هل جورج بوش مغفّل؟ حاشا ان أكون صاحب هذا السؤال، وإنما هو عنوان افتتاحية في جريدة "لوس انجليس تايمز" الأسبوع الماضي وضعته جانباً، ثم عاد اليّ مع الضجة التي ثارت بعد تردّد أخبار عن ان الرئيس كان يخفي جهاز استقبال لاسلكياً تحت الجاكيت خلال مناظرته الأولى مع جون كيري يلقنه ما يقول. سأعود الى الجهاز المزعوم بعد قليل، ولكن اسأل من عندي الآن: هل كان أحد سيصدّق وجود جهاز لولا شهرة الغباء عند جورج بوش؟ وبشكل آخر: هل كان أحد سيصدّق وجود جهاز لتلقين ريتشارد نيكسون أو بيل كلينتون ما يقول. الافتتاحية قالت: "على رغم ان أياً من الفريقين لا يصرّح بذلك، فإن بعض الأميركيين الذين يؤيّدون بوش، وكثيرين من الذين يعارضونه استنتجوا بعد أربع سنوات له في الحكم انه غير ذكي". أميل في هذا الموضوع الى تصديق الكتب التي صدرت عن ناس من قلب الادارة عرفوا بوش جيداً، فهو قد يكون غبياً أو لا يكون، الا ان الأكيد انه يفتقر الى الفضول الفكري الضروري لمركزه، فهو لا يعرف ولا يريد ان يعرف واذا كان غبياً فهو لا يستطيع ان يتعلّم. في غياب الفضول الفكري تحوّلت معتقدات جورج بوش الى مبادئ ثم الى عناد، لأنه لم يغيّرها أو يعدّلها في وجه أدلة متعاظمة على خطأ مبررات الحرب على العراق. ماذا كان فعل بيل كلينتون الذي يعتبر أذكى رئيس أميركي لو وجد نفسه في مثل مأزق جورج بوش؟ لا أحتاج الى جواب لأن كلينتون أذكى من ان يقع مثل خلَفه، وهناك قول معروف هو ان دخول الأشياء أهون كثيراً من الخروج منها. جورج بوش لا يملك "استراتيجية خروج" من العراق، لذلك فهو يعاند بغباء كان يمكن ان نعتبره مضحكاً لولا الوضع المأسوي في العراق، فهو لا يزال يقول ان العراق "قصة نجاح"، وهذا الغباء يفسّر لماذا صدّق الناس ان النتوء تحت الجاكيت في ظهره قد يكون جهاز استقبال لقّنه مستشاره السياسي كارل روف عبره الأجوبة في المناظرة التلفزيونية الأولى. كانت مجلة "صالون" على الانترنت أول من أثار الموضوع، ولا أجزم بوجود جهاز، ولكن راجعت كل صورة متوافرة، وأقول ان هناك ما يكفي للشك في الموضوع، فالنتوء يظهر بوضوح على شكل علبة مستطيلة الشكل. هل يمكن ان يكون النتوء مجرّد "جعلكة" في الجاكيت؟ الخياط جورج دي باريس، الذي حاك السترة التي يبلغ ثمنها خمسة آلاف دولار قال ان ما ظهر مجرّد جيب، أو فراغ، داخل الجاكيت عند خط الحياكة في وسطها، وقد زاد عندما عقد الرئيس ذراعيه وانحنى الى الأمام. ولكن هل يمكن ان سترة ثمنها خمسة آلاف دولار حاكها خياط الرؤساء الأميركيين منذ ليندون جونسون تتغضن بهذا الشكل الرخيص؟ أصحاب نظريات المؤامرة عادوا الى شريط المناظرة، ولاحظوا بسرعة ان الرئيس كان يتوقف أحياناً خلال الكلام، وكأنه ينتظر ان يسمع بقية الجواب عبر الجهاز اللاقط. وهو التفت مرّة الى جون كيري وقال له: "دعني أكمل كلامي" مع ان كيري لم يقاطعه، فهل كان في الواقع يردّ على محدثه الخفي عبر اللاسلكي. سكوت ستراتزل، مدير الحملة الانتخابية لبوش، نفى وجود أي جهاز، وقال انها فكرة مؤامرة أخرى، ثم أضاف ساخراً: "ألم تسمعوا ان الفيس سيدير المناظرة التلفزيونية الثالثة؟". ونفت وجود جهاز أيضاً نيكول ديفينيش، مديرة الاتصالات في الحملة، وكذلك فعل مارك ماكينون، مدير الميديا. وفي قاموسي الشخصي النفي الرسمي يؤكد ما يُنفى، الا انني في هذه المرّة لا أجزم بشيء مع انني قرأت ان التكنولوجيا متوافرة بسهولة، ويمكن وضع كرة صغيرة جداً داخل الأذن تلتقط ما يتلقى الجهاز اللاسلكي المجاور. بعضهم حاول الهذر من الموضوع، ومساعدو جورج بوش اقترحوا إرسال الصور الى خبراء الوثائق في شبكة "سي بي إس"، في إشارة الى الوثائق المزوّرة التي بثّتها الشبكة عن خدمة بوش العسكرية. أما تيرنس ماكاليف، مدير اللجنة الديموقراطية الوطنية فقال انه اذا كان هناك جهاز فعلاً، فيجب طرد كل الذين ردوا على الاسئلة في أذن جورج بوش بسبب سوء ادائه خلال المناظرة، وقال صحافيون: يبدو ان جورج بوش كان "قناة" كارل روف خلال المناظرة. هل يمكن ان يتهم جورج بوش بالغباء وقد تخرّج في "يال" و"هارفارد"؟ كيري كان في "يال" أيضاً، وانضم مثل بوش الى جمعية طلاب. غير ان زملاء الرجلين يقولون ان بوش كان طالباً كسولاً غير مهتم بالدراسة قدر اهتمامه بشرب الخمر، في حين كان كيري مجتهداً رصيناً. شهرة بوش التي لا ينكرها في تعاطي الخمر تبعته الى الحرس الوطني في تكساس حيث قضى سنوات حرب فيتنام، بعكس كيري الذي حارب بشجاعة ونال خمسة أوسمة، وعندما طلع محاربون قدماء وانتقدوا اداء كيري، وقلّلوا من أخبار شجاعته، طلع محاربون قدماء آخرون رووا قصصاً عن سكر بوش، وكيف انه بعد ان ضمن ان الفيتكونغ لن يهاجموا تكساس، انتقل الى ألاباما لحمايتها. وهم استفادوا من سجل بوش في الولايتين، ومن عدد المرات التي سجلت له مخالفات مرور بسبب السرعة، وقيل أيضاً بسبب قيادة السيارة وهو مخمور. الأميركيون منقسمون مناصفة بين المرشحين الجمهوري والديموقراطي مما يدل على ان نصفهم على الأقل لا يهمّه ان يكون جورج بوش غبياً. وعندما كنتُ أتابع دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي، رأيت في المتاجر السياحية الصغيرة قميصاً ازدان بصورتي جورج بوش الأب والابن وتحتهما كلمة "غبي" للأب و"أغبى" للإبن، وهو عنوان فيلم أميركي مشهور. لا أعتقد ان جورج بوش الأب كان غبياً، وأترك الحكم على الابن للقراء.