ما الذي يبحث عنه الجنس البشري "هناك"، في الفضاء الكوني الهائل الاتساع؟ ارسلت "وكالة الفضاء والطيران الاميركية" "ناسا" الروبوتين "سبيريت" و"اوبورتشونيتي". وقبلهما، ارسلت "وكالة الفضاء الاوروبية" الروبوت "بيغيل-2" الصامت منذ عيد الميلاد الماضي. ثلاث مهمات الى المريخ لا يفصل بينها سوى شهر واحد. انه نشاط كبير في فترة وجيزة لبني البشر في الفضاء الكوني الذي يحيط بهم. خلال الخمسين سنة الماضية، وصل الانسان الى الفضاء و"سار" فيه ووضع اعداداً باتت كبيرة، من الاقمار الاصطناعية حول كوكبه اولها كان السوفياتي سبوتنيك. سار فوق التراب القمري الهش وعاد الأول الاميركي نيل ارمسترونغ. ركَّبَ محطة للاقامة المديدة في الفضاء. ركَّزَ بين الشمس والقمر، مركبيتين لرصدهما مشروع "سوهو" الاوروبي. ثبت رادارات عملاقة تتنصت على الاصوات في اعماق المجرات "مشروع "سيتي" الاميركي. يراقب تلسكوب "هابل" القوي اعماق المجرة، فيما يحاول تلسكوب اشعة - اكس "تشاندرا" مسح اطراف درب التبانة ونجومه وكلاهما من صنع "ناسا". دارت مركبات بشرية حول معظم الكواكب السيارة في الكوكب الشمسي. بل استطاع الانسان تحدي الشمس وجاذبيتها القوية وهالاتها وغبارها. خرجت مركبة الناسا "فوياجر 1" من النظام الشمسي برمته، لتضرب في الفضاء العميق. لنتوقف قليلاً عند "فوياجر"، لانها تحمل شيئاً مهماً ربما يستطيع ان يفسر هاجس الانسان باكتشاف الكون. رسالة بلغة الذرات الى ...كائنات الفضاء؟ انطلقت المركبة "فوياجر 1" عام 1979 بهدف الدوران حول معظم كواكب النظام الشمسي، بدءاً من الارض، ثم مغادرته. وفي عام 1987، بعد ثماني سنوات من السفر الكوني، استطاعت تحقيق هدفها. وتركت المجموعة الشمسية كلها. وتتابع سيرها نحو... المجهول. ولجلاء الغمموض يكفي القول ان "فوياجر 1" تحمل اسطوانة عليها كتابة بالذرات والالكترونات. تحكي الاسطوانة، بالرسوم الذرية، قصة البشرية وحضارتها ولغاتها وفنونها وما الى ذلك. وتحمل ايضاً رسالة سلام. لمن وُجِّهَت تلك الرسالة؟ ليس لأي احد بالتحديد، لكن تأمل ال"ناسا" ان تلتقط "حضارة ما في الكون" هذه الاسطوانة وتقرأها. انه نموذج عن الهاجس العميق الذي يؤرق اذهان البشر منذ قرون طويلة، ربما منذ بدء الانسانية نفسها. يمكن التعبير عن ذلك الهاجس بأسئلة من نوع: هل توجد حضارة اخرى في الكون؟ هل نحن وحيدون في فضاء شاسع مترام؟ هل يمكن الاتصال ب"الآخرين"؟ ما هي حضارتهم؟ هل هم مختلفون عنا؟ اذا وجدت حياة في الفضاء، هل تكون مجرد اشكال حية، ام انها مخلوقات ذكية ومُفَكِّرَة؟ هل نحن الوحيدون الذين نملك خاصية الذكاء؟ ما هو بالضبط موقعنا في الكون؟ السؤال الاخير مُمِض تماماً. اذا كنَّا الحضارة العاقلة الوحيدة في الكون كله، فإن ذلك فرادة نادرة تجعل من الانسان قيمة لا تضارع، لأنه فذ ولا نظير له اطلاقاً. ماذا عن العكس؟ كيف سيفكر الانسان بنفسه حينما يعرف انه مجرد "كائن آخر"؟ عندما تظهر حضارات اخرى في الكون، فإن نظرتنا الى انفسنا ستتغير جذرياً. لن نصبح نحن كما كنا من قبل. مع حضارات الفضاء، تصبح البشرية مجرد حضارة اخرى في الكون. لا شيء فريداً في الانسان. انه سؤال يطاول عمق نظرة الانسان الى نفسه والكون حوله. منذ زمن اليونان وصولاً الى كاسباروف! على عكس ما يعتقد كثيرون، فإن السؤال عن الحضارات الكونية ليس حديثاً. وفي ذلك الوقت المبكر، ساد خلاف على الجواب وما زال. فقد نظَّرَ الفيلسوف اليوناني ارسطو بأن النجوم هي مجرد اضواء في السماء! وعلى عكسه، ذهب هيراقليطس الى القول إن النجوم هي اماكن يقطنها بشر مثلنا. فقد فكر بأن قوانين الكون هي واحدة، وان ما ينطبق على الارض، ينطبق على اي مكان آخر في الكون. ونفى هيراقليطس التسليم بأي ميزة خاصة للارض وبشرها. وفي العام 1600، توصل الكاهن، وهاوي الفلك، جيردانو برونو الى القول ان الكون مملوء بالكائنات الحية والعاقلة، مثل الانسان تماماً. دفع برونو حياته ثمناً لهذا القول. فالحال ان الكنيسة الكاثوليكية القوية تبنت، في حينه، مبدأ ارسطو ودانت برونو بمخالفة الدين المسيحي وأحرقته. في عام 1609، تعرض الفلكي اللامع غاليليو لاختبار مماثل، فقد برهن ان الارض ليست مركز الكون. وأثبت ان الشمس هي مركز المجموعة الشمسية، وان الارض هي مجرد كوكب سيَّار يدور حولها. وببساطة، فإن غاليليو خالف مقولات الكنيسة وأرسطو التي شددت على ان الجنس البشري لا مثيل له في الكون برمته. واعتبرت الكنيسة ان فرادة الانسان جزء من الايمان وحاكمت غاليليو ايضاً وطلبت منه الرجوع عن معتقداته. فأنكر غاليليو مقولاته علناً ودَوَّنها سراً. وبعد الثورة الفرنسية 1789، فصل الغرب الدولة عن الكنيسة وسلطاتها. وعادت معتقدات غاليليو الى العلن. فأيدها العالم الانكليزي الفذ اسحاق نيوتن، الذي رصد الجاذبية وقوانينها. في عام 1898، وضع العالم الفرنسي سيمون لابلاس نظرية عن تشكل النظام الشمسي، بما في ذلك الارض، وهذه النظرية بخطوطها الكبيرة، ما زالت صحيحة راهناً على رغم مرور اكثر من مئة سنة عليها. بل ان الصور التي التقطها التلسكوب "هابل" عام 1995، زادتها برهاناً. ومنذ زمن لابلاس، ساد في اوساط علماء الفلك رأي يقول انه اذا اكتشف اي كوكب سيَّار، مثل الارض، يدور حول نجم، مثل الشمس، يكون ذلك برهاناً على احتمال ان تكون هناك حضارة مثل حضارة البشر في الكون. وفي مطلع 1996، اعلن العالمان في "ناسا" جيوفري مارس وبول بوتلر عن اكتشاف كوكبين سيَّارين يدوران حول نجمين في مجموعة الدب القطبي الاكبر في مجرتنا "درب التبانة". وسمي الاول "اورساي ماجوريس 47"" والثاني "فيرجينيس 70". وأكدا وجود كوكب سيَّار ثالث يدور حول النجم "بيغاسيس 51"، من مجموعة الفرس" وقد اكتشفه عالمان سويديان هما مايكل مايور وديديه كلوز في تشرين الثاني نوفمبر من عام 1995. مع ثلاثة كواكب سيَّارة، صار الحديث عن فرادة الارض ضعيفاً. وتتابعت الاكتشافات لتجد كواكب تماثل الارض" كان آخرها في مطلع العام الجاري. وفي 1996، اثارت "ناسا" آمالاً مذهلة عن وجود حياة فضائية، حينما اعلن مديرها دانيال غولدن اكتشاف آثار عن كائنات بسيطة، تشبه البكتيريا، في احد النيازك المريخية. ولذا، بات الحديث عن حصرية الحياة البيولوجية على الارض شديد الضعف. ماذا عن وجود حياة ذكية وعاقلة؟ الحال ان العام نفسه وجه ضربة الى فرادة الذكاء عند الانسان عندما تمكن الكومبيوتر "ديب بلو" من هزيمة البطل البشري غاري كاسباروف. ومع كل التطور الحاصل في الكومبيوتر، صار الحديث عن فرادة ذكاء الانسان ضعيفاً ايضاً. بهذه الاسئلة تنظر البشرية الى الفضاء وكواكبه، فأي رد سيأتي من المريخ؟