تمنى الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي أن "يتناصر السودانيون هذه المرة ليضغطوا على النظام حتى يتزحزح عن مواقع السلطة المغرية ويرجع بالبلد الى حكم الشعب الحر". وأضاف في حديث الى "الحياة" في الدوحة: "أسال الله أن يحدث ذلك من دون انتفاضة شعبية كما حدث في تشرين الأول أكتوبر 1964 ونيسان ابريل 1985، لأن السودان كله قد يتداعى وهو غير محكوم الآن من الخرطوم فقط". وأكد أن السودان "كله يتحرك الآن، غربه وجنوبه وشرقه، ولا وحدة للبلد بين كل أطرافه إلا بالتراضي والحريات والتحول الديموقراطي". ورأى أن "الانقلاب على حكم عسكري عسير". وقال الترابي أنه التقى زعيم "جبهة الإنقاذ" الجزائرية الشيخ عباس مدني وانه دار حديث بينهما في شأن مبادرة الأخير لإنهاء الاقتتال في الجزائر. واشاد الترابي بالمبادرة لكنه رأى أن "الاحتمال ضئيل في أن تتجاوب معها الحكومة الجزائرية لأن السلطة هناك مفتونة بالسلطة المطلقة". والتقى الترابي في الدوحة أيضا الشيخ يوسف القرضاوي، وقال أن اللقاء "تناول أوضاع الأمة الإسلامية، وأهمية ان يتنزل الفكر الإسلامي في نظم الحكم والإدارة والاقتصاد". وقال إن "المسلمين لا يعرفون كيف يحكم الإسلام ويدير الحياة". وفي ما يأتي نص الحوار: خرجت من السودان الى الدوحة للمرة الثانية بعد خروجك من المعتقل، هل يعني ذلك أن الحكومة السودانية أوقفت المضايقات؟ - كلا. لا تزال التدابير القانونية الاستثنائية قائمة، فقد مددت قوانين الطوارئ، وقوانين الأمن لا تزال قائمة، وكذلك الرقابة على الصحف تمضي بشدة، ولا يزال بعض الصحف محظورا ومنها صحيفة حزب المؤتمر الشعبي، على رغم اعلان الرئيس رفع الحظر عن كل الصحف، وعن هذه الصحيفة تحديدا. لم أقم ندوة عامة منذ خروجي من السجن، لكنني أتحدث في الجامعات في ندوات محصورة وليست شعبية عامة. هل حاولت ومنعتك الحكومة من إقامة ندوة عامة؟ - أنا أعلم أنني لو أردت أن أتحرك الى دار فور في غرب السودان لأتبين الأحداث هناك فلن يؤذن لنا بذلك، وحتى في الليل حركة الإنسان محظورة، وقد اعتقلت السلطة منا نحو 30 شخصاً في هذه الفترة. بأي تهمة؟ - بعضهم من أهل دارفور لكنهم يقيمون في الخرطوم، وبعضهم ليسوا من أهل دارفور لكنهم يعنون باللامركزية في وظائفهم في قيادة الحزب. لكنكم متهمون بتغذية الصراع في دارفور؟ - قبل ذلك اتهمنا بأننا نغذي الصراع في الجنوب ضحك ومن أجله دخلنا السجن والآن سعت الحكومة اليهم حركة قرنق ودخلت في أم القضايا واستسلمت لما يطلبون، واليوم تبحث عن حيل جديدة بأننا نغذي دارفور ماليا وكأننا أغنياء السودان. والفكر الذي يتهموننا به في دارفور هو أننا دعاة لامركزية وفيديرالية، وهذا موقفنا منذ قديم الزمان، نحن دعاة بسط العلم فلا يتركز، وبسط الثروة فلا تحتكر، وبسط السلطة فلا يحتفظ بها. ونحن ندعو للعدالة في كل السودان، وطبعا المناطق الأشد ظلما هي التي تحاول أن تبادر برد ميزان العدالة من المركزية الى اللامركزية. هل تعتقد بأن أحداث دارفور يمكن أن تعرقل السلام الشامل في السودان؟ - هي تعرقل لأن الذين يشرفون على النظام الشامل هم الأميركيون، وليت السلام كان لقاء أصيلا بين القوى السودانية في الجنوب والشمال. لأنه لو خرج عندئذ لكان عبر عن إخلاص السلام في النفوس. والآن كل الصحف تحدثك عن أن الأميركيين يفرضون عليهم الحكومة السودانية المواقيت، وحتى الاتفاق الأول وقعوا عليه كرها ولم يمهلوا إلا ساعتين. على رغم كل ما يقال عن الاملاءات الأميركية فقد تأخر موعد توقيع الاتفاق الشامل، وكان تردد أن أميركا حددت يوما معينا لتوقيع الطرفين السودانيين لكن هذا لم يحدث حتى الآن؟ - لكن القوى الأميركية لا تزال تمضي في نهج الضغط. وتذاكر السفر لحفلة التوقيع قدمت، ونحن نعلم انهم إذا لم يتوصلوا الى اتفاق فسيكتب لهم ما ينبغي أن يوقعوا عليه. أنا لست معنياً جداً بقسمة الثروة بالنسبة الى الجنوب، وأيما نصيب أخذوه فلن يسعفهم بنجدة عاجلة من حالتهم المزرية البائسة التي هم فيها في الجنوب، وكذلك أيما كان لديهم من سلطات فلست معنياً به. الاتفاقات كلها مدبرة على أن يهيأوا للانفصال، ونحن لا نعرف في النظم الدستورية كيف تنقسم السلطة والثروة وأن يقوم مصرف مستقل وجيش مستقل. ومهما يكن ذلك فالخطر في الأمر أنه يأتي بضغوط سافرة من الأميركيين، وأن اتفاق السلام لن يوقع في ساحة افريقية أو داخل السودان. قلت ان التذاكر قدمت لمسؤولين حكوميين من أجل السفر الى واشنطن لتوقيع اتفاق السلام؟ - نعم، بالفعل، لكن حصروا لهم الطلبات تأشيرات السفر أكثر مما أذن بها. الطلبات كانت بضعاً وثمانين ضحك لكن حصرت الاذونات الآن، وهم يحاولون توسيعها. والقوى السياسية الأخرى هل ستكون بمعزل عن حدث التوقيع على اتفاق السلام؟ - ليس الأحزاب فقط. حتى الشعب السوداني كله بمعزل عن الإتفاق لأنه لا يدري القضايا ولا نصوص الاتفاق حتى يضمنه ويبعث بنوابه الى الحكم بتفويض على أساسه. هذا هو الضمان، والضمان ليس دوليا بل هو الشعب. كنت في السودان قبل أشهر ولمست أن الشعب يريد الخلاص من الحرب بأي طريقة؟ - لكنه يريد أن يعرف كيف نتخلص من الحرب. لأنه إذا قرأ الأوراق بعد الحرب فماذا سيتبين له فيها. والمخاطر في الاتفاق تكمن في محاولة أن يترك الجنوب لجون قرنق ليستبد به، ويتفرغ جيشه بعد أن تتوقف الحرب ليردوا جيشهم الى الشمال ليتفرغوا للاستبداد فيه. وهل ستقبلون ذلك؟ - كيف نقبل؟ وودنا لو تناصرت كل القوى السياسية الأخرى معنا، لا من أجل حرية لنا بل حرية للجميع، ولا من اجل انتخابات حرة من أجلنا ولا من اجل الأسس الدستورية التي ندعو إليها، بل من أجل الجميع، ولو تناصرت كل القوى السياسية لوقع ضغط على الحكومة، وأهل السودان دائما يضاغطون الحكومة مدنيا ويردونها الى حكم الشعب. أعلنت في حديث سابق الى "الحياة" أن لقاء رباعيا سيجمعك مع قرنق والسيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة والسيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي رئيس التجمع الوطني الديموقراطي المعارض، لكن الاجتماع لم يعقد! - السيد الصادق المهدي التقيته داخل السودان وحزبنا يلتقي مع أعضاء في حزب الأمة، أما جون قرنق فأُخِّر في أميركا عمداً لئلا يصل الى فرنسا حيث كان سيعقد اللقاء، لكنني أتصل به بالهاتف وبغيره. وما مضمون هذه الاتصالات؟ - الاتصالات كانت تركز على التفاهم المبدئي، وكنا نرى مجالا لاتفاق افضل مما انتهت إليه الحكومة، لكن الحكومة بيدها السلطة والمال العام، وهي التي تعطي الآن. غير أن الضمان لبقاء هذا العطاء هو القوى السياسية كلها. والانعطاف عامة في الجنوب الآن غالبه نحو المؤتمر الشعبي، لأنه من أجله الجنوب سجنت قيادات الحزب وحُل. هل هناك أمل في أن تعقد لقاء قريبا مع جون قرنق؟ - إذا وقع أو لم يقع فهم يعلمون أن حزب المؤتمر الشعبي كان أدعى الناس الى اللامركزية وكان أحرص الناس على مد اليد من الشمالي الى الجنوبي ومن أجلها سجن. ويعلمون أنه أصدق القوى السياسية في الوفاء بالعهود. قرنق اقترب من الحكومة الآن وترك حزبك؟ - الحكومة هي في الواقع التي تتولى الأمر، وأنا لا أبالي بالواقعيات الظرفيه، ويهمني المدى الأطول. وكيف ترى الاتفاق الذي وقعه نائب الرئيس علي عثمان محمد طه مع الميرغني؟ - أشفقت على الحكومة أن تكتب أن الصحافة حرة وهي معطلة ومحجوزة بسلطة الأمن، وأن تكتب أن ينتخب الولاة وعلى هذه القضية حُل البرلمان الذي كان يرأسه الترابي بغير شرعية. هم مسؤولو الحكومة لا يقولون ما لا يفعلون فحسب بل يكتبون ويوقعون، وهذا يلقي الشك بأنه مهما وقعوا مع قرنق فإذا سنحت لهم الفرصة غدا فسينطلقون بغير وفاء. هل هذا تحذير لجون قرنق؟ - هذه سنة الحياة. وهو معه اليوم رياك مشار مساعد الرئيس السابق الذي انشق عن الحكومة وعاد الى الحركة الشعبية. إلتقيت البشير قبل فترة في حفلة عرس سوداني، فهل تشهد علاقتك مع الرئيس ونائبه تطوراً جديدا أم أنها ما زالت في حال الجمود؟ - هي ما زالت في حال الجمود والقطيعة، لكن على السودانيين أن يدركوا وأن يدرك عامة الناس في العالم أن العلاقات الاجتماعية تصل السودانيين مهما قطعتهم العلاقات السياسية. مستشار الرئيس الدكتور غازي صلاح الدين عزل بعد لقائه معك، هل كان موالياً لك؟ - عزل لأنه ظهر بذلك وأشهره وهو ليس الوزير الوحيد الذي لقيني من وزراء الدولة، هناك وزيرا الخارجية والزراعة ووالي الخرطوم وآخرون. لكن كان بين غازي والنائب الأول لرئيس الجمهورية حدة في العلاقة منذ عرفناهما، وما كان غازي يرى في هذا النائب الأول أهلية لأن يكون في أوضاعه المتعالية في قيادة الحركة وقيادة الدولة، وعندما جاءت محادثات السلام فإن النائب الأول أراد أن يكون له الكسب ولا يكون لغازي فتوترت بينهما العلاقة. ولذلك فإن زيارة غازي للترابي هي ليست القشة بل الكتلة التي قصمت ظهر البعير. في ظل كل التداعيات والتطورات في السودان كيف ترى سيناريو الأحداث في الفترة المقبلة؟ - التحديات هي أقدار يبتلى بها الناس، وما يترتب عليها هو وقف على أحوال الناس، وإذا مضت اتفاقية السلام وقعت فالأمر وقف على سلوك الحكومة، هل ستتحول الى حكومة ديموقراطية. الحكومة تسعى الآن الى أن تجمع اليها السيد محمد عثمان الميرغني والسيد الصادق المهدي حتى لو كلفها ذلك أن تبعد الآخر يقصد مبارك الفاضل مساعد رئيس الجمهورية الذي لا يرضاه السيد الصادق أي الشريحة التي انشقت منه من حزب الأمة، وحتى يكون المؤتمر الشعبي معزولا في المعارضة، لكن ذلك خير المواقع وأفضلها في السودان إذا كانت هناك حرية. مستقبل السودان وقف على سلوك الحكومة إزاء الاتفاق. وإذا وجد الجنوبيون ثغرة من ثغور الغدر بالاتفاق فسيحمي بهم الغضب وسينفصلون مباشرة من دون استفتاء. والأمر وقف على الشعب السوداني هل يبقى هكذا أم يصل الجنوب، وبعد السلام ربما تتوطد قاعدة وحدة وطنية في المجتمع، وإذا توحد المجتمع يتوحد السودان. الجيش السوداني صاحب الكلمة الفاصلة في أحداث السودان، فكيف ترى موقفه الآن؟ - الجيش السوداني ليس حاكما الآن بل يحكم باسمه، وفئة من العسكريين تعد على أصابع اليد تحكم. كل شيء مشترك الآن، الرئاسة نفسها ليست واحدة بعد الاتفاق مع قرنق وهي رئاسة ثنائية، والجيش الجديد هو خليفة هذا الجيش، وأعتقد أن القوات المسلحة في هذه الأحوال ترضى بما يرضى به الوطن والمجتمع. هذا يعني أنك لا تتوقع انقلابا عسكريا مثل الذي شاركت أنت فيه؟ - الانقلاب على حكم عسكري عسير، وثانيا كل القوى السياسية شاركت في انقلابات، حزب الأمة كان دبر انقلابا، والشيوعيون دبروا انقلابا، والإسلاميون دبروا انقلابا لكن العسكريين انقلبوا عليهم، والجيش لم يبادر بانقلاب في تاريخه.