كنت سمعت أفكاراً من الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، والدكتور مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني، لتحريك عملية السلام على رغم أننا في سنة انتخابات رئاسية أميركية، وأكمل اليوم بأفكار الدكتور نبيل شعث، وزير الخارجية الفلسطيني، فقد وجدته أكثر تفاؤلاً بتحريك الوضع منه قبل أشهر. والسطور التالية تعكس جلسات معه في دافوس على هامش اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي. الدكتور شعث قال ان ثلاثة عناصر تضافرت في مصلحة تحريك عملية السلام، هي أولاً، نظر محكمة العدل الدولية في الجدار الأمني الاسرائىلي، فالفلسطينيون يعتقدون أنهم حلّوا مشكلة المشاركة الأوروبية في القضية، وثانياً القمة العربية مع وجود جهد سعودي للاصلاح والسلام وأفكار أردنية، ومع الأمل باقناع عدد من وزراء الخارجية الأجانب بحضور القمة، وثالثاً، لقاء مرتقب بين أبو علاء وآرييل شارون تعمل الأطراف المختلفة، بما فيها الطرف الأميركي، لعقده، والشرط الفلسطيني ان يعقد على أساس أجندة متّفق عليها، وأن يصدر عنه بيان مشترك متّفق عليه أيضاً. الدكتور شعث يقول ان هذا كلّه يجري مع خلفية أسباب إضافية للتفاؤل، فهناك موجة ثقة في العالم العربي من أسبابها بقاء أسعار النفط مرتفعة، وتسديد ديون خارجية وداخلية، وتحسّن أداء البورصات العربية، مع انفراج سوري - تركي، ومصري - إيراني، من نتائجه حلّ المشكلات مع الجيران وتكاتف الجميع في السعي لإحياء العملية السلمية. وهناك دور مصري نشط في الحوار الفلسطيني - الفلسطيني. وقد عاد وزير الخارجية المصري أحمد ماهر، ورئيس الاستخبارات اللواء عمر سليمان، الى رام الله لمواصلة الجهد المصري الأساسي في العملية كلها. الوزير الفلسطيني يعتقد ان بالإمكان السير الى الأمام على رغم الانتخابات الأميركية، وهو يقول انه على رغم غياب الادارة الأميركية، فهناك المجموعة العربية والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة، ومعها اليابان، وكلها تريد التحرّك الذي وضع له الفلسطينيون شعاراً مبسّطاً هو "وقف إطلاق النار، ووقف بناء الجدار". ويعترف الدكتور شعث بأن وقف إطلاق النار هو الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين لبدء تنفيذ خريطة الطريق، والمطلوب وقف إطلاق نار متبادل، فالخيار بالنسبة الى الفلسطينيين استراتيجي وليس تكتيكياً، وهو يمهد لتنشيط قوى السلام الاسرائىلية وإجراء انتخابات فلسطينية، وتنفيذ إصلاحات مطلوبة. ورفض الوزير طلبات اسرائىلية وأميركية هي بمعنى "دمّروا أنفسكم ثم تعالوا لنتفاوض". فهو يقول ان المسؤولية ليست متساوية، وطلب تدمير البنية التحتية للارهاب المزعوم يعني حرباً أهلية فلسطينية لن تقع مهما حاول شارون الذي يعرف جيداً انه دمر مؤسسات السلطة الوطنية ثم طالبها بحماية أمن اسرائيل. ولاحظ الوزير ان اسرائيل تبقي الرئيس ياسر عرفات تحت الحصار مع انه وحده قادر على ضبط الوضع الفلسطيني. الا انه يقول انه حتى اذا لم تحدث عودة كاملة الى خريطة الطريق، فإنه يكفي رفع الحصار عن الرئيس الفلسطيني، والانسحاب من المدن، ووقف بناء الجدار. من الواضح ان اسرائيل تستفيد من الجمود، وشارون يحاول جهده إنجاز "حقائق" على الأرض ستعني نهاية خريطة الطريق، فالجدار يرسم حدوداً جديدة، وفي رفح وحدها جرى هدم 19 صفاً من البيوت، وضرب حوالى خمسة آلاف منزل، دمّر منها بالكامل 1450 منزلاً، وأصبح 50 ألفاً من السكان في الطريق. أما في بلدات مثل قلقيلية، فالجدار يعني ان يحل الظلام في حوالى الثالثة بعد الظهر. وفي كل مكان يفصل الجدار بين المواطن الفلسطيني وحقله أو مدرسة ابنه، ويستحيل ان يقوم أي سلام معه. وهناك جريمة جديدة كل يوم، مثل قتل تسعة مدنيين في غزة قبل يومين. لو كان الجدار لمجرّد الأمن لبنته اسرائيل على حدودها أو داخلها، ووقاحة شارون من دون نهاية، فهو دمّر أجهزة الأمن الفلسطينية التي يريد منها ان تضبط الوضع، ثم يطلب وقف إطلاق النار من الفلسطينيين من دون ان يقدم أي تعهد في المقابل، مع ان الطلب يعني مواجهة مسلحة بين السلطة الوطنية والمقاومة الإسلامية مثل حماس والجهاد الإسلامي. والمطالب الأميركية لا تختلف كثيراً عن المطالب الاسرائىلية، فهي تعجيزية في غياب أجهزة أمن فلسطينية قادرة. والدكتور نبيل شعث يقول ان كل العمليات الانتحارية الأخيرة انطلقت من الضفة الغربية، ومن مناطق تحت الاحتلال المباشر. ويرى الوزير ان الحل هو في وقف لإطلاق النار، متزامن ومراقب، اذا كان لعملية السلام ان تخرج من جمودها الحالي. شخصياً لست في تفاؤل الدكتور نبيل شعث، لسبب بسيط هو وجود مجرم الحرب آرييل شارون على رأس الحكومة الاسرائىلية، غير ان التحرّك ضروري، وقد سمعت وزيراً عربياً له علاقة مباشرة بالمفاوضات يعرض فكرة ان تضمن الدول العربية وقف إطلاق النار من الفلسطينيين، وأن تطالب اسرائىل في المقابل بوقف مماثل لإطلاق النار، ووقف بناء الجدار، والانسحاب من المدن، تمهيداً لتنفيذ خريطة الطريق، ودخول المجموعة العربية طرفاً هو للضغط على الإدارة الأميركية التي تقول ان الفلسطينيين لا ينفذون، أو انهم عاجزون عن التنفيذ، فيكون وقف إطلاق النار هذه المرة بضمانة عربية عامة، ربما انطلقت من القمة في تونس.