- 1 - تميز رمضان تميز شهر رمضان المبارك عن بقية شهور السنة القمرية بأشياء كثيرة حيث امتاز من ناحية العبادات باعتباره شهر القرآن، وشهر الصوم عند المسلمين، واختص رمضان بعادات وتقاليد خاصة به، وتباينت العادات والتقاليد الحسنة من بلد إلى بلد، وتراكمت العادات مع مرور الزمن، واتساع رقعة العالم الإسلامي، وتنوع الأعراق والشعوب، وكانت البداية في المدينةالمنورة دار هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك حصلت في رمضان أحداث كثيرة فيها للمسلمين ذكرى وعبرة. - 2 - فرض الصوم بدأ الصوم عند المؤمنين قبل الإسلام عند أتباع الديانات السماوية، وجاء ذكر الصوم في القرآن الكريم في سورة مريم عليها السلام: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا سورة مريم، الآية: 26، ونذر الصوم ما زال ساري المفعول عند المسلمين، ويؤدونه خارج شهر رمضان، وأيام الأعياد. وبدأ الصيام عند المسلمين بصيام أيامٍ معدودات كان يختارها الصائم، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سورة البقرة، الآية: 183 - 184 وبعد ذلك فرض الله تعالى صوم شهر رمضان سنوياًّ على المسلمين ابتداءً من السنة الثانية بعد الهجرة. وصار الصوم ركنا من أركان الإسلام، وهذا مثبت في الحديث النبوي، ومنه ما أخرجه الإمام مسلم في الصحيح: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ _صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: _بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" ومنذ السنة الثانية للهجرة حتى الآن والعادات الرمضانية تتسع وتتطور ضمن ظرفيِّ الزمان والمكان. - 3 - صدقات رمضان للصدقات في رمضان مكانة رفيعة عند المسلمين، ومن مظاهر الصدقات موائد رمضان التي بدأت طبيعية في المدينةالمنورة، وشجع الإسلام على تصدُّق الأغنياء على الفقراء، وفُرضت كفارة الصوم بإطعام المساكين جزاء اليوم الذي يفطره من لم يصم، وربط بعض المسلمين موعد إخراج زكاة الأموال التي يحول عليها الحول بشهر رمضان، وفُرضت على المسلمين صدقة الفِطر، المفروضة على الصائم والمفطر، ويكون الإنفاق من متوسط ما يملكه الإنسان عملاً بقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ سورة البقرة، الآية: 215. وميعات هذه الصدقة قبل صلاة عيد الفطر. - 4 - الثامن عشر من شهر رمضان ولد سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه سنة 39 قبل الهجرة، وكانت وفاته في الثامن عشر من رمضان، سنة 21 ه/ الموافق 20 آب أغسطس سنة 642م، ودفن في مدينة حمص السورية، وبُني فوق ضريحه الجامع المعروف باسمه، وكنية خالد: أبو سليمان، وينتهي نسبه إلى مرة بن كعب بن لؤي الجد السابع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق" رضي الله عنه، وأبوه الوليد بن المغيرة المخزومي المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي المكي أحد سادات قريش في الجاهلية، وأم خالد هي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية أخت أم المؤمنين ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. - 5 - إسلام خالد بن الوليد أسلم خالد بن الوليد في شهر صفر سنة 8 ه/ حزيران يونيو سنة 629م، قبل فتح مكة بستة أشهر، وهاجر من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة مع عمرو بن العاص وعثمان بن طلحة، وعندما وصلوا إلى المدينة فرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامهم وهجرتهم، وقال: "رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها". - 6 - جهاده وبعدما أسلم خالد رضي الله عنه جاهد في غزوة مؤتة سنة 8 ه، ولما استشهد قادتها، نظم خالد انسحاب ما تبقى من الصحابة، فأثنى عليه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وسماه: سيف الله، وقال: "إن خالداً سيف سلّه الله على المشركين"، وشارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في فتح مكةالمكرمة، وفتح حنين، وفي السنة العاشرة أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر صاحب دومة الجندل، فأسره وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصالحه على الجزية. وجاهد خالد في عهد الخليفة الراشد الثاني أبي بكر الصديق في حروب الردّة ووقعة اليمامة سنة 11ه/ 632م، وانتصر على مسيلمة الكذاب ومن معه من المرتدين والمنافقين، وحرّر الحيرة العراقية من الفُرس المجوس في شهر المحرم سنة 12 ه/ 633م، ثم فتح الأنبار وعين التمر، ونزل على دومة الجندل. - 7 - معركة اليرموك في حوران وفي سنة 13 ه/634م أمره الخليفة أبو بكر بالتوجه إلى الشام سنة فخاض المعارك المظفّرة في قراقر، وتدمر، ومرج راهط، وبصرى الشام، ثم قاد موقعة اليرموك مع أبي عبيدة في خلافة عمر بن الخطاب، ثم فتح دمشق وحمص وقنسرين ومرعش، والعديد من المدن السورية، وحررها من قياصرة الروم، ثم أقام بقية حياته مرابطاً في مدينة حمص. ولما حضرته الوفاة، قال: "لقد شهدت كذا وكذا زحفاً، وما في جسمي موضع شبر، إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، وهاأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء". وروي أنه حبَّس فرسه وسلاحه كوَقْفٍ في سبيل الله. - 8 - فتح مكةالمكرمة خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المدينةالمنورة إلى فتح مكةالمكرمة في العاشر من رمضان من السنة الثامنة للهجرة فصام رسول الله، وصام المسلمون معه، حتى إذا بلغوا مكانا يسمى "الكديد" بين القديد وعسفان أفطر وأفطر المسلمون معه، ولم يزل مفطراً باقي الشهر حتى فتح مكةالمكرمة. وفي صباح يوم الأربعاء السابع عشر من شهر رمضان سنة 8ه/621م غادر رسول الله مرَّ الظهران إلى مكة، وقد أسلم أبو سفيان رضي الله عنه قبل فتح مكة، فقد خرج من مكة يستطلع الأخبار، ففوجئ بجيش المسلمين عند مكان يسمى "ثنية العقاب" قرب مكة، وأسرته قوة طليعة المسلمين، وفيها عمر بن الخطاب والعباس رضي الله عنها، وقد أردفه العباس خلفه على بغلته، وأدخله معه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي: "ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم ألا إله إلا الله؟"، فشرح الله قلب أبي سفيان للإسلام، وقال: "بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك، أمّا هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً"، فقال له العباس: "ويحك! أسلم واشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، قبل أن تُضرب عنقك" فأسلم أبو سفيان، ثم انطلق إلى قومه، وصرخ فيهم بأعلى صوته: "يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قِبَل لكم به، فمَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن". وبعدما تمَّ فتح مكةالمكرمة، في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك، نهض رسول الله، والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله، حتى دخل المسجد الحرام، فأقبل إلى الحجر الأسود، فاستلمه، ثم طاف حول البيت، وكان فيه ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل النبي يطعنها بالقوس، ويقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، والأصنام تتساقط على وجوهها، ودعا عثمان بن طلحة، فأخذ منه مفتاح الكعبة، فأمر بها ففتحت فدخلها، ثم صلى هناك، ثم دار في البيت، وكبر في نواحيه ووحد الله ثم فتح الباب، وقريش قد ملأت المسجد صفوفاً ينتظرون ماذا يصنع؟ فأخذ بعضادتي الباب، وهم تحته، فقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب"، ثم تلا هذه الآية يا أيها الناس إنا خلقنكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير، ثم قال: "يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل بكم"، قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: "فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته لا تثريب عليكم اليوم اذهبوا فأنتم الطلقاء"، ثم قال النبي: "أين عثمان بن طلحة ؟" فدعي له، فقال له: "هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم برّ ووفاء". وفي رواية ابن سعد في الطبقات أنه قال له حين دفع المفتاح إليه: "خذوها خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف". ولما كان الغد من يوم الفتح قام رسول الله في الناس خطيباً، وأثنى عليه ومجده بما هو أهله ثم قال في حديث أخرجه الإمام مسلم في الصحيح بسنده: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ، لا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا. وَقَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَتْحِ مَكَّةَ: إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلاّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلا يَلْتَقِطُ لُقْطَتَهُ إِلاّ مَنْ عَرَّفَهَا، وَلا يُخْتَلَى خَلاهَا. فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. فَقَالَ: إِلا الإِذْخِرَ".