نقترب أكثر من أحد مداخل المعرض. يزداد عدد الكاميرات التلفزيونية والفردية التي جاءت جميعها للغرض نفسه، وهو تصوير "جيتكس 2004 في دبي. الجميع يصور. تختلف الأهداف والطريقة ونوعية الكاميرا أيضاً. الكل يضغط على الزر الأحمر. يدور الشريط. تنطبع عليه صور الناس، والمباني الضخمة الزجاجية، وأجهزة الكومبيوتر والطابعات، وكل ما له علاقة بعالم التكنولوجيا. يكمل شريط التسجيل الدوران. يسجل انطباعات الزائرين. الجميع مبهور. كومبيوتر يعمل تحت الماء، هاتف نقال مزود بكاميرا ليلية، طابعة وفاكس وماسحة ضوئية في آن واحد، برنامج كومبيوتر يتعرف الى الوجوه....الخ. سؤال بديهي تبادر إلى ذهني: هل هناك حقاً ما يبهر؟ ألم نر هذه الأشياء نفسها كل مرة في كل المعارض المشابهة. هل يستطيع تغيير بسيط في الشكل أو إضافة تقنية بسيطة، أن تبهر؟ ذلك الكومبيوتر المحمول الذي كان يزن 1400 غرام في العام 2003، وصار وزنه راهناً 1300 غرام: هل في الأمر معجزة تنفتح لها أفواه الحاضرين؟ المطلوب أن تندهش... شاشات طاغية ونساء لا يتوقف الشريط عن الدوران. تضم قاعات العرض الكثير من الصور، التي تكاد تطغى على كل شيء آخر. شاشات للكومبيوتر وللتلفزيون، وغالباً شاشة واحدة للاثنين! أصبحت شاشة الكومبيوتر تعرض الصور التلفزيونية، ليس هناك فارق. لحظة! هناك ما يستدعي التدقيق في الجملة السابقة. هل شاشة الكومبيوتر هي التي أصبحت تستوعب الصورة التلفزيونية، أم أن شاشة التلفزيون تكرمت على الحاسوب، فسمحت له بعرض ما يريد عليها؟ في الواقع العلمي، لا يطرح الموضوع بهذا الشكل. كل ما في الأمر أن التقنية عند الاثنين أصبحت متشابهة. واضحى التقارب في المضمون والمحتوى، خصوصاً في الخدمات التفاعلية، اكبر من أي وقت مضى. من الطبيعي أن يتوحد الطرفان، وان يعتمدا شكلاً واحداً في الظهور أمام زوار المعرض. وأميل الى القول إن شاشة التلفزيون ارتأت أن الكومبيوتر لن يشكل تهديداً لها، بقدر ما هو عنصر داعم للصورة ومكوناتها، ولذلك ارتاحت لظهور صوره على شاشتها. ارتبكت واحدة من فتيات التسويق عند رؤية إحدى الكاميرات تقترب منها. وللحظات، انعزلت تلك الفتاة عن محيطها. الكاميرا مصوبة نحوها. الشريط يدور ويسجل. تنظر الفتاة إلى حائط زجاجي لترى انعكاس وجهها. تعود بنظرها في اتجاه الكاميرا، بعد اطمئنانها للماكياج والتسريحة. ربما تفكر ان ما ينقصها يتمثل في أن يرى أحد المسؤولين في أحد التلفزيونات صورتها، فيأخذها الى التلفزيون: شاشة الشهرة. يكمل المصور جولته. ويأتي دوره في دخول حلقة الدهشة. انزل الكاميرا عن كتفه. وقف يحدق في تلك الكاميرا المعروضة. هذه ليست كالتي بيده. في داخلها قرص صلب يخزن الصور. ليست بحاجة لشريط. تصور ما تريد، ثم تنقل الصور إلى الكومبيوتر، حيث تحصل عملية المونتاج. عملية سريعة وسهلة وتختزل الكثير من العملية التلفزيونية