يورغن هابرماس ترجمة: حسن صقر. العلم والتقنية كايديولوجية. دار الجمل، كولون. 2003. 160 صفحة. يشتمل كتاب يورغن هابرماس "العلم والتقنية كايديولوجيا" على سجال مع اطروحة هربرت ماركوزه التي تنص على ان "القوة المحركة للتكنولوجيا وتحويل الاشياء الى ادوات تنقلب الى قيود على التحرر وتحول الانسان الى اداة". وقد اهدى هذا الكتاب الى ماركوزه بمناسبة بلوغه السبعين من عمره. وفي عدد من اطروحاته حاول هابرماس اخضاع النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت للتعديل واعادة صياغتها من جديد، مثلما حاول تعديل نظرية ماركس عن الرأسمالية ونظريته عن فائض القيمة وكذلك تقويم نظرية ماكس فيبر عن العقلانية، في محاولة لاقامة نظرية نقدية توجه الاهتمام الى نوعية العلاقات والاتصالات الرمزية وتوضيح أهمية القوى الخارجية الضاغطة والسلطة التي تمارسها التكنولوجيا على الانسان، عن طريق الكشف عن وعي جديد يتخذ، في نهاية الامر، صورة عقلانية تكنولوجية. كما اكد هابرماس في ذات الوقت، على انه اذا ما تحرر الانسان من الوعي التقني واستعاد وعيه الذاتي المستلب فسوف يكتسب في الاخير مكانته الحقيقية. لقد استطاع هابرماس دوسلدروف 1929 الذي يعتبر اليوم من المع رواد مدرسة فرانكفورت في علم الاجتماع النقدي في المانيا، وآخر من بقي منهم على قيد الحياة، والوريث الشرعي لها، ان يجدد وان يحدد الأطر الاساسية لهذه المدرسة في بعديها الفلسفي والسوسيولوجي. لذلك يعتبر اليوم احد اهم الفلاسفة الاجتماعيين النقديين المعاصرين إن لم يكن الوحيد الذي بقي حياً، وذلك بسبب البناء الفكري الرصين والتيار النقدي المنفرد الذي قاده الى مرحلة متقدمة من الشمولية والانفتاح على العلوم الاخرى. يتضمن الكتاب دراسات يكمل بعضها البعض الآخر، وهي كما يلي: 1- العمل والتفاعل. 2- التقنية والعلم. 3- التقدم التقني وعالم الحياة. 4- السياسة المعلمنة والرأي العام. 5- المعرفة والمصلحة. وقد استطاع هابرماس في هذا الكتاب ان ينتقل الى مرحلة متقدمة في تكوين اتجاهه النقدي الخاص حول دور العلم والتقنية في مجتمع ما بعد الحداثة، منطلقاً من ان الرأسمالية المعاصرة رأسمالية متأخرة يأخذ التغير الاجتماعي فيها وتائر سريعة بحيث تتوسع النزعة العلموية توسعاً كبيراً. في 1956 سبق لماركوزه ان ذكر بان الظاهرة المميزة التي مؤداها ان السيطرة تتجه في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة صناعياً الى ان تخسر طبيعتهت الاستقلالية القامعة، اي انها تصبح "عقلانية" من دون ان تختفي سيطرتها السياسية لأنها تبقى مشروطة المقدرة والمصلحة في حفظ الجهاز بوصفه كاملاً وتوسيع مداه. وهذا المفهوم الشكلاني للعقلاني الذي استقاه من ماكس فيبر في الفعل العقلاني الهادف مطبقاً على معايير العلم والتقنية انما له تطبيقات مضمونية محددة. وكان ماركوزه على ثقة من ان ما دعاه فيبر "عقلنة" ليس عقلانية بالمعنى الصحيح وانما هو شكل من اشكال السيطرة السياسية غير المعترف بها، التي تتحقق باسم هذه العقلانية التي تتملص من علاقات المصالح الاجتماعية، وان الفعل العقلاني الهادف هو طبقاً لبُنيته "ممارسة الضبط" وهو لا يتخلى عن مضمونه السياسي. لذلك فان مفهوم العقل التقني ذاته هو ايديولوجيا. وبهذا تصبح التقنية ذاتها سيطرة على الطبيعة وعلى الانسان في آن، وهي سيطرة منهجية علمية ومحسوبة، تصبح على الدوام مشروعاً اجتماعياً - تاريخياً يُسقط فيها ما يريده مجتمع المصالح المتحكمة أفعاله بالناس والاشياء. وهو هدف "مادي" وينتمي الى حد ما الى العقل التقني ذاته. ومنذ نهاية القرن التاسع عشر اصبح هناك اتجاهان من التطور في المجتمعات المتقدمة رأسمالياً هما: نمو فاعلية الدولة القائمة على التدخل التي تؤكد على ثبات النسق اولاً، وارتباط متنام بين البحث العلمي والتقنية. كما تحقق بقوة وبصورة متزايدة اتجاه آخر يميز الرأسمالية المتأخرة وهو اضفاء العلمية على التقنية، وخاصة بعد ارتباط التطور التقني بعجلة تقدم العلوم الحديثة حيث اندمج العلم والتقنية والاستثمار وصولاً الى نسق واحد من شأنه ان يرفع التقدم العلمي والتقني الى المجال العسكري. وهكذا تتحول التقنية والعلم الى قوة انتاج من الدرجة الاولى وتسقط بذلك، بحسب هابرماس، شروط الاستخدام بالنسبة الى نظرية قيمة العمل الماركسية، اذ يتحول التقدم العلمي والتقني الى مصدر فائض قيمة مستقل وتصبح قوة عمل المنتجين المباشرة اقل اهمية. كما تنفذ هذه الاطروحة الى الجماهير غير المسيّسة وتصبح خلفية ايديولوجية تنشأ عنها قوة مشرعنة عن طريق القوة الايديولوجية للوعي التكنوقراطي التي تثبت جدارتها من خلال التمويه. ومع ان الوعي التكنوقراطي هذا أقل ايديولوجية من الايديولوجيات السابقة كلها، الا ان تحول العلم الى صنم اكثر مقاومة وابعد تأثيراً من الايديولوجيات القديمة الاخرى، لأنه يعطل الوعي العام بنسق التفاعل الذي يقوم على اللغة المتداولة التواصل، حيث تنشأ السيطرة والايديولوجيا ضمن شروط تواصل مشوّه يلغي الفوارق بين الممارسات وانعكاسات التقنية. بهذا تخترق الايديولوجيا الجديدة المصلحة التي ترتبط باللغة المتداولة وبالفردانية وتمتد الى المشاركة الذاتية للتفاهم والى انتاج تواصل خال من السيطرة، وهكذا يسمح الوعي التكنوقراطي باختفاء المصلحة العملية خلف توسع قوة التحكم التقنية الخاصة.