فتح الاجتماع الذي عقد اول من امس بين رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري الباب امام بداية البحث الجدي في ملف التغيير الحكومي الذي كان ليل امس مدار تشاور بين الأخير ورئيس المجلس النيابي نبيه بري في لقاء عقد في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، وبتشجيع مباشر من دمشق التي حثت الرؤساء الثلاثة على التعاون من اجل التوصل الى تشكيلة وزارية يرتاح إليها الرأي العام في لبنان. وينتظر ان يتواصل اليوم الرئيسان لحود والحريري في اطار تبادل الآراء حول التركيبة الوزارية طالما انهما، وبحسب ما قالت مصادر نيابية بارزة ل"الحياة"، متفقان على دورها في ظل التحديات التي يواجهها لبنان وسورية على خلفية قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559. وأكدت المصادر النيابية ان تحديد موعد استقالة الحكومة الحالية لمصلحة المجيء بحكومة جديدة يتوقف في الدرجة الأولى على مدى قدرة الرؤساء الثلاثة وتحديداً لحود والحريري على التفاهم على الإطار العام لملف التغيير الوزاري، مستبعدة ان يكون لتأخير الاستقالة اي علاقة مباشرة بالتريث في الوقت الحاضر ريثما تتوضح صورة الموقف الذي سيصدر عن مجلس الأمن انطلاقاً من التقرير الذي رفعه إليه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان حول القرار 1559. ولفتت الى ان عدم ربط موعد الاستقالة بما سيصدر عن مجلس الأمن لا يعني الاستخفاف بالموقف الذي سيتخذه، وقالت انه "لم يعد من الجائز الانتظار طويلاً، بينما يعاني لبنان من حال الفراغ السياسي بسبب تعذر عقد مجلس الوزراء". وأبدت المصادر ارتياحها الى الأجواء التي سادت اجتماع لحود والحريري، وهو الأول من نوعه بالمعنى السياسي منذ اكثر من عام ونصف عام، ويأتي في اعقاب الاجتماع الأخير الذي عقد بينهما بعد شهرين على تأليف الحكومة الحالية وانتهى الى تفاهم عرف ب"غسل القلوب" لكنه لم يعمّر طويلاً. وقالت إن اللقاء الثنائي تجاوز كسر الجليد الذي سيطر على علاقتهما لفترة طويلة بسبب غياب اي شكل من اشكال التواصل والتشاور، الى البحث الجدي في الإطار العام للحكومة الجديدة، مشيرة الى انه "اتسم بالإيجابية لكنه لم ينته الى نتائج عملية". وكشفت المصادر ان لحود والحريري تطرقا الى التركيبة الوزارية لجهة عدد الأعضاء، وأكدت ان الأول اقترح ان تكون موسعة تؤمن مشاركة غالبية القوى السياسية كأساس لمواجهة التحديات على الصعيدين المحلي والخارجي. ونقلت عن لحود قوله انه يدعو باستمرار الى مد اليد للجميع وإلى مشاركتهم في الحكومة، وأن هناك قوى قررت ان تستثني نفسها من المشاركة، في اشارة الى "اللقاء النيابي الديموقراطي" برئاسة وليد جنبلاط و"لقاء قرنة شهوان" المعارض وأن عزوفهما عن الدخول في الوزارة لا يبرر استثناء من يبدي استعداداً لذلك. وفي المقابل رأى الحريري، بحسب المصادر، ان التشكيلات الواسعة والفضفاضة للحكومات السابقة وآخرها الحالية، لم تكن مشجعة وأن تعذر الوصول الى قيام حكومة اتحاد وطني يجب ان يكون حافزاً للمجيء بتركيبة منسجمة من شأنها ان تلقى ارتياحاً لدى الرأي العام وتبعث على التفاؤل في امكان مواجهة التحديات والضغوط الخارجية من جهة وفي التصدي للمشكلات والملفات الداخلية من جهة ثانية، وخصوصاً ان عمر هذه الحكومة محدود وتعتبر مستقيلة فور اجراء الانتخابات النيابية. وبكلام آخر، اعتبر الحريري ان لا بد من توفير الفرصة للمجيء بحكومة متضامنة بخلاف الحكومات السابقة وتكون قادرة على الإنتاج وتعمل من اجل تصحيح علاقة السلطة بالمواطنين، نافياً ان يكون الهدف من تأليفها استبعاد هذا الطرف او ذاك، وموضحاً ان "الضرورة تقضي بتوجيه رسالة من خلالها الى الخارج حول عزمنا على تحسين اداء السلطة الإجرائية ورغبتنا في تفعيل دور المؤسسات". وأوضحت المصادر ان لقاء لحود - الحريري بقي عند حدود تبادل الرأي حول عدد اعضاء الحكومة. وقالت ان بري يشارك رئيس الجمهورية في موقفه من تأليف حكومة موسعة، نافية ان يكون الرئيسان تطرقا في اجتماعهما الى توزيع الحقائب الوزارية او استعراض اسماء المرشحين للدخول في الوزارة العتيدة. وتوقفت امام الدور التوفيقي لدمشق على هذا الصعيد، وقالت ان كبار المسؤولين السوريين اخذوا على انفسهم عدم التدخل في تأليف الوزارة ترشيحاً او توزيراً، وقرروا البقاء على مسافة واحدة من جميع الأطراف المعنية وخصوصاً الرؤساء الثلاثة لئلا يقال لاحقاً ان سورية تتدخل في التفاصيل وتريد استبعاد هذا الشخص لمصلحة ذاك الشخص. وفي هذا السياق، اشارت المصادر الى ان دمشق، وإن كانت في غنى عن التدخل، لا تريد تكرار التجربة السابقة وتحديداً خلال الاتصالات لتشكيل الحكومة الحالية، إذ ان معظم الأطراف، إن لم يكن جميعها، سارعت في حينه الى نفض يديها منها وحاولت ان توحي بأن سورية فرضت التركيبة الوزارية بحالتها الراهنة، مؤكدة ان المسؤولين السوريين ابلغوا في حينه من يعنيهم الأمر بخطورة تقديم الحكومة الى الرأي العام وكأنها يتيمة الأبوين وبالتالي مكشوفة وليس هناك من يدافع عنها. على رغم ان المشكلة كانت ولا تزال في عدم التعاون في مجلس الوزراء من ناحية، وفي سوء أداء بعض الوزراء الذين ارتكبوا اخطاء وسارعوا الى إلقاء اللائمة على دمشق. لكن دمشق، وإن كانت ليست راغبة في التدخل في التفاصيل، فإنها في المقابل ابدت عدم ارتياحها حيال عدم وجود مبادرة للتفاهم في شأن طبيعة المرحلة المقبلة، بدءاً بتأليف الوزارة، وذلك لئلا يقال انها وراء غياب التعاون لتبرير عودتها الى التدخل في كل التفاصيل. كما ان عدم تدخلها سيدفعپالبعض الى تحميلها مسؤولية مباشرة ازاء الأضرار التي تلحق بالبلد من جراء عدم تواصل الرؤساء للتفاهم على العناوين الكبرى التي تستعجل ولادة الحكومة بصورة طبيعية. لذلك سارعت دمشق ومن خلال رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان العميد الركن رستم غزالة الذي انقطع منذ فترة عن استقبال الوزراء والنواب، الى إسداء نصيحة بضرورة كسر حاجز الجمود افساحاً في المجال امام الرؤساء للبحث في التغيير الوزاري، ولا سيما ان هناك من يفضّل ان تأتي الاستقالة تتويجاً للاتفاق على الحكومة البديلة، اضافة الى الأفضلية للحريري للعودة الى سدة الرئاسة الثالثة الذي لا منافس له فيها في المدى المنظور. واعتبرت المصادر النيابية ان انهاء القطيعة بين لحود والحريري امر ضروري نظراً الى وجود شعور ان التعاون هو قدرهما في الوقت الحاضر بصرف النظر عن المناكفات التي حصلت بينهما في السنوات الأخيرة، وهذا ما يفسر، بحسب قولها، الدور الذي يلعبه الحريري على صعيد المشاورات، مشيرة الى امكان التوصل الى حل وسط حول عدد اعضاء الحكومة يمكن ان يوفق بين مطالبة لحود وبري بوزارة موسعة 30 وزيراً واقتراح الحريري بأن تكون مصغرة 18 وزيراً بما يسمح بتمثيل الأحزاب او بعضها على الأقل.