التقليدية، وتكاليفها الباهظة. قرر المصور اللبناني أن يسأل عنها أكثر، فربما تكون هي خلاصه من الوظيفة والدخل المحدود. ربما كان الشاب الطموح على حق، فالمعدات التي كانت حكراً على رؤوس الأموال الكبيرة والمحطات التلفزيونية، أصبحت في متناول الجميع. وفي معرض "جيتكس"، عرضت كاميرات الفيديو الرقمية بكثرة، وبأسعار معقولة بالنسبة لنوعية الصورة والأداء. جهاز كومبيوتر بمواصفات عادية يمكنه اداء عملية المونتاج. مثلاً، لا يتجاوز سعر كاميرا "ميني دي في اكس ال 1" من شركة "كانون" XL1 Mini DV، ثلاثة آلاف دولار. وتعتمدها تلفزيونات عالمية وعربية عدة. وقد حققت نجاحاً قوياً في حرب العراق لسهولة حملها. وحجمها الصغير نسبياً. عرضت هذه الكاميرا في جيتكس، مع نظيراتها اللواتي تصنعها شركات "سوني" و"باناسونيك" و"فوجيتسو سيمينز" و"اتش بي" وغيرها. كومبيوتر يعمل برقاقة "بانتيوم 4" بسرعة 1.7 ميغا هرتز مثلاً، ومزود بقرص صلب 80 غيغا بايت، وأضيف إليه كارت "فاير واير آي إي إي إي" firewire IEEE ليعمل مباشرة مع الكاميرات. يمكنك تنفيذ عملية المونتاج في البيت، باستخدام برنامج من نوع "ادوب براميير" Adobe premiere أو "افيد دي في اكسبرس" Avid DV express. وراهناً، تنتشر هذه البرامج وغيرها في الأسواق العربية، وبنسخ مقرصنة. وايضاً، يمكن استخدام برنامج "موفي مايكر" movie maker المثبت على الأجهزة التي تعمل بنظام "ويندوز اكس بي"، للقيام بالعملية عينها. ما حاولت مجموعة هائلة من الشركات الترويج له في جيتكس، يتلخص في أن صناعة الأفلام أصبحت في متناول الجميع. نانسي وروبي و... الارقام عرض في "جيتكس" كم هائل من المنتجات المتعلقة بالصور وبالترفيه entertainment، مما جعل قاعات العرض مليئة بالشاشات أكثر من أي شيء آخر. وأصرت الشركات على وجود الشاشة كوسيلة جذب للزوار حتى لو لم يكن ذلك في صلب عملها. عمدت بعض الشركات إلى بث مجموعات من "الفيديو كليبات" لروبي ونانسي عجرم و... رُفع صوت الموسيقى فتجمع الزوار أمام منصتها. وعلى الزاوية المقابلة، حاولت شركة اخرى البدء بمحاضرة، لكن الحضور تأخر في الوصول نظراً لانشعاله ب....زواج نانسي عجرم. وقف المذيع أمام الكاميرا. بدأ الشريط في الدوران. سجل المذيع انطباعاته عن المعرض، وزود المشاهدين بالأرقام والإحصاءات. الكلام نفسه، وبالصيغة نفسها تقريباً، تكرر في أكثر من زاوية في المعرض. ثمة زيادة سريعة في عدد التلفزيونات عربياً. اختارت ثلاث من المحطات، نقل وقائع المعرض في شكل مباشر ويومي. وأوفدت الأخريات مراسلين. ينظر الصحافي إلى المراسل، ويتمنى لو أنه في مكانه. ينتقده لأنه لا يفقه من التكنولوجيا شيئاً. يردد الصحافي انهم اختاروا المذيع استناداً الى شكله المحبب فقط. هل انه يتوق ليرى نفسه أمام الكاميرا، مثل تلك الفتاة وحلمها بالشهرة. * مخرج تلفزيوني