اختصرت ولاية فلوريدا الأميركية المسافة بين العاصمة الكوبية هافانا ومدينة تل أبيب، وقرّبت ميامي الى العالم العربي في السباق الرئاسي الى البيت الأبيض الذي تجمع اضداده ولاية "الشمس المشرقة"... وهي عادت بعد ثلاثة أعاصير وفتحت صناديق المعركة باكراً بعدما حسمتها عام 2000 وأهدت الرئيس الجمهوري جورج بوش مفاتيح البيت الأبيض. ومع فتح أقلام الاقتراع قبل 12 يوماً من الموعد الرسمي في فلوريدا، أوفدت الحملتان الجمهورية والديموقراطية جيوشاً من المحامين والمتطوعين الى الولاية خوفاً من تكرار "كابوس 2000" الذي أخّر صدور النتائج أسابيع، وانتهى بخسارة الديموقراطيين الولاية والسباق بفارق 537 صوتاً، وتراشق الجانبان اتهامات بالتزوير وعرقلة وصول الناخبين الى أقلام الاقتراع، والضغط على الأقليات. وتشكل الولاية بفئاتها العربية واليهودية واللاتينية أنموذجاً انتخابياً فريداً، ينقسم بين المرشحين جورج بوش وجون كيري ويهدد بتكرار سيناريو عام 2000 والصراع على ال27 نقطة في الولاية. العربي واليهودي ولعلها المرة الأولى منذ العام 1967 التي يلتقي فيها عرب "جاكسون فيل" ويهود "بالم بيتش" في الولاية حول تأييد كيري. ويعيش في الولاية 250 ألف عربي و700 ألف يهودي تعارضوا في تصويتهم عام 2000، إذ ذهب 70 في المئة من الصوت العربي في الولاية لبوش، مقارنة بالصوت اليهودي الذي التزم خطه التاريخي واقترع 79 في المئة منه لآل غور. وفاقت نسبة الصادرات المتبادلة بين فلوريدا والدولة العبرية العام الماضي 111 مليون دولار بحسب أرقام مؤسسة التعاون الاسرائيلي - الأميركي. رئيس المركز العربي - الأميركي في فلوريدا طالب سلهب أكد ل"الحياة"، وجود تحوّل بمعدل 180 درجة في الصوت العربي - الأميركي في الولاية ووقوف 70 في المئة كما يشير استطلاع زغبي من عرب فلوريدا في الطابور الديموقراطي. ووصف سلهب الأمر بأنه "انقلاب سياسي للعرب الأميركيين على سياسة الادارة وانتهاكاتها للحريات المدنية والسياسية للجالية" بعد اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001. وأشار سلهب الى أن برنامج كيري الانتخابي يعد بانهاء "التوقيف التعسفي" وتحسين قانون المواطنة لضمان حرية الأقليات. وكشف سلهب تسجيل أكثر من 70 ألف ناخب عربي أميركي في الولاية، بدأوا التصويت أول من أمس في ظل تطوع ناشطين من المجلس وتأمين وسائل لنقل الناخبين الى أقلام الاقتراع. وشدد على وجود أكثر من مسألة على اجندة الناخبين العرب الأميركيين في الولاية، تتعدى أحياناً الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. وسمّى سلهب رفض الجالية العربية الحرب على العراق، وتضييق الادارة على الحريات المدنية. وتبرز استثناءات في صفوف الجاليتين مع وجود عرب جمهوريين نافذين في فلوريدا، أبرزهم المحامي اللبناني الأصل وليد فارس الذي تبرع بألف دولار للحملة الجمهورية في آذار مارس، إضافة الى النائبة الجمهورية اليانا روس الداعمة لاسرائيل في الكونغرس. الصوت اللاتيني وينقسم تمثيل الولاية في الكونغرس بين الحزبين، من خلال سيطرة ديموقراطية على مقعدي مجلس الشيوخ، في وقت يحظى الجمهوريون بأفضلية في مجلس النواب 18 نائباً في مقابل 9 للديموقراطيين. وفاز جاب بوش، شقيق الرئيس، بحاكمية الولاية للمرة الثانية عام 2002، وهو يستفيد من اتقانه الاسبانية في استمالة الصوت اللاتيني الحاسم في الولاية. وينقسم هذا الصوت بين كوبي وبورتوريكي ومكسيكي، بما مجموعه 3.2 مليون لاتيني في الولاية. وفيما يميل الصوت الكوبي في الولاية الى الجمهوريين، ويتألف من معارضين لسياسة فيدل كاسترو، تفضل الأقلية اللاتينية عموماً اللون الأزرق الديموقراطي في السياستين الاقتصادية والاجتماعية. ويبلغ عدد الناخبين الكوبيين المسجلين في فلوريدا450 ألفاً يليهم 200 ألف من البورتوريكيين. وتسعى الحملتان الى استقطاب هذا الصوت، من خلال اعلانات بالاسبانية ووعود من بوش للكوبيين بسياسة أشد قسوة ضد كاسترو، تقابلها انتقادات من كيري لقرار ادارة بوش منع الكوبيين من السفر الى بلادهم أكثر من مرة، كل ثلاث سنوات. وتحاول الحملة الديموقراطية الفوز ب40 في المئة من هذا الصوت الذي أشارت استطلاعات الرأي الى تأييد أكثريته 81 في المئة لبوش، فيما تنخفض هذه النسبة الى 48 في المئة في صفوف اللاتينيين غير الكوبيين والذين يؤيدون كيري بنسبة 42 في المئة. ونجحت مجموعات لاتينية مثل "مي فاميليا فوتا" و"المضي بأميركا الى الأمام" التي يترأسها حاكم ولاية نيو مكسيكو الديموقراطي بيل ريتشاردسون، في تسجيل أكثر من مئة ألف ناخب جديد على اللائحة في هذه الدورة، 40 في المئة منهم مستقلون. وتلقى سياسة كيري الاقتصادية ترحيباً في الولاية التي تكبدت خسائر قدرها بعضهم ب23 بليون دولار بعد ثلاثة أعاصير متتالية، هجّرت كثيرين من سكان الولاية ومنعت جاب بوش من المشاركة فعلياً في الحملة الجمهورية. وتشير استطلاعات الرأي الى احتدام السباق في الولاية وتعادل نسبي بين المرشحين، يتغيّر مع نزول المرشح المستقل رالف نادر على اللائحة. وعلى رغم محاولات الديموقراطيين منع مرشح حماية المستهلك من الوصول الى اللوائح وتقديم شكاوى قانونية، أقرت المحكمة العليا في الولاية ترشح نادر رسمياً عن حزب "الاصلاح" الأميركي. وكان نجح عام 2000 في كسب 97 ألف صوت، وتأجيج غضب الديموقراطيين الذين يتهمونه ب"سلب الأصوات الليبرالية" من مرشحهم آل غور، وبالتالي تمكين بوش من الوصول الى البيت الأبيض.