قلّل رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي البنك المركزي الأميركي، آلن غرينسبان، من خطورة التحذيرات المتشائمة التي أطلقها عدد من المحلّلين الأميركيين والأوروبيين أخيراً من أن النفط شارف على النفاد. أوضح آلن غرينسبان، في خطاب ألقاه أمام"المؤسسة الوطنية الايطالية - الأميركية"في واشنطن، مساء أول من أمس، ان المخاوف من احتمال نضوب النفط"بدأت قبل قرن ونيف وما فتئت تظهر بين الفينة والأخرى"، وغالباً بسبب صعوبة التيقن من تقديرات الاحتياط. لكنه شدّد على ان حال الاضطراب التي تشهدها أسواق النفط حالياً لا ترتبط بمخاوف النضوب، وانما تعكس قلقاً متزايداً من ان احتياط النفط وطاقات الانتاج أصبحا"هدفاً محتملاً للمخاطر الجيوسياسية". وقال غرينسبان مطمئناً العالم على مستقبل امدادات النفط، في كلمة غير مسبوقة عن هذا الموضوع، ان"هناك مخاوف من ان مستويات الاستثمار الحالية تبدو غير كافية لتلبية النمو المتوقع في الطلب العالمي على النفط في العقود المقبلة. لكن من المرجح أن تتمكن التكنولوجيا، سيما في حال حصلت على قدر أكبر من المساندة، من توفير الامدادات المطلوبة، أقله لفترة طويلة من الزمن". وأبرز رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي أحد أهم الأسباب التي يستخدمها المحلّلون المشار إليهم للتحذير من نفاد النفط، والمتمثّل بفشل صناعة النفط في اكتشاف حقول جديدة ضخمة منذ السبعينات من القرن الماضي. لكنه لفت إلى ان التكنولوجيا أثبتت قدرتها على تلبية الطلب العالمي، مشيراً إلى ان الدول المنتجة استخرجت زهاء 250 بليون برميل من النفط في عقد التسعينات، إلا ان تقنيات مبتكرة في مجال الحفر وادارة المكامن نجحت في تعويض الاستهلاك وتحقيق زيادة صافية في الاحتياط المؤكّد بمقدار يزيد على 100 بليون برميل. واستعرض مهندس السياسة النقدية الأميركية أسباب الوضع المضطرب في أسواق النفط، وفي مقدمها عامل"المخاطر الجيوسياسية"وأثرها السلبي في استقرار الشرق الأوسط. وقال ان"المكاسب الجديدة المحقّقة في الاحتياط المؤكّد تركّزت في الدول المصدّرة للنفط اوبك، ومن المرجح أن تستمر عملية تنمية الاحتياط، أقله لفترة من الزمن .. لكن تزايد الغموض في شأن مستقبل انتاج النفط، خصوصاً في الشرق الأوسط، دفع أسعار النفط بحدة صعوداً". غير ان غرينسبان حمّل المضاربين في أسواق الصفقات الآجلة، وفي درجة أكبر الدول الصناعية، جانباً مهماً من المسؤولية في ارتفاع أسعار النفط. واعتبر ان"القلق المتعاظم ازاء مستقبل الامدادات قاد إلى حدوث ارتفاع حاد في الطلب لحيازة مخزونات طارئة أكبر... وفي الوقت الحالي، حدّت ظروف الانتاج الضيقة من قدرة منتجي النفط على تلبية هذا الارتفاع الحاد في الطلب من أجل زيادة المخزونات، بسرعة". كذلك رأى غرينسبان ان تزايد حجم استهلاك النفط، لاسيما في الصين والهند، ساهم في تفاقم مشاكل أسواق النفط. وقال:"حتى الزيادة الملحوظة التي أحدثتها اوبك في انتاجها باستنفاد معظم طاقات الانتاج الاحتياط المتوافرة لها لم تحقّق سوى نجاحاً متواضعاً في تلبية الطلب الإجمالي". وأضاف ان"انتاج المنتجين المستقلين تزايد بشكل ملموس، إلا ان الاستثمار في آبار منتجة جديدة تأخر، ما من شأنه أن يحد من امكان نمو الانتاج في المستقبل القريب". وعلاوة على المخاطر الجيوسياسية والمضاربات والمخزونات والاستهلاك، لفت غرينسبان إلى ان النقص الذي تعانيه صناعة التكرير العالمية، خصوصاً الأميركية، في طاقات تكرير النفط الثقيل، يلعب"دوراً مهماً"في تشويه أسعار النفط، مشيراً في هذا الشأن إلى ان الهامش السعري بين أسعار الخام الأميركي الخفيف ويست تكساس الوسيط وخام"دبي"الثقيل اتسع بمقدار 10 دولارات منذ أواخر آب أغسطس الماضي، ليصل إلى 17 دولاراً للبرميل. وأكد غرينسبان ان مشاكل طاقات التكرير وكذلك اعصار"ايفان"، الذي ضرب منطقة خليج المكسيك الشهر الماضي وأحدث أضراراً كبيرة في منشآت النفط مساهماً في دفع أسعار الخام الأميركي إلى 55 دولاراً للبرميل، تعتبر عوامل مؤقتة. وشدّد في الوقت نفسه على ان الأسعار الحالية تعادل ثلاثة أخماس المستوى التاريخي الذي سجّلته في شباط فبراير 1981، وأنه من المرجح أن يكون أثرها السلبي في الاقتصاد الأميركي أقل خطورة مما كان عليه الحال في السبعينات. لكن رئيس مجلس الاحتياط، الذي لفت إلى ان ارتفاع أسعار النفط زاد حجم فاتورة واردات النفط الأميركية بما يعادل 0.75 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، حذّر من ان تسجيل ارتفاعات جديدة ملموسة في الأسعار سيحدث آثاراً اقتصادية"أشد خطورة".