أصدرت المفوضية العليا للانتخابات، قانوناً للانتخاب جعل العراق دائرة انتخابية واحدة معتمدةً نظام الاقتراع النسبي بحيث تحصل كل لائحة على نسبة مئوية من المقاعد تساوي نسبتها من الأصوات التي نالتها من مجموع اصوات المقترعين وتوزع المقاعد على المرشحين في اللوائح بحسب ترتيبهم. وفي قراءة دقيقة لتفاصيل القانون يتبين أنه يعاني خللاً في ثلاثة مكامن هي: - عدم تخصيص مقاعد للمحافظات. - وضع نصاب إبعاد غير مناسب. - عدم إعطاء الناخب حق المفاضلة بين المرشحين لترتيب الأسماء على اللوائح. وفي مراجعة لهذه النقاط يمكن التوصل الى الملاحظات الآتية: 1- عدم تخصيص مقاعد للمحافظات: ينص القانون على جعل العراق دائرة واحدة، ترشيحاً وتصويتاً واحتساباً للاصوات، ومن دون اللجوء الى تخصيص مقاعد للمحافظات. وهذا يعني ان هناك امكاناً عملياً لأن يكون مجلس النواب المنتخب مؤلفاً بأكثريته من نواب قد ينتمون الى منطقة واحدة فقط، او ان تنتمي غالبيته إلى عدد قليل من المحافظات، وقد تُحرم محافظات أخرى من أي تمثيل أو لا يأتي تمثيلها منسجماً مع عدد المقاعد التي حصلت عليها. وهذا يعني أيضاً ان مثل هذه البرلمانات تنطوي على مخاطر كبيرة تضر الى العملية السياسية المستقبلية في بلد مثل العراق، لا سيما انه لا يزال يعاني آثار النظام السابق المدمرة ونتائج الاحتلال الاميركي القائم. لأن عدم تخصيص مقاعد لكل من المحافظات يفتح الباب امام احتمال بأن يأتي المجلس الجديد بثقلٍ منتفخٍ لعرقٍ معينٍ، ما سيؤدي إلى طعنٍ بشرعية نتائج الانتخابات، وهو ما سيولِّد بدوره حالاً من عدم الاستقرار السياسي. وسبب هذه المخاوف عائد الى مراقبة واقع قائم الآن في المناطق العراقية. ذلك أنه يرجح أن تكون نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات عالية جداً في بعض محافظات الشمال ذات الكثافة الكردية بسبب استقلالها منذ العام1990 عن بقية مناطق العراق، وتراكم ثقافة انتخابية في ادارة العملية الانتخابية، ووجود لوائح انتخابية معدَّة من السلطة. يُضاف إلى ذلك الاستقرار الأمني الجدي مقارنة مع مناطق اخرى، ووحدة الموقف السياسي بين الأطراف السياسية الاساسية في تلك المنطقة. وفي المقابل نجد في مناطق عراقية اخرى، أن ثمة افتقاراً الى الشروط الضرورية لاجراء انتخابات ناجحة ثقافة انتخابية - استقرار امني - وحدة الموقف السياسي... كما أن هناك مشكلة اضافية ناتجة من ارتفاع عدد المهاجرين بين ابناء مناطق الجنوب. وليس هناك ما يؤكد او يدل على عودة شاملة لهؤلاء الى بلدهم في هذه الظروف. وهذا سيؤدي عملياً الى تراجع كبير في نسبة المشاركة في الجنوب، وهي الحال المتوقعة في مناطق الوسط. من هنا يمكن القول ان الاقتراح الأكثر انسجاماً مع الواقع العراقي الراهن هو الذي يخصَّص لكلِّ محافظة عدداً محدداً من المقاعد يكون متوازياً وتعدادها السكاني. وبذلك يمكن تجاوز الإشكالية القائمة حول استبعاد محافظاتٍ من التمثيل في البرلمان. 2- وضع نصاب إبعاد غير مناسب ينص قانون الانتخاب العراقي المقترح على نصاب إبعاد سموه الحد الطبيعي، وهو ما يعني عملياً ان من لا يحصل على نسبة معينة من الاصوات لا يمكن ان يتمثل في البرلمان وتذهب نتائجه لمصلحة غيره من الفائزين والرقم المقترح يساوي حسابياً ما هو أقل من 1 في المئة من الأصوات، أي نحو 36،0 في المئة. وهذا الرقم متدنٍ جداً، بل هو غير منطقيٍ أبداً، إذ يمكن أي لائحة أو حتى أشخاصاً منفردين أن يحصلوا على هذه النسبة، من دون حاجة الى أي تحالفات، وهذا ما يبقي الاصطفافات عمودية. فما دام أي مرشحٍ يستطيع بمفرده أن يحصل عليه، فكيف الحال بالنسبة الى لائحة مؤلفة من مرشحين عدة؟ وهذه النسبة المتدنية من نصاب الإبعاد تتعارض مع منطق أو روحية النظام النسبي، الذي يرتكز على فرضية أن على اللائحة أن تحصل على نسبة موصوفة من الأصوات وإلا اعتبرت الأصوات التي حصلت عليها كأنها لم تكن، وأن كل متطرفٍ في خطابه السياسي لن يصل إلى قبة المجلس النيابي، لأنه لن يجد شريكاً له في تكتلٍ نيابي يؤهله للتنافس على مقعدٍ نيابي. وكذلك، فإن أصحاب رؤوس الأموال لن يكون لهم القدرة على شراء العدد الكبير من الأصوات والذي يفرضه نصاب الإبعاد، وهذا ما يساعد في القضاء على آفة شراء الأصوات والمتاجرة بالانتخابات. لذلك كان نصاب الإبعاد الجاد، والمنسجم وروحية نظام التمثيل النسبي، هو النصاب ذو النسبة المرتفعة نسبياً، كما هو معمول به في معظم الدول التي تعمل بنظام الاقتراع النسبي مثلاً في ألمانيا حدد نصاب الإبعاد ب5 في المئة، وفي تركيا ب10 في المئة، وهو اذا ما توافر سيكون محفزاً لكل القوى من المناطق والطوائف كافة لأن تتحالف في ما بينها من أجل تجاوز نصاب الإبعاد. وهذا ما يساعد على نشوء أحزاب وطنية لا طائفية أو مناطقية كما هي الحال مع معظم الأحزاب في العراق. 3- عدم إعطاء الناخب حق المفاضلة بين المرشحين يقوم قانون الانتخاب العراقي، على أساس المنافسة بين لوائح جامدة، ويصوِّت الناخب لهذه اللائحة كما وردت في تشكيلتها من حيث ترتيب الأسماء على يد منظمي التحالف الانتخابي المذكور، أي القوى التي تقف وراء تشكيل اللائحة. وينص القانون على ان طريقة الاحتساب لحصة اللائحة من المقاعد تتم من خلال اختيار المرشحين بحسب ترتيبهم في اللائحة ومن الأعلى إلى الأدنى. ولعل أكبر مساوئ هذا النظام أنه يعتمد الآلية الأولى للنظام النسبي، التي أهملتها معظم الدول التي تعتمد هذا النظام. فتشكيل لائحة جامدة من حيث ترتيب أعضائها من الأعلى إلى الأدنى قد يصحُّ في ظل اللوائح الحزبية، أي عندما يسمي الحزب مرشحيه في لائحته ويرتِّب أسماءهم تنازلياً من الأعلى إلى الأدنى. أي ان يتم إعداد اللوائح بأسماء المرشحين في مقرات الأحزاب، ويخضع لاعتبارات داخل هذه الاحزاب. ومن دون الحاجة الى دور خاص يقوم به المواطن عند التصويت. فهو امام اختبار التصويت لخيار حزبي لا خياره الشخصي. وكذلك تثار إشكالية ثانية مرتبطة بما سبق أن ذكرناه عن عدم تخصيص مقاعد للمحافظات. فعندما توزَّع المقاعد بين اللوائح الوطنية. قد تفوز مثلاً إحدى اللوائح بعشرة مقاعد، ويأتي هؤلاء النواب العشرة المدرجة أسماؤهم أولاً من منطقة واحدة. وهذا يعني ان الناخب سيشعر فوراً أنه غير ممثل على الصعيد المحلي لأن أياً من مرشحي منطقته لم يكن فاز في الانتخابات. والإشكالية الثالثة هي تلك الناجمة عن استحالة تشكيل حزبٍ واحدٍ بمفرده للائحة وطنية، وهنا ستحصل مشكلات كبيرة بين أعضاء اللائحة الواحدة في مسألة ترتيب الأسماء ومن سيكون اسمه بين الأسماء الأولى في اللائحة، وهذا ما قد يعوق فعلاً تركيب أي لائحة أو حصول أي تحالف. لذلك، فإنه يجب حل هذه الإشكالية من خلال منح الناخب حق ترتيب أسماء المرشحين، وذلك عبر منحه حق المفاضلة بين المرشحين ضمن اللائحة الواحدة بالتصويت لمرشح يختاره، وهذا ما يساهم في ترتيب أسماء المرشحين على اللائحة وفقاً للعدد النهائي من الأصوات التي حصل عليها كل مرشح ضمن هذه اللائحة او ما يعرف عالمياً بالصوت التفضيلي. لعل هذه الانتخابات التي يتطلع إليها العراقيون ويعلقون عليها آمالهم، ينبغي أن تعبِّر عن طموحات العراقيين وتطلعاتهم، وتؤمن عدالة التمثيل من خلال تمثيل جميع التيارات السياسية، والقوى الاجتماعية والنقابية، كلٌّ بحسب حجمه السياسي والمجتمعي من دون تضخيم أو تحجيم، خصوصاً إذا كان الهدف الحقيقي للانتخابات النيابية هو تأمين تداول السلطة، على اعتبار أنها المحدد الأساس للديموقراطية، والديموقراطية هي المفتاح الأساس للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. الى جانب ما سبق من ملاحظات، فإن القانون بصيغته الراهنة لن يكون مدخلاً لتأسيس المجتمع المدني الذي يشكِّل اللبنة الأساسية للنظام السياسي، ويكون هذا النظام الامتداد أو الانعكاس الطبيعي للمجتمع، وإذا كان النظام النسبي قادراً على الارتقاء بالمجتمع المدني الذي ينبثق منه النظام السياسي، بحيث يصبح المواطن واعياً ومعنياً بكل ما يحيط به، فإن ما شاب القانون العراقي من خللٍ، سيعوق أي محاولة جادة لتأسيس المجتمع المدني ولن يكون لهذه الديموقراطية مكان لانعدام اللحمة الوطنية الحقيقية، لأن الديموقراطية لا تستقيم ولا ينشأ مجتمع مدني عند غلبة فريقٍ على آخر. * كاتب لبناني، مدير "مركز بيروت للأبحاث والمعلومات".