كثيرون. يعرفون القليل عن مسرح الدمى، نشأته، تاريخه وأهدافه، إلا أن ذلك لم يخفف من تفاعلهم العفوي مع النجوم المتحركين على الخشبة أمامهم. تجاوبوا بصدق مع فصول القصة، فانطلقت أصواتهم الشبيهة بأصوات الصيصان المسجونين في قفص، لتوجه باندفاع وحماسة الإرشادات إلى الممثلين، وتجيب عن أسئلة يفترض أنها تدور في رأس الدمية. على خشبة المسرح غاب الممثلون الثلاثة رشاد زعيتر، وعد شبل وكاترين دكروب، خلف دماهم. تحولت الدمية إلى نجمة حقيقية. وضحى الممثلون الثلاثة بحبهم للظهور المباشر، ملبسين دماهم جزءاً من شخصياتهم الحقيقية. تجدر الإشارة إلى أن مخرج المسرحية خريج أكاديمية سان بطرسبورغ للفنون المسرحية / كلية فن الدمى، وعضو في الاتحاد العالمي لفن الدمى مقره فرنسا، وأستاذ مادة الدمى في الجامعة اللبنانية. وتعتبر فرقة"مسرح الدمى اللبناني"التي أسسها دكروب عام 6991، من الفرق الأولى المتخصصة في الدمى في العالم العربي